السياق/الأهداف/الآلية عقب تربع الملك محمدالسادس على العرش في صيف 1999 ساد بالمغرب شعور بالأمل في العهد الجديد خصوصا بعد المبادرات و الأوراش التي أطلقها القصر. لكن تقلص هامش حرية التعبير و التراجعات اللافتة على مكتسبات حقوقية بعد التفجيرات الإجرامية في مايو 2003 بالدار البيضاء والانتكاسة التي عرفتها الانتخابات البرلمانية سنة 2007 و فضائح الانتخابات المحلية سنة 2009 ستلقي بظلال من الشك على العملية السياسية برمتها وبدا وضحا أننا دخلنا مرحلة من الانسداد والفراغ السياسي القاتل وبدأت ترتسم في الأفق إرهاصات انفجارات اجتماعية شبيهة بما حدث سنوات 1965/1981/1984/1990(سيدي إفني-صفرو-بوكيدارن- إملشيل-العطاوية- خريبكة...) نتيجة عقود من الإخفاقات الحكومية عجزت فيها الحكومات المتتالية عن تحقيق التنمية المطلوبة وضمان الوحدة الشاملة ونتيجة السعي الدائب لأطراف من داخل النظام على إفراغ الصراع السياسي من المعنى، عبر إضعاف الأحزاب و النقابات بالقمع و التلغيم من الداخل و استنبات كيانات ملحقة بها ، الأمر الذي سيجعل المؤسسات الوسيطة(أحزابا و نقابات...) غير قادرة على القيام بمهام تأطير المواطنين بشكل حضاري إبان التوترات الاجتماعية مادام قد رسخ في الأذهان فسادها و لامصداقيتها. لكن مع هبوب رياح التغيير على العالم العربي سيعرف المغرب دينامية سياسية تتساوق وما يعرفه المحيط الجهوي من تغييرات تكاد تكون راديكالية تطال شكل النظام السياسي و تمثلات الشعوب لدورها في فعل التغيير. دينامية أطلق شرارتها الأولى شباب 20 فبراير، الذي عبر عن وجوده من خلال التظاهر والاعتصام والاحتجاج السلمي الحضاري مما أعاد ضخ دماء جديدة في الحياة السياسية ببلادنا و دفعت بشبابنا، بعد أن طاله اليأس والإحباط والنظرة التشاؤمية بفعل الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي يعيشه ، إلى التشبث من جديد بالأمل في مغرب آخر، ومنحت لهؤلاء الشباب إمكانية إثبات الذات بوعيهم وانضباطهم وثقتهم في إمكانية الدفع بقاطرة الإصلاح ببلادنا متى أتيحت لهم الفرصة السياسية والاقتصادية التي تعيد إليهم انتماؤهم المفقود لأوطانهم وتحيي فيهم الثقة في النفس وبقدراتهم- التي سلبها منهم المستبدون والفاسدون ومحترفو السياسة- وتحيي فيهم الرغبة في بناء مغرب المصالحة مع الذات ومن أجل تدشين مرحلة جديدة من الالتحام والالتفاف حول مشروع مجتمعي وطني، مشروع النهضة و الديمقراطية والحداثة المبدعة. وإذا كانت حركة 20 فبراير قد طالبت بإصلاح شامل يعكس مطالب جماهيرية حيوية وتمشيا مع التطورات الدولية التي لم تعد تقبل استمرار النظم الشمولية المطلقة، وركزت على أهداف تصب في جملتها في التصدي للفساد والمفسدين والمطالبة بالحريات السياسية وتحقيق العدالة الاجتماعية والقيام بإصلاحات سياسية ودستورية ضرورية لإدخال المغرب إلى نادي الدول الديمقراطية، وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة تفرز مؤسسات تجسد سيادة الشعب وتعبر عن آماله و طالبت بتعليم واع متفوق و بالحقوق الأساسية كالحق في الصحة والسكن والشغل و الحرية وقضاء عادل وتحرير الإعلام ليصبح حرا يستوعب الجميع. فإننا نسجل بالمقابل أن النظام المغربي قد تفاعل بإيجابية مع هذه الدينامية من خلال امتناعه بشكل عام عن قمع الوقفات والمسيرات السلمية وتوسيع دائرة استعمال الإعلام العمومي وإعادة هيكلة وصلاحيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومجلس المنافسة ومؤسسة الوسيط والهيأة الوطنية لمحاربة الرشوة وفتح ورش الإصلاح الدستوري وإطلاق بعض المعتقلين السياسيين والمصادقة على اتفاقية مناهضة التعذيب الخ.. مما أعطى انطباعا أوليا أن المغرب يشكل استثناء حقيقيا داخل المنظومة العربية. لكن الأطراف التي لا مصلحة لها في التغيير والانتقال الديمقراطي من قوى المحافظة والإفساد التي ألفت الاشتغال في الظلام وبالمؤامرة أرادت أن تجر بلادنا إلى منزلقات خطيرة لا تبشر بخير،بل إنها مع اقتراب طرح الوثيقة الدستورية للتداول و الاستفتاء تسعى اليوم، عبر تصوير الحراك الحالي و كأنه موجه ضد الملك والملكية، إلى إفراغ مبادرات الملك من أبعادها الإصلاحية وإفشال نية القصر في التعاطي الإيجابي مع المطالبات الشعبية والنيل من رغبة القوى الديمقراطية في الانتقال الديمقراطي السلمي و السلس و ضرب نضال شباب حركة 20 فبراير من أجل الكرامة و الحرية في ظل ملكية برلمانية مواطنة مما تستلزم الرد السريع للحيلولة دون تعميق حالة الاحتقان التي لن تخدم إلا أجندة المحافظين و المتشددين الذين تفاجؤوا بربيع الديمقراطية العربي و تفاجؤوا بنضج جزء وازن من الشارع المغربي وبتفاعل القصر مع مطالب الجماهير فسعوا إلى توتير الأجواء مستغلين بعض الأحداث( تفجير أرغانة الإرهابي) ورفع بعض الشعارات الديماغوجية و المغامراتية المعزولة للإيهام أن الحراك الحالي موجه ضد النظام السياسي القائم وضد أمن البلاد وللحيلولة دون أن تتحول التطورات الأخيرة التي اتسمت باستعمال العنف المفرط من طرف السلطة ضد المحتجين والمتظاهرين وذهب ضحيتها الشهيد كمال العماري- تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته ورزق أهله الصبر والسلوان- إلى فخ يلقي بظلال قاتمة على بلادنا ويضعها على عتبة المجهول الذي لا تحمد عقباه و يعرقل دينامية الشارع المغربي وحركة الأحداث نحو الأهداف المرسومة وإعادتنا إلى مرحلة كنا نظن أننا قد قطعنا معها لغير رجعة. إننا نقدر أن بلادنا لا زالت أمامها فرصة تاريخية لإنجاز الانتقال نحو الديمقراطية شريطة تجاوز ما يخطط له مركب المحافظة والتطرف و الردة السياسي ونقدر أننا اليوم في مفترق طرق حقيقي أمام تحديات واكراهات قد ترهن مستقبل المغرب للمجهول إن لم نحسن حكاما ومحكومين التعامل معها ونقدر أنه يتعين علينا أن نمضي قدما إلى النهاية في أوراش الإصلاحات إذا أردنا تجنيب إدخال بلادنا دوامة صراعات قد تهددها في وحدتها واستقرارها. اليوم لم يعد مقبولا أن يقول أي كان إنه يمتلك العصا السحرية لحل مشاكل المغرب المستعصية في مختلف المجالات. ولكننا جميعا بمقدورنا أن نذهب بعيدا في إنجاح أوراش الإصلاح الشامل على أرضية مناخ تصالحي وتشاركي وبطريقة آمنة في ظل سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وعلى رأسها الحق في التظاهر السلمي الحضاري والحق في التعبير والتجمع. مستحضرين صعوبة انجاز الإصلاح وأنه لن يتحقق بين عشية وضحاها، ومن دون أن تكون هذه العملية عملية بناء واسعة للمجتمع وفق علاقات سياسية واجتماعية تجعل من إنجاح ورش الانتقال إلى الديمقراطية أولى أولويات المجتمع والدولة وعملية بيداغوجية للارتقاء بالوعي الجماعي الفكري والسياسي والثقافي في جو من القبول بالتعدد والاختلاف وجو من التدافع السلمي الحضاري في أحيان وفي أجواء من الاتفاق والتوافق بين الدولة ومكونات المجتمع من هيآت سياسية ومؤسسات المجتمع المدني في أحيان أخرى. أي أن نعمل على أن تصبح عملية الانتقال إلى الديمقراطية قرارا سياسيا جماعيا واستجابة ملحة لمتطلبات المرحلة وعملية متعددة الأبعاد ومتداخلة المجالات: السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية . وإذا كان التحول إلى الديمقراطية رهينا بالدرجة الأولى بالتفاعل بين مكونات المجتمع والدولة ، فإن ذلك التفاعل لن يتأتى إلا من خلال حوار وطني جاد وصريح بين كل الأطراف الفاعلة ومن خلال تعزيز الحراك السياسي والاجتماعي على قاعدة الحرية المسؤولة وليس قمعه وممارسة العنف ضده أو إفراغه من محتواه عبر اختراقه مستحضرين أن استمرار دينامية 20 فبراير و باقي الديناميات الاحتجاجية السلمية هو مصلحة وطنية حتى بالنسبة للدولة باعتبار أن تيقظ الشعوب(و خاصة الشباب) هو ضمانة لعدم النكوص و الارتداد ، ولكن على قاعدة المطالب التأسيسية و الشعارات المسؤولة غير المغامرة ومن خلال تقدم الدولة في سيرورة انجاز الإصلاحات الضرورية والمصاحبة للتحول إلى الديمقراطية وعلى رأسها الإصلاحات السياسية والدستورية باعتبارها قاطرة لكل إصلاح شامل وحل للمشاكل الاجتماعية. أهداف الحوار الوطني: إن الهدف الأساس من الحوار الوطني الذي لن يستثني أحدا أو يقصيه بسبب انتمائه الفكري أو الإيديولوجي أو لخياراته السياسية هو الاتفاق على خارطة طريق لتدبير المرحلة المقبلة في اتجاه دمقرطة الدولة و المجتمع على الأسس التالية: _ ضمان استمرارية الدولة و استقرارها في ظل ملكية برلمانية مواطنة والتصدي لكل محاولات تقسيم المجتمع المغربي على قاعدة الموقف من الملكية. _ تفعيل آليات المراقبة و المحاسبة بالنسبة لتدبير الشأن العام . _ ضمان التداول السلمي على السلطة. - تدبير الاختلاف والتعدد وإيقاف كل حملات التشويه و التضليل التي يقوم بها الإعلام الرسمي و جزء من الإعلام الخاص في حق الحراك الجماهيري الذي تعرفه بلادنا، و فتح الإعلام العمومي لجميع القوى السياسية و الاجتماعية . - طرح بديل للخيارات التي لا يتكلم أصحابها إلا لغة القمع والتعاطي العنيف مع الحركة الاحتجاجية وانتهاك حقوق الإنسان ومصادرة الحريات وتدفع إلى انفصال السياسة عن المجتمع ومتطلباته وتطلعاته. - فتح جسور الحوار بين الدولة و بين كل القوى الفاعلة غير الممثلة في المؤسسات عوض واقع التشنج القائم. - البحث في معيقات الانتقال إلى الديمقراطية . - البحث في آليات مناسبة لضمان نجاح العملية الديمقراطية. - تعزيز الشعور بالانتماء والمواطنة بما يعزز أمن البلاد واستقرارها ووحدتها. - تحديد معالم مشروعنا المجتمعي الوطني، نضع فيه أسس تنمية بشرية حقيقية كفيلة بالنهوض بالبلاد في كل المجالات و البحث في سبل إيجاد حلول للمطالب الاجتماعية والاقتصادية التي تطالب بها الجماهير. الآلية: إن المسؤولية السياسية و التاريخية تقتضي الوضوح و بذل الوسع من أجل أن يسود صوت الحكمة و التعقل و محاصرة خطابات المزايدة و التضليل و خلط الأوراق، فمعركتنا اليوم ضد الفساد و الاستبداد من أجل مغرب ديمقراطي يحيى فيه المواطنون بكرامة و حرية، وتوزع فيه الثروة توزيعا عادلا وتقتضي تشييد جسور و آليات الحوار و الإنصات و الاستجابة العقلانية، لا اللجوء لمنطق العنف و الاعتقال الذي لا يؤدي إلا إلى التصلب و التصعيد الذي لا يخدم إلا أجندة المتشددين و المحافظين. إن دقة المرحلة وخطورتها وانعكاساتها المحتملة على مستقبل بلادنا ووحدتها تتطلب حوارا وطنيا ومسؤولا، وليكن على شكل ندوة وطنية مستمرة يسيرها ويسهر على تنظيمها هيأة وطنية مستقلة تتمتع بالمصداقية عند الدولة وعند الجماهير بما يؤهلها لتجسير العلاقة بين الدولة والمجتمع بكل حساسياته . هيأة لأفرادها زاد علمي ومعرفي و مشهود لهم بالكفاءة و الحكمة و التجرد والنزاهة و التجربة بما يؤهلهم ليقوموا بمهمة التفكير في أوراش الحوار وترتيب أولوياته ويؤهلهم بتنظيمه و تسييره و إعداد جدول أعماله أي إنضاج شروط نجاحه. ولن يكون الحوار وطنيا حقيقيا إلا إذا عكس كل التوجهات والرؤى والأفكار والقناعات والمرجعيات الممثلة في المجتمع أي لا يكون فيه المجال لإقصاء أي أحد. وطبيعي أن يعمل مثل هذا الحوار على الوصول إلى الحد الأدنى من الاتفاق والتوافق والتفاهم بين مكونات المجتمع والدولة المغربية في القضايا المطروحة ويحدد التزامات كل طرف بما يدعم الانتماء والهوية والوحدة ويساهم في انجاز الانتقال إلى الديمقراطية. المصطفى المعتصم الرباط في07-06-2011