21 يناير, 2018 - 02:43:00 لم يحل فقدان نبيل كائل إحدى ساقيه في مقتبل العمر وبينما كان في أوج انتصاراته، دون تسلقه مستقبلا واعدا، وصولا إلى قمة جبل يبلغ ارتفاعه 4156 مترا. احتل نبيل الشاب الثلاثيني من مواليد عام 1985، خلال الثانوية العامة المرتبة الأولى في العدو الريفي على مستوى المؤسسات التعليمية في المغرب خلال 2004، وحلم الفتى بأن يكون عداء عالميا يمثل بلاده في البطولات الدولية. الأقدار لم تمهل نبيل متسعا كافيا من الحلم، إذ وجد نفسه فجأة بساق واحدة، لكن روح العدّاء لم تفارقه وراح يبحث عن حلم جديد يركض تجاهه، بعد أن قرر خوض معترك الحياة على المستوى الدراسي والمهني، حتى أصبح مبرمجا للمواقع الإلكترونية. بين الحلم والكابوس بدأت قصة نبيل (33 عاما) في المرحلة الثانوية بمدينة الدارالبيضاء، حيث شارك في سباق العدو الريفي لمسافة 5000 متر على المستوى الوطني ليحتل المرتبة الثانية، ثم يعود ويحقق المركز الأول في السباق التالي ويحصد الميدالية الذهبية عام 2004. "كنت أحلم بأن أكون عداء دوليا أمثل بلدي في منافسات على المستوى العالم، وخلال حصولي على المرتبة الأولى، حققت الخطوة الأولى من الحلم الذي ظل يراودني، طوال حياتي، ولكن قضاء الله وقدره جعل كل شيء يتغير"، يقول نبيل بنبرة تمزج بين التحدي والأمل. بينما كان نبيل يخط مساره في العدو الريفي خلال مرحلة الثانوية العامة، أحس بألم على مستوى الركبة، ولم يذهب إلى الطبيب لتزامن ذلك مع الامتحانات خلال 2004. مرت الامتحانات ونجح نبيل وقرر أن يقصد الطبيب الذي طلب منه إجراء بعض التحاليل والفحوصات، التي غيرت مجرى حياته. يقول نبيل "كنت جالسا في قاعة الانتظار لدى الطبيب، وبعد خروج أبي لمحت دموعا تنسكب من عينيه، ولم يقدر على إخباري وبعد يومين أخبر والدتي التي تكفلت بإبلاغي". "علمت أن الأمر سيتطلب قطع رجلي، إلا أن أستاذتي (في المدرسة) طلبت مني أن أتأكد من خلال زيارة طبيب آخر، وكانت النتيجة نفسها، وهي الإصابة بالسرطان"، يضيف نبيل. لم يستسلم نبيل بسرعة، وقرر الخضوع لجلسات العلاج الكيماوي، ولكن بعد 5 أشهر "هزمني المرض"، وفق تعبيره. صيحات المشجعين لا تزال تترد أصداؤها في أذنيه، عندما كان يركض في مضمار السباق، والجميع يتوسم فيه بطلا يمثل بلاده في قادم الأيام، لكنه الآن مضطر لاتخاذ القرار الأصعب، بأن يركض في مضمار الحياة بساق واحدة. في نبرة تحد يقول نبيل "طلبت من الطبيب شرطا واحدا (لبتر ساقه)، وهو عدم إخبار والدي (بقراره)، لأني لا أتحمل نظراتهما". بُترت ساق نبيل اليسرى عام 2005، لكن إرداته وطريقة حديثه الواثقة تعكس تغلبه على هواجس مواجهة المجتمع ونظرته السلبية لذوي الاحتياجات الخاصة. أعلى قمة بالبلاد مرت الأيام بحلوها ومرها، وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهت نبيل إلا أنه استطاع أن يرسم خيط أمل أمامه. قرر الشاب أن يصعد إلى جبل توبقال أعلى قمة جبلية بالبلاد، وكلما أخبر أصدقاءه أو أسرته ينظرون إليه بدهشة ونظرات استغراب زادت عزيمته شراسة، وكانت بمثابة وقودا للتحدي، فبدأ نبيل البحث عن رفيق خصوصا لمعرفة المسالك الجبلية، ليجد في آخر المطاف صديقا شجعه على الفكرة. وجبل توبقال أو (طوبقال) الواقع جنوب غربي المغرب، هو أعلى جبل في سلسلة جبال أطلس الممتدة عبر الشمال الغربي لقارة إفريقيا لنحو 2.500 كلم عبر كل من المغرب والجزائر وتونس. الصعود للقمة كان نبيل الذي يستعين بعكازين في السير، يفكر في كيفية صعود هذا الجبل الشاهق، والمخاطر التي قد تكون في انتظاره، وبالفعل بدأ المغامرة الشاقة. بعد 3 ساعات من السير والتسلق وفي منتصف الطريق وجد نبيل أحد الحراس المكلفين بحراسة المنطقة، الذي أبدى استغرابه مما يقوم به الشاب، وطلب منه أن يعود أدراجه. يعلق نبيل قائلا "من المؤسف أن عدد كبيرا من أفراد المجتمع لا يشجعون ذوي الاحتياجات الخاصة، عندما طلب مني الرجوع، قلت لصديقي أن جوابي سيكون في العودة أي عندما أصل إلى القمة وأرجع". يستحضر نبيل اللحظات الصعبة في صعود الجزء الأخير من الجبل، والذي سبقه منحدر خطير يمتد لنحو 200 متر، في هذه النقطة التقى بسائح أجنبي كان عائدا من القمة وشجعه كثيرا بل أظهر له صور لما تبقى حتى يكون محتاطا. أخيرا وصل نبيل في شموخ للقمة، بعد 10 سنوات تقريبا من عملية بتر ساقه، وأعاد الكرة مرتين بعد ذلك، ليصبح نموذجا للإصرار والتحدي والركض الواثق في مضمار الحياة. تعلم نبيل من هذه التجربة، ركوب التحدي والصمود في تجارب الحياة، وزاده الأمر إصرارا صعوبات واجهها خلال مسيرة البحث عن عمل، فرغم تخصصه في "المعلوميات" التي تتطلب الجلوس على كرسي أمام الحاسوب، إلا أن عددا من الشركات كانت ترفض توظيفه بسبب إعاقته. كثيرة هي الجمل المعبرة التي جاءت على لسان نبيل، والتي ختمها بالقول "كل إنسان في الأرض له موهبة معينة ولكن يجب اكتشافها، وهذا الفرق بين الدول المتقدمة والنامية ".