18 يناير, 2018 - 05:56:00 نظمت كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط بشراكة مع معهد العالم العربي بباريس، اليوم الخميس، لقاءا تكريميا للمفكر والمؤرخ عبد الله العروي تحت عنوان" تلقي فكر العروي" شارك فيه ثلة من الباحثين والأساتذة الجامعيين، اللذين حللوا في مداخلاتهم المشروع الفكري لعبد الله العروي ، مفككين المفاهيم والمناهج التي استند عليها العروي في أعماله الفكرية، إلى جانب أهم المواقف التي أطلقها في أمور السياسية والمجتمع والدولة. الجلسة الافتتاحية للقاء، افتتحها سعيد أمزازي رئيس جامعة محمد الخامس بالرباط، الذي اعتبر أن ما أنجزه عبد الله العروي علامة فارقة في الفكر المغربي والعربي، على اعتبار أنه أستاذ جامعي مخضرم، وصانع للمفاهيم، تمثلت أهدافه الفكرية في رغبته الكبيرة لخروج العالم العربي من كبوة التخلف والجمود. أما معجب الزهراني مدير معهد العالم العربي بباريس فقد أكد أن عبد الله العروي هو من أهم الرموز الفكرية الكبيرة في العالم العربي، التي لا يمكن لأي باحث في مجال العلوم الإنسانية بالعالم العربي أن يقفز عليها، مشيرا أن من يكرم عبد الله العروي يكرم رمزا وطنيا وثقافيا كبيرا. العروي والربط بين التحديث السياسي والمجتمعي وقالت خديجة الصبار الأستاذة الجامعية الباحثة في الفلسفة والتاريخ إن المؤرق في فكر العروي وما يصعب عملية فهم أعماله هو نفاذه لأعماق المفاهيم، وأن قراءته الفكرية ليست معزولة عن مواقفه ومتابعته للعمل السياسي، بحيث لا وجود لمنطقة رمادية في فكر العروي. وأضافت الصبار أن الكثير من أعمال العروي تتضمن مصطلحات صعبة يحتاج معها القارئ أن يعود إلى مصادرها الأصلية، لأنه لا يعطي للمتلقي النتائج بسهولة، كما لا يمكن العثور على أي قضية أو موضوع مكتمل في كتاباته، لأن مشروعه الفكري ضخم. وأشارت الصبار أنه كي يعالج العروي موضوع الحداثة أصدر كتابات متعددة حول مفهوم العقل والحرية والاديولوجيا والدولة والانسان، كما أنه يربط دائما بين التحديث السياسي والمجتمعي. العروي وتحرير المرأة وأكدت الصبار أن العروي اعتبر وضع المرأة المتقدم في المجتمع معيارا ومقياس لما وصلته له الدول من تقدم، لأنه اهتم أيضا في مشروعه الفكري بقضية المرأة وطرح إشكالية تحريرها في كتاب "الإديولوجيا العربية المعاصرة"، وفي حوار له مع مجلة "جون أفريك" أكد أن تحديث الفكر السياسي والثقافي لن يتحقق إلا من خلال تحرير المرأة. وذكرت الصبار أن العروي عالج في روايته "غيلة" قضية الأسرة في جملة بسيطة وسهلة وهي أن "العلة اليوم هي الأسرة"، كما طرح أيضا قضية المساواة بين الجنسين في الإرث منذ سنة 2006، عندما قال إنه ليس من المنطقى إعطاء حق الأصول للفروع. وأشارت الصبار أن الأساس الذي قدمه عبد الله العروي في مقاربته لموضوع المساواة بين الجنسين في الارث هو الذي تبنته الجمعيات النسائية في المغرب في طروحاتها، كما أن العروي لم يفته أن ينتقد هذه الجمعيات النسائية عندما تجاوزت الحكومة وخاطبت رئيس الدولة مباشرة بخوص المساواة بين الجنسين في الإرث، واعتبر أنها خرقت المنهج الديمقراطي. وذكرت الصبار أن العروي ألح في كتابه "من ديوان السياسة" على تمدرس الفتيات، وأشار فيه أيضا أن كثيرا من المثقفين يغلب عليهم التقليد في بعض القضايا. وأكدت الصبار أن نصوص عبد الله العروي قوية وعميقة لذلك تصبح في كثير من الأحيان عصية على الفهم وتحتاج إلى قراءة ثانية، وبالأخص كتاباته التي حللت الواقع بتعقيداته وصعوباته المتعددة، وهنا تكمن صعوبة تلقي فكر العروي. أعمال العروي موجهة للنخبة من جانبه قال المؤرخ والأستاذ الجامعي محمد العزري إن العروي أشار في كثير من الأحيان أن أعماله موجهة للنخبة وليس للعوام وهذا سر صعوبتها، خاصة وأن خطاباته تستند إلى أسلوب نقدي، ومن هنا دعا العروي عندما كان محاضرا في كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط، إلى إحداث شعبة خاصة بسوسيولوجيا النخبة. وأضاف العزري أنه لا يمكن العثور على أي كتاب من مؤلفات العروي دون بنية مفاهيمية عميقة، كما أنه ألف كتبا خاصة للتدقيق في بعض المفاهيم كمفهوم التاريخ والحرية والدولة والعقل، بحيث اعتبر هذه المفاهيم آلية من آليات التواصل مع النخبة وشرح أعماله ومشروعه الفكري. وأشار المؤرخ العزري أن العروي سعى لإبراز التمثلات الاجتماعية للمفاهيم التي شرحها، والمدخل لفهم أطروحته النقدية يتأسس على مجموعة من المفاهيم هي بمثابة مفاتيح لفهم المشروع الفكري لعبد الله العروي، وهذا لا ينفي، يضيف العزري أن العروي حاول تبسيط خطابه قدر المستطاع وإن كان هذا الخطاب مركبا. وأكد العزري أن قراءة أعمال العروي صعبة لأنها تستدعي متابعات دقيقة، لأن كل كتاب من مؤلفات العروي له علاقة بكتاب سابق له أو لاحق، لذلك يصعب فهم أي كتاب في المشروع الفكري لعبد الله العروي دون ربطه بكتاب آخر. بوابة الحداثة هي التصالح مع الحرية كما أن مواقف العروي حسب العنزي واضحة، لأنه كسر كل الخيارات التوفيقية، وهاجسه كان ومازال هو كيفية التفكير بشكل شمولي دون التقوقع على ذواتنا لذلك قال إن اعتبار الانسان كائن إديولوجي بطبعه خطأ كبير، وأكد أن الاحتكام إلى العقل والعقلانية لازال بعيدا عنا. وأكد العنزي أنه بسب هذه الأفكار وصف العروي بتماهيه مع الغرب وسقوطه في "الاغتراب" خاصة عندما قال إنه لا يمكن تحقيق الديمقراطية في مجتمعات هشة وأن بوابة الحداثة هي التصالح مع الحرية، وأنه دون مجتمع مدني لا توجد دولة ولا تستقيم. وأضاف العنزي أن العروي أكد في كتاباته أن المغاربة لم يؤسسوا دولة بالمعنى الغربي للكلمة، إذ لازال مفهوم الدولة بمعاييره الغربية بعيدا عن المجتمع المغربي، لذلك وقف في كتاباته بالتحليل والنقد عند النخبة الوطنية المغربية، مؤكدا في نفس الوقت أن الثقافة التقليدية هي حاجز أمام معرفة الحاضر، وأن المدخل للحداثة يكمن في تجاوزها. وتساءل العنزي في نهاية مداخلته حول ما إذا كان بمقدور واستطاعة النخب المغربية فهم والتواصل مع الأعمال الفكرية للعروي، وهل استثمر فكره تربويا في المغرب بالمناهج التدريسية، مجيبا أن هذا الأمر لم يحصل، بحيث من النادر وجود الإشارة إلى اعمال العروي الفكرية في المدرسة المغربية إلا في بعض الاستثناءات القليلة. فكر العروي في الكتابات الأنجلوسكسونية من جهته قال الأستاذ الجامعي محمد الشيخ أن سنة 1967 سنة حاسمة في تاريخ المغرب لأنها السنة التي أصدر فيها العروي كتاب "الإديولوجيا العربية المعاصرة"، مشخصا بذلك "داء العطب القديم" الذي استفحل في المغرب. وأكد الشيخ أنه ليس هناك مفكر عربي حديث يمكنه تجاوز الأسس التي وضعها العروي في كتاب "الإديولوجيا العربية المعاصرة"، كما أن أي مفكر عربي حديث من اللازم أن تكون له فلسفتان، واحدة خاصة به، والثانية لفلسفة عبد الله العروي. وأشار الشيخ الذي قارب أعمال عبد الله العروي في الفكر الأنجلوسكسوني، أنه لا وجود لأي كتاب أنجلوسكسوني عالج الاديولوجيا العربية المعاصرة دون أن يستند على أعمال العروي، لذلك نجد أن المفكر الغربي "ليونارد دينل" قد قال إن عبد الله العروي قرب الفكر الغربي للعرب، والفكر العربي للغرب، كما أن مفكرا أمريكيا وصفه بالمثقف الحانق والغاضب من نظرائه من المثقفين. وشدد الشيخ أن كتاب الإديولوجيا العربية المعاصرة أصبح من الأعمال الكلاسيكية في الثقافة العربية، لذلك نجد أن الباحثة "إليزابيت سوزان" قالت في كتاب لها إن فكر العروي يتمركز على نقد مفهوم الأصالة بلا هوادة ويسعى نحو أفق كوني جديد. كما أن أغلب النقاشات الأنكلوسكسونية حول الثقافة العربية حسب محمد الشيخ ركزت على تشخيص عبد الله العروي الدقيق للوضع العربي.