05 فبراير, 2018 - 11:24:00 دعا باحثون في قضايا الفن، الحركات الإسلامية المغربية إلى تجديد رؤيتها للمسألة الفنية، وطالبوها في تصريحات متفرقة لموقع "لكم"، بالاستئناس "بوجهة نظر الفقيه أحمد الريسوني المتنورة في هذا المجال، والتي تستند إلى مقاصد الشريعة". كما دعوها إلى أن "تحرّر الباحثين الشرعيين بداخلها من ربقة الفقه الموروث"، في كل القضايا وقضية الفن على الخصوص . وجاء ذلك على خلفية تراجع فرع حركة التوحيد والإصلاح بفاس عن تنظيم تكوين موسيقي أسبوعي في مادتي "الصولفيج" و"الملحون" وفي مقرها الرسمي، في سابقة هي الأولى من نوعها داخل "الحقل الإسلامي" المغربي، حيث ووجه بردود فعل قوية ومتباينة، داخل الحركة على المستوى الوطني، وكذلك في الأوساط الدعوية محليا ووطنيا، برزت أساسا على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، بين مؤيد للمبادرة باعتبارها "انفتاحا جديدا للحركة الإسلامية، واستثمارا للموسيقى والفن عموما في الإصلاح والتغيير"، ومعارض لها بسبب ما اعتبروه "عبثا وشغلا لأبنائها بما لم تنشأ الحركة أصلا من أجله". وقال بلاغ إعلان التراجع نشره الفرع على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، "وفقا لرؤية الحركة الفنية يعلن فرع فاس لحركة التوحيد والاصلاح أنه سيسند التكوين في المجالات الفنية لبعض المؤسسات والجمعيات المتخصصة في هذه المجالات وسيخبر المهتمين بكل جديد في الموضوع في حينه". عليلو : التكوين الموسيقي في فضاءات الحركة قد يشوش على الصورة قال محمد عليلو عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، لموقع "لكم" ان "الاشكال ارتبط أساسا بإخوة في مدينة فاس لهم اهتمام بالمجال الفني اجتهدوا في اقناع مسؤوليهم بتبني تكوين في الصولفيج والمديح يسهم فيه متخصصون لمن لهم الرغبة في ذلك، فأعدوا ملصقا وأعلنوا عن ذلك باسم ناد فني تابع للحركة". وهنا مكمن الخطأ يضيف المتحدث فللحركة وظافها الاساسية وهي التربية والدعوة والتكوين وهوية الحركة هي هوية دعوية بالاساس، معتبرا أن "الاعلان عن مثل هذا التكوين وفي فضاءات الحركة قد يشوش على صورة الحركة". وأضاف عليلو في حديث مع موقع "لكم"، ، قائلا "إن مجال العمل الفني هو مجال تخصصي، ومثل هذه الأعمال في الأصل تقوم بها جمعيات متخصصة وهناك تجارب في تطوان وآزرو وطنجة...فكان الاجدر بهؤلاء الاخوة تاسيس جمعية متخصصة في المجال الفني تنظم المهرجانات والأمسيات إضافة الى التكوين في المجال الموسيقي والسنمائي..". وأكد القيادي الإسلامي على أنه من "حيث المبدأ الحركة ليس لها موقف سلبي من العمل الفني، بل تعتبر من مجالات عملها لتربية الذوق السليم وإيصال الرسائل النبيلة"، مشيرا إلى أن "الحركة سبق وأن أصدرت منذ سنوات رؤيتها الفنية ونظمت مهرجانات فنية، وساهمت فروعها في تأسيس فرق إنشادية ومسرحية، كما أسست جمعيات متخصصة في المجال الفني منها "مغرب الفن"، والتي تنظم سنويا مهرجانا تطلق عليه"مغرب المديح"وكرمت فيه فنانين مغاربة كبار آخرهم تكريم المسرحي عبد الكريم برشيد، والذي كان بمسرح محمد الخامس منذ حوالي الشهر، مؤكدا "فلا يزايد علينا أحد في الأمر". ابن الأزرق : لو كانت الحركة تملك تصورا لكانت قادرة على إقناع قاعدتها الأستاذ محمد ابن الأزرق الأنجري الذي صدر له مؤخرا كتاب تحت عنوان "الموسيقى والغناء"، اعتبر أن التراجع عن تنظيم هذا النشاط التكويني حول الموسيقى، "معناه أن الحركة الإسلامية المعنية لا تمتلك تصورا فقهيا مكتملا حول الموضوع من جهة ، وخاضعة لسلطة الجماهير من ناحية ثانية" . وأضاف في حديث مع موقع "لكم"، "أنها لو كانت تملك تصورا فقهيا مبنيا على الحجة والبرهان الشرعي ، لكانت قادرة على إقناع قاعدتها بتبني تصوّرها وبالتالي تجاوز عقبة الصدام معها"، مشيرا إلى أن هذا "التردّد ناتج عن هيبة الفقه الموروث الذي ينظر للفنون الجميلة بالاحتقار والريبة"، خاصة وأن "الفنون إذا استثمرت بشكل إيجابي ، كانت وسائل مساعدة في عمليات الإصلاح دينيا وسياسيا واجتماعيا"، يؤكد المتحدث. وأكد الباحث على أن "الحركة الإسلامية تخشى الصدام مع الفقهاء بداخلها وخارجها ، وتظنّ أنها معرّضة للتآكل إن هي فعلت ، فتتماهى مع الطّرح القديم من باب اختيار السلامة في نظرها ، لكنها لا تدري أنها تُسهِم بذلك في تأخير نهضة الأمة ونجاح عملية الإصلاح". ودعا ابن الأزرق، "قيادات الحركة الإسلامية أن تحرّر الباحثين الشرعيين بداخلها من ربقة الفقه الموروث"، داعيا إياهم إلى "إعادة النظر في مباحثه عامة والفنون خاصّة"، منبها إلى أهمية مساعدتهم من خلال "جعل مفكريها ينفتحون على التنويريين المستقلّين ويتبادلون وجهات النظر معهم للإفادة والاستفادة" . واختتم الباحث حديثة مع "لكم" قائلا "عندما يقتنع علماؤها بأن الفنّ ضرورة حتمية ، وأن الدين لا يمنع أيا من شعبه ، يتولّون مهمّة إقناع الجماهير وتنويرهم لاستساغة انفتاح حركتهم على الفنون بكلّ ألوانها" . بوكزول : الحركة لا تعتبر الفن ضمن الأولويات الكبرى من جانبه دعا الباحث في قضايا الفن بوشتى بوكزول، العضو بجمعية "مغرب الفن" القريبة من حركة التوحيد والإصلاح، "إلى تعميق و تجديد الرؤية الفنية للحركة حتى تتسم بالتطورات التي تعرفها المسألة الفنية في المغرب بشكل خاص". واعتبر في حديث مع موقع "لكم" أن "الإعلان عن النشاط التكويني حول الموسيقى ثم التراجع عنه، هو أمر عادي من ناحية، لأنه يؤكد رقابة الحركة على مختلف الأنشطة التي تنظمها فروعها، من جانب آخر فالأمر مرتبط بالمسألة الفنية في إطار التصور العام للحركة للفن" . وقال بوكزول :"صحيح أن هناك تقدم كبير في تعاطي الحركة الإسلامية في المغرب ومنها حركة التوحيد والإصلاح مع الفنون، لكنها لا تعتبر المسألة الفنية ضمن الأولويات الكبرى بل هي تعتبرها من الاهتمامات، وهذا جزء من الاشكالات المرتبطة بالفن في التصور الحركي الإسلامي بالمغرب"، فإلى عهد قريب يضيف المتحدث كانت هناك إشكالات على مستوى ممارسة المرتبطة بالفنون كالغناء والمسرح والسينما وغيرها، ولعل هذه الأنواع الثلاثة هي التي تثير حولها قضايا نظرا لتفرعاتها على مستوى الممارسة . وأشار الباحث إلى أن "الحركة الإسلامية إلى عهد قريب كانت رؤيتها الى المسالة الفنية يطبعها نوع من القصور، وهذا في حد ذاته مرتبط بالتصور للمسألة الفنية، أولا من الناحية الشرعية، ثم إن المسألة تتأسس على مسألة أساسية هي مسألة تعريف الفن، حدود الفن، ومسألة التكييف الفقهي، خاصة وأن هناك مجموعة من الممارسات الفنية التي ظهرت في الوقت الحالي لم تكن سابقا عند الفقهاء، ووجدت الحركة الإسلامية نفسها في حرج عندما ترتبط هذه الفروع الفنية ببعض الممارسات وبعض المناشط، فبالتالي كانت نظرتها ووتصورها قاصرة فيها إلى حد ما، لأنها لم تكن تملك الإجابة الفقهية عن هذه الفروع الفنية، فكان استبعادها من ضمن الأولويات وانصب اهتمامها على الجنب التكويني والتثقيفي والتربوي عامة ". وأكد بوكزول على أن "هذا الأمر الآن صار واجبا وضروريا أن ننظر إلى الفنون نظرة متجددة، نظرة أخرى على مستوى التقعيد الفقهي، الذي ينظر إلى المسألة من باب مقاصد الشريعة، فالمسألة الفنية عامة في نظر الشرع هي من جملة المقاصد التحسينية، و الفن الآن أصبح وسيلة من الوسائل التي تحقق غايات ونحن نعرف أن في الدين الوسائل تحمل حكم الغايات، لا يمكن اخراجها عن هذا المستوى فإذا كانت الغاية شريفة ومقصدية في حد ذاتها، الوسيلة أيضا تكون شريفة وتأخذ حكم غايتها، وإذا كانت الغاية فاسدة فالوسيلة تأخذ نفس الحكم، فهما يمكن أن ترتقي المسألة الفنية من المستوى التحسيني إلى مستوى الوجوب خاصة إذا كانت هذه الوسيلة في حد ذاتها متعينة". وأضاف في ذات الحديث مع موقع "لكم"، "لعل هذه النظرة المتجددة، وللدكتور الريسوني وهو من رواد الحركة الإسلامية المقاصديين الذين لهم رؤية بليغة الى الفن، تستند إلى مقاصد الشريعة، متنورة، وجب تعميمها على أعضاء الحركة الإسلامية ليستفيدوا من هذه المقاربة التجديدية وهذه المقاربة المتنورة". وذكر بأن الفنون في الوقت الحاضر "أصبحت تصنع وتوجه وعي المجتمع، وهنا تبدو خطورة المسألة الفنية، فالفن ليس من باب الترفيه، اليوم أصبح الفن قضية جوهرية مجتمعية، كما هي مجموعة من القضايا ذات الاهتمام البالغ في تطور المجتمع". وأشار إلى أن "الفنون أصبحت توظف في المعارك السياسية والاقتصادية وغيرها". ومضى مسترسلا :"استحضرنا فقط التجربة المصرية على المستوى الربيع العربي وما تلاه من تداعيات بمصر، نجد أن الفن وظف في خدمة الاستبداد فبمجرد "انتخاب السيسي" ونضع انتخاب بين قوسين، هناك أغنية وظفت لخدمة هذا الاستبداد وهي أغنية (تسلم الأيادي)".