مع إشراقة صباح يوم الاثنين و عودتي إلى العمل و الاتصال ببعض الأصدقاء الموظفين داخل إدارتي و خارجها، وقفت على فضيحة نتيجة الاستفتاء في مدينة طنجة. كنت أتمنى صادقا، أن تسجل وزارة الداخلية نقطة لصالحها و تبرهن للمقاطعين و المشككين أن عصرا جديدا قد بدأ، إلا أن عقلية المخزن تغلبت و ربما بشكل غير مسبوق في تاريخ الاستفتاءات المغربية. لا أريد هنا التعميم، بل سأقتصر بالحديث عن ما جرى في طنجة، و بلسان من أشرف على تأطير العملية؛ فحجم التزوير لم يمسس بشكل محدود نتيجة التصويت بل قوضها من أساسها، و أفرغها من محتواها، و إليكم بعض المعطيات: ° على صعيد المكاتب القروية، لم تحتج فيها الإدارة إلى مجهود كبير، فقد تكلف الشيوخ و المقدمون و المنتخبون المحليون (الفاسدون في غالب الأحيان)، بإحضار الشيوخ و النساء عبر سيارات "الخطافة" التي وزعت بشكل دقيق على جميع الدواوير. وبذلك ضمنت نسبة تصويت على المقاس بتطبيق مقولة "الحاضر ينوب عن الغائب"، حيث تكلف الحاضرون بالقيام ب"الواجب الوطني" نيابة عن الأبناء و الأزواج و الجيران و الأهل و الأحباب، ذلك أن الواحد منهم ناب عن جميع أفراد أسرته الذين لم يحضروا للإدلاء بأصواتهم. ولم تكن هناك أي مراقبة لبطاقات الناخب، أما تقديم البطاقة الوطنية للمطابقة فذلك إجراء روتيني غير جدير بالعرس الدستوري. ° في مكاتب المدينة كانت مهمة الداخلية أكثر صعوبة، فمع مرور الوقت بدت معالم "الكارثة" واضحة، فحملة أعضاء مجلس المدينة و جمعياتهم المدللة لم تؤمن الحد الأدنى من المصوتين، ذلك أن نسبة التصويت بعد صلاة الظهر لم تتجاوز 20 في المئة من مجموع المسجلين في الأغلية الساحقة من المكاتب. عند تلك اللحظة، و تحت ضغط رؤساءهم بدأ القياد بفتح النقاش مع رؤساء المكاتب، و كانت البداية بضرورة تيسير شروط المشاركة و عدم الإصرار على تقديم البطاقة الوطنية، و قد استجاب أغلب المسؤولين بالمكاتب لهذا الرجاء. بالموزاة مع ذلك كان المقدمون يقومون بحملات تمشيطية داخل دائرة نفوذهم الترابي (كمثال على ذلك حملة حي العوامة في اتجاه مكتب التصويت "ق"). و بالرغم من "الجهد الحثيث" لرجال السلطة إلا أن النتيجة ظلت دون المستوى المطلوب مركزيا، مما يعني عقابا عاجلا لكل قائد متخاذل. و في ظل هذه اللحظات المفعمة ب"المشاعر الوطنية"، تدخل المنتخبون المحليون ( كمثال على ذلك تدخل رئيس إحدى المقاطعات الأربع لدى مسؤولي مكاتب التصويت طالبا منهم "تيسير" عمل رجال الداخلية : و بعبارة أوضح عليهم "التصرف"). و معنى "التصرف" هنا حسب الشرح المستفيض لمختلف الشيوخ: هو ببساطة إضافة ما يلزم من الأظرفة السحرية قبيل ساعة الإغلاق و إضافة العلامات المماثلة لها في اللوائح "ومريضنا ما عندو باس" . أمام هذا الوضع و أمام الضغوط المتزايدة، هناك من استجاب من رؤساء المكاتب و منهم من لم يستجب. و إذا تساءلتم عن مصير محاضر الذين لم يستجيبوا، فالجواب بسيط: يمزق المحضر غير المرغوب فيه و يعوض بالمحضر المناسب. كل هذا في غياب مطلق لكل مراقبة أو تحقق، بل فقط إشراف موظفي الداخلية وأعوانها. و تظل السلبية الوحيدة في الموضوع هو اضطرار الداخلية الى الاستعانة بموظفي المصالح الخارجية ، و الذين ليسوا بالضرورة تحت نفس الإكراه الذي يعانيه زملائهم بالداخلية. هؤلاء كانوا شهودا على ليل اغتصاب الإرادة و الحقيقة و التاريخ و المستقبل بمدينة طنجة. بعد كل هذا، فهمت نسبة التصويت بطنجة و التي تعدت 70 في المئة، رغم أن بعض المظاهرات الداعية للمقاطعة تعدت عشرات الألاف. و يبقى السؤال المحير: لماذا هذا الإصرار على تشويه الحقيقة رغم أن نتيجة التصويت كان يحتمل أن تكون إيجابية ما دام أن الدولة استخدمت كل أساليب فرض قول نعم طيلة أيام الحملة العشرة؟ لماذا هذا الإصرار على توجيه رسالة مفادها أن خطاب التغيير هو فقط للاستهلاك الخارجي و للديكور المحلي؟ و لماذا....؟