غالية القادري (عن موقع لوموند) 24 غشت, 2018 - 04:14:00 فيسبوك هو المكان الوحيد الذي تستطيع نادية أن تتجول فيه ليلا ( لقد تم تغيير الأسماء الشخصية قبل كتابة المقال). في غرفتها الصغيرة التي لا تتوفر على نافذة والتي تشتغل فيها المروحة الكهربائية بأقصى سرعتها و بدون توقف، تحاول نادية أن تستنشق بعض الهواء، لقد أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي تشكل لها نوعا من الامتداد الشخصي وأحدثت ثورة في حياة هذه الشابة ذات الثلاثة و عشرين عاما والتي تعمل كموظفة في وكالة بنكية وقد خنقتها التقاليد التي لم يعد أحد من معارفها يتشبث بها سوى والداها، في الغرفة المجاورة يقعد الأب والأم وهما لا يستطيعان تخيل ما يدور في مخيلة ابنتهما نادية وهي ترتدي فوق رأسها حجابا متعدد الألوان لا يكاد يغطي شعرها البنيّ وهو حجاب ثوبه من الحرير المستورد من العربية السعودية وجودته عالية كما تردد باعتزاز وفخر هذه الشابة ذات العينين الواسعتين السوداوتين. في صباح كل يوم، ما أن تتجاوز عتبة الدخول إلى البنك الذي تشتغل فيه، تطرح نادية حجابها جانبا في درج مكتبها وهي تقول " هناك وقت لكل شيء" ثم ترتديه ثانية عندما تعود في المساء إلى شقة أبويها الموجودة في حي شعبي من أحياء الدارالبيضاء. في هذا المساء الربيعي سوف تتعرف نادية (على متن الحافلة أو عندما تمشي على قدميها في الشارع الكبير المجاور للبيت أو عند مدخل العمارة ) على العديد من الأشخاص الجدد، "لا أدري إذا كانت هذه اللقاءات السريعة مناسبة حقيقة لربط علاقات جديدة أو هي مجرد علاقات ذات اتجاه واحد". في نفس الأمسية خاطبها أربعة رجال بنداءات من قبيل:"أنت غزالة جميلة "، و "هل يمكنك أن تمنحيني عنوانك على الواتساب ؟" ثم " إلى أين أنت ذاهبة في هذه الساعة؟ هل يمكن أن ألتقي بك فيما بعد؟" ولاشك أنها لو كانت بدون حجاب لارتفع هذا العدد إلى أكثر من أربعة. ولكن نادية تتجاهل هذه التحرشات وعن هذه التصرفات تقول : "في الشارع هذه العبارات لا تعبّر عن الغَزَل بل هذا هو التحرش." أما في فضاء الفيسبوك، فإن ناديه تجيب على كل النداءات تقريبا: "هنا، لديّ عنصر التحكم". على شاشة هاتفها الجوال تقوم بتمرير إبهامها لمشاهدة مئات الرسائل المجهولة التي تلقتها منذ عام 2012. غريب أمر هؤلاء الشباب الذين يرغبون في "التواصل" معها دون أن تكون لهم معها معرفة سابقة . "إن الرجال يبحثون عن الفتاة التي تسكن هنا إما من أجل ممارسة الجنس أو للزواج "، والفيسبوك يسمح لهم بالاختيار بناء على الصور المنشورة في البروفايل. أما في حالة نادية فقد وضعت صورة لها بشعر قصير و ابتسامة رائعة، "لقد تطلب الأمر مني عدة أسابيع لأعثر على المظهر المناسب". نادية تتحدى أبويها و إخوانها بعد طعام العشاء العائلي تبدأ الطقوس: "لا يعجبونني بالضرورة و لكني أجد المتعة في إثارتهم من أجل الإثارة فقط." في بعض الحالات تكفي بضعة كلمات لطيفة لا تحترم التقاليد والأعراف و يكفي التلميح دون التصريح. في غرفتها و أحيانا في وسط الصالون تتحدى نادية إخوتها ووالديها و هي تتبادل عبارات الغزل والإثارة عبر الهاتف.. في هذه المرة هي تخاطب الشاب ياسر الذي يعيش في مدينة طنجة وقد وعدها بالحضور لرؤيتها قبل نهاية السنة. لقد عاشت مغامرات عاطفية مع عدة رجال آخرين في نفس الوقت ومنها التي وصلت إلى مرحلة الممارسات الجنسية. في هذا البلد الذي لازال متشبثا بتقاليده العتيقة وهو يسعى في نفس الوقت إلى اللحاق بركب الحداثة استطاع التحرش الرقمي أن يمنح بعض السلطة للنساء لأن شبكات التواصل الاجتماعي تسمح لك أن تربط علاقات تعارف دون أن يراك أحد و لذلك أصبح باستطاعة المرأة أن تمارس الإغواء دون أن ينعتها أحد بالعاهرة كما تقول فتيحة وهي الأخت الكبرى لنادية والتي يبلغ عمرها 29 سنة وهي تتحدث بكلمات صريحة و ربما صادمة .هي امرأة متزوجة وقد أنجبت طفلين و لكنها لم تتعرف على زوجها قبل الزواج بل قام بعض أصدقاء العائلة بتقديمها له وترتيب ظروف الزواج. لم تعش فتيحة مثل أختها نادية زمن الثورة الرقمية و الحرية الجنسية التي رافقتها ولو أنها حرية تنطلق من العالم الافتراضي. تقول فتيحة: "مثلي مثل نادية، لم يكن مسموحا لي بالخروج برفقة الرجال. بل إني لو كلمتُ أحدهم في الشارع ذات يوم ففي مساء نفس اليوم سوف تنادي عليّ أمّي إلى غرفتها و تهمس في أذني أن الفتاة التي لا تحرص كثيرا على شرفها و عفتها ينتهي بها المطاف إلى ضياع شرف العائلة كلها، أما هنا في حيّنا فلم يعد ممكنا أن تخفي تصرفاتك لأن الجيران يراقبون كل شيء من نوافذهم و لا يترددون في إخبار الآباء و ربما الشرطة إذا رأوا شابة وشابا يتبادلان الحديث في الشارع علما أن القانون الجنائي المغربي يتكلف بالباقي حيث الفصل 490 يعاقب بالسجن من شهر إلى سنة كل من مارس الجنس خارج إطار الزواج و الفصل 489 يعاقب على ربط العلاقات الجنسية المثلية (الشذوذ الجنسي والفصل 491 يعاقب على الخيانة الزوجية " الفجوة الكبيرة مع المحافظين لقد انتشر استعمال الشبكات الاجتماعية بالتزامن مع تأثير التيارات السلفية في المغرب، فازداد حجم الفجوة بين المحافظين والحداثيين. في هذا البلد الذي حافظت تقاليده على التمييز بين الجنسين استطاعت شبكة الإنترنيت أن تكسر الحواجز بين الجنسين بعد أن أصبحت نسبة 63 في المئة من السكان تستعمل هذه الشبكة الرقمية للتواصل. عن هذا الجانب توصل نادية قائلة: "في الشارع والمقهي والمطعم والنقل لا نلتقي إلا الناس الذين ينتمون لنفس الطبقة الاجتماعية، أما في فضاء الفيسبوك فأنت تتحدث في نفس الوقت مع مدير الشركة ومع السيدة التي تشتغل عاملة للنظافة في المكاتب والشركات.. لأن الفيسبوك فيه متسع للجميع ومن لا يعرف القراءة والكتابة يستعمل التطبيقات الصوتية". وفي السنوات الأخيرة،انتشرت ظاهرة تيندر Tinder بين العزاب والعازبات في المغرب. بنقرة واحدة، يستطيع التطبيق أن يظهر لك مئات الشركاء المحتمَلين وهو ما يوفر عليك العقبات التي تعترضك في الحياة الحقيقية وفي الأماكن التي يكون فيها اللقاء ممنوعا أو غير مرغوب فيه والتي غالبا ما يرتادها الرجال فقط. وهناك أيضا تطبيقات ترتيب اللقاء بين الجنسين مثل الصيغة المحلية لتطبيق Meeticحيث نجد إعلانات مثل :"رجل يبحث عن امرأة " أو "هنا ستعثر على الزوج الذي يناسبك" أو " كيف تعثر على زوج غني في المغرب ". سليم مهندس إعلاميات يبلغ عمره 32 سنة وله ملاحظة من نوع مختلف عن الموضوع:"على النقيض من البلدان الغربية التي نشأت فيها هذه التطبيقات الرقمية ففي المغرب لا يمكنك أن ترتب موعدا مع الطرف الآخر بعد نصف ساعة في الحانة المجاورة" ولذلك فهو يلتقي الشابة نرجس في الطابق العلوي من المقهى القريب، والمقهى هو المكان المفضل للشبان والشابات في الدارالبيضاء، " في الطابق العلوي من المقهى يمكنك أن تلامس يد صديقتك تحت الطاولة ويمكنك أيضا تقبيلها خلسة ". لقد تعرّف سليم على نرجس منذ عام تقريبا خلال دورة تدريبية مهنية في مراكش و منذ ذلك الحين استمرت علاقتهما بفضل الواتساب. التحايل على القانون ولكن كل واحد منهما يعيش مع والديه. سليم لا يمتلك الإمكانيات المالية لشراء منزل خاص، أما نرجس البالغة من العمر 28 سنة فإنها تشرح أنه "بالنسبة للمرأة المغربية، حتى عندما تتوفر لديها الإمكانية المادية فإنه من الصعب جداً مغادرة منزل الأبوين قبل الزواج"، في المدن، حيث توجد النساء الموظفات بكثرة ومنهن من لها مسؤولية مهنية كبيرة يتجاوز معدل سن الزواج للنساء 26 عاماً، وهو الرقم الذي كان أقل من 20 في عقد الستينات من القرن العشرين. لذلك كان عليهما اللجوء إلى التحايل ليستمر الحب بينهما، سليم يصف هذه الحالة قائلا: " لقد كنا نختبئ في أدراج العمارات خلال فترة الغذاء لكي نتبادل القبلات وكنا نجد فيها نماذج من العازل الطبي المستعمل ملقاة على الأرض وهي ظروف ليست رومانسية جدا. من جهة أخرى فإن الجيران وحراس العمارات ومخبري الشرطة بجميع أنواعها يسارعون إلى التبليغ عن لقاء شابة وشاب في الفضاء العام وإذا ما ضبطتنا الشرطة ونحن مع بعضنا يسألوننا ماذا تفعلان مجتمعين؟"وتمضي نرجس قائلة: "ثم جاءت مرحلة تطبيق Airbnb أيربنب. بينما القيّمون على الفنادق يطلبون دائما نسخة من عقد الزواج إذا ما تقدم شاب و شابة وطلبا غرفة في الفندق للمبيت فيها، فإن التطبيقات الرقمية تسمح بالتحايل على القانون. "نحن نذهب للشقة التي نكتريها بفضل هذا التطبيق بعد ساعات العمل ولا نقضي فيها ليلتنا لكي لا يتوجس والداها من غيابها عن المنزل. وبوجه عام، فإن حارس العمارة هو الذي يستقبلنا و في المقابل نضع في يده بعض الأوراق النقدية لإسكاته" ثم تبتسم وهي متضايقة من هذه الرواية، وتضيف: "إن هذه الممارسات تجعلني أشعر وكأني عاهرة ولقد تعبتُ من الجنس السريع ومن الكذب على أسرتي كما أخشى أن تصبح هذه العلاقة بلا مستقبل، إذا ما اكتشف أمري أمام أسرتي فستكون هي نقطة النهاية." نشر على جريدة لوموند بتاريخ 13 غشت 2018 الترجمة من الفرنسية للعربية: موقع لكم2