السقوط من الطابق الثالث ينهي حياة أم بطنجة    أمن البيضاء يحقق مع جزائريين وماليين على خلفية دهس بين 7 أشخاص بسيارات رباعية    ميناء طنجة المتوسط يقوي قدراته اللوجستية باستثمار 4 مليارات درهم    الدرهم يتراجع بنسبة 1,18 في المائة مقابل الدولار الأمريكي بين شهري شتنبر وأكتوبر (بنك المغرب)    وقفات تضامنية مع غزة ولبنان بعدد من مدن المملكة        عدد وفيات مغاربة فالنسيا بسبب الفيضانات بلغ 5 ضحايا و10 مفقودين    الدريوش يتلقى استدعاء لتمثيل هولندا    بواسطة برلمانية.. وهبي يلتقي جمعية هيئات المحامين بالمغرب غدا السبت    فعاليات الملتقى الجهوي الثالث للتحسيس بمرض الهيموفيليا المنعقد بتطوان    مدافع الوداد جمال حركاس: تمثيل "أسود الأطلس" حلم تحقق        أكديطال تتجه لتشييد مصحة حديثة بالحسيمة لتقريب الرعاية الصحية    منظمات أمازيغية تراسل رئيس الجمهورية الفرنسية حول استثناء تعليم اللغة الأمازيغية    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    الوسيط يعلن نجاح الوساطة في حل أزمة طلبة الطب والصيدلة    سانت لوسيا تشيد بالمبادرات الملكية بشأن الساحل والمحيط الأطلسي    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    "جبهة نقابية" ترفض المس بالحق الدستوري في الإضراب وتستعد للاحتجاج    المغرب وفرنسا… إضاءة التاريخ لتحوّل جذري في الحاضر والمستقبل    الطفرة الصناعية في طنجة تجلعها ثاني أكبر مدينة في المغرب من حيث السكان    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    وسيط المملكة يعلن عن نجاح تسوية طلبة الطب ويدعو لمواصلة الحوار الهادئ    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان        إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق: محنة مغاربة قادتهم العلاقة مع صدام حسين إلى المشانق في عهد الفوضى العراقية
نشر في لكم يوم 14 - 12 - 2017


14 ديسمبر, 2017 - 01:11:00
في رواية: فرانكشتاين في بغداد" يروي الكاتب العراقي أحمد سعداوي كيف أن أشلاء الضحايا والتفجيرات والصراعات الطاحنة التي رافقت الغزو الأمريكي للعراق، تحولت إلى وحش «أسطوري» يفتك بالجميع.
صاحب جائزة «البوكر»، استطاع أن يعصر في قالب روائي مثير ومخيف في نفس الوقت تجربة العراقيين مع العنف والدماء. حينما يشرع المواطن المغربي، أحد ضحايا الاختطاف في العراق بعد سقوط بغداد، في رواية قصته، تحس وأنك تعيش في أجواء رواية أحمد سعداوي: اختطاف بطريقة هوليودية، تعذيب بكل الوسائل التي لا تخطر على بال أحد، حبس في الأقبية السرية، وتحس كذلك أن «فرانكشتاين»، الذي يتغذى بأشلاء الموتى والضحايا، ليس مجرد شخصية روائية، بل شخصية حقيقية انتعشت بعد سقوط بغداد.
في التسعينيات من القرن الماضي، قرر المواطن بنصديق أن يعود إلى العراق من أجل العمل مع أخيه في ضيعة في ملكية ابن عم صدام حسين، ولم يكن يتصور أن ما كان امتيازا في عهد الرئيس العراقي الراحل، سيصير جحيما حقيقيا فيما بعد، تعرض أخوه للكي أولا عندما اختطفته ميليشيات مجهولة بمعية ابنته، ولم ينفك من بين فكيها إلا بعد أن قدم أربعين ألف دولار، ثم تعرض هو شخصيا للكي أيضا، فقد وجد نفسه في إحدى ليالي 2010 في مواجهة ميليشيا مسلحة تداهم منزله «وتفتش أحشاءه» وتسرق كل ممتلكات منزله ومعها مبلغ مالي يقدر ب 31 ألف دولار.
في البدء، اعتقد بنصديق أن «زوار الليل» كانوا يبحثون عن المال، يأخذون ما يشاؤون ثم يغادرون كما فعلوا مع أخيه، لكن قصته التي تشبه حد التطابق الكثير من أحداث رواية «فرانكشتاين في بغداد» ستتحول إلى قضية دولية تدخلت فيها ملكة بريطانيا والصليب الأحمر الدولي والدبلوماسية المغربية.. كيف ذلك؟ اقتيد بنصديق إلى أقبية معتقلات سرية، وتعرض هناك لأبشع أصناف التعذيب، بدءا بشي أجزاء من أعضائه التناسلية، مرورا بالفلقة، ووصولا إلى الكي بالسلك الكهربائي، وعدا بعض المعطيات البسيطة التي تمكن أخوه الذي فر إلى إيرلندا، بمساعدة زوجته العراقية، من روايتها، فقد ظل مصيره مجهولا وغير معروف إلا بعد 4 سنوات من اعتقاله.
نعيد تركيب قصص مغاربة اختطفوا بالعراق على يد ميليشيات مجهولة الهوية، ووجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة تتعلق ب "محاولة زعزعة الاستقرار العام والسعي نحو تفجير حواجز أمنية ومنشآت للدولة"، وتنشر شهادات قاسية لمواطنين مغاربة أمضوا سنوات في السجون العراقية دون أن توجه إليهم أي تهمة. والتهمة بعد أن عمت الفوضى في العراق هي كالتالي: "إذا كنت تتوفر على مبلغ مالي محترم يجب أن تخضع لقانون الغاب.. البقاء فيه للأقوى".. إنها قصص مغاربة، بعضهم فر من الجحيم تاركا عائلته وأبناءه، وبعضهم استطاع أن يتعايش مع الوضع الجديد، ويخفي معالم قصته المأساوية إلى الأبد، وبعضهم يتحدث بصوت خافت عبر سماعة الهاتف ويقول لك: "إياك أن تخبر أحدا باسمي، فالميليشيات في كل مكان".
قصة مغاربة تعرضوا للاختطاف من طرف الميلشيات المسلحة
لم يتصوروا يوما أن يتحول مقامهم بالعراق إلى جحيم حقيقي يقذف بهم إلى غياهب السجون ويعرضهم لكل صنوف التعذيب والتنكيل وعدا أن السلطات المغربية تكفلت ببعض الأمور الإدارية في بعض الحالات، فإنها لم تكن تتوفر على معلومة واحدة فقط يمكن أن تسعف على معرفة مصير عشرات المختفين اختطفتهم ميليشيات بقبعات مختلفة لكن المصير كان واحدا: اقتيادهم إلى سجون سرية وممارسة أبشع جرائم التعذيب والحط بالكرامة الإنسانية. قبل أيام من الآن، دخل محمد بنصديق إلى مكتب الجريدة، وهو بالكاد يقوى على الحركة، وبالكاد يقدر على تأليف جملة واحدة صحيحة، مرفوقا بأخته التي تحمل ملفه منذ أن قررت السلطات العراقية أن ترمي به إلى المغرب محروما من زوجته ومن أبنائه. ساعتان من السرد، كانت كافية لتقترب من مأساة محمد مع الاختطاف التي تتعدى مجرد السجن لبعض الأيام والشهور.
كان محمد كلما شرع في الحديث عن وسائل التعذيب والطريقة التي عومل بها في أكثر من سجن عراقي، يبكي بشدة ويطلب بلطف أن أوقف آلة التسجيل، وكلما تذكر قصة أخيه أحمد الذي اختطف سنة 2003 بمعية ابنته بدون أي سبب، يقول إنهما دفعا ثمن الاشتغال بضيعة كبيرة لابن عم صدام حسين. تزداد المأساة عمقا عندما يلجأ إلى عقد مقارنة بين معاملة الجيش الأمريكي وإخوانهم في الدم والهوية، حيث قال إن الاحتلال الأمريكي للعراق قصد مزرعتهم المخصصة لتربية الدواجن والمواشي والأبقار وطرحوا بعض الأسئلة البسيطة، ولم يقطعوا بتاتا مورد رزقنا الوحيد ببلاد الرافدين فيها أن الميليشيات كانت تحصي أنفاسهم وتراقب كل تحركاتهم قبل أن تنفذ عملية الاختطاف التي تشبه كثيرا قصص الأفلام الهوليودية.
قصص المواطن المغربي محمد بنصديق الذي وجد نفسه بغثة في أقبية السجون، تتكرر على لسان عشرات المغاربة الذين كانوا ضحايا سقوط بغداد في يد أمريكا ذات ليلة من ليالي سنة 2003. البعض منهم يتحفظ بلطف، ويغلق سماعة الهاتف دون أن يقدم سببا واحدا للامتناع عن الحديث والبعض الآخر يقول إن»المليشيات موجود في كل مكان ولا يمكن أن نفصح لك عن أي شيء» أما البعض الآخر فما يزال عالقا بالعراق ينتظر الإجراءات الإدارية بالتنسيق إما مع السلطات المغربية أو الصليب الأحمر الدولي. بالنسبة للمغاربة الذين بدؤوا يذهبون إلى العراق منذ نهاية حرب الخليج الأولى التي دمرت البنية التحتية العراقية واستنزفت جزء كبيرا من مواردها، فقد كان البحث عن المال والاغتناء السريع ومساعدة عوائلهم في المغرب مقصدهم الأول، سيما وأن موجة المهاجرين الأولى قدمت صورة وردية عن أحوال العراق وأجواء الانفتاح في بلد النهرين.
كان كل شيء يسير بالطريقة التي يرتضيها المغاربة، إذ جمعوا ثروات لا بأس بها واستطاعوا أن ينقذوا عشرات العائلات في المغرب من الفقر، وكانوا يترددون على المغرب بين الفينة الأخرى، ولو لم يتدخل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق بعد غزو الكويت لكانت الأمور عادية. رغم فترات التوتر التي شهدتها بلاد «صدام حسين»، فإن الأمور عادت إلى مجراها الطبيعي في ظرف وجيز، ولم تستطع الميليشات التي تمثل الحساسيات الطائفية بالعراق أن تبسط سيطرتها على التراب العراقي بسبب القبضة الحديدية للرئيس العراقي الراحل، بيد أن تدخل أمريكا وسقوط بغداد شكل نذير شؤم حقيقي على المغاربة والجاليات الأجنبية التي تشتغل في أكثر من قطاع حيوي في كل مدن العراق. انتعشت الميليشيات وأعطيت الأوامر بأن تحصل على أكبر قدر من الأموال لتمويل تحركاتها.
يقول الكثير من المغاربة الذين تحدثت معهم الجريدة إن المليشيات هي من تتحكم في كل شيء وإلى وقت قريب لم تستطع القوات الأمريكية ولا الجيش العراقي أو الشرطة العراقية المؤسسة حديثا أن تسيطر على الوضع الأمني، وبالتالي خلا الجو وبدأت تفعل ما تشاء دون أن يحاسبها أحد. التدخل الأمريكي كان يعني شيئا واحدا: انهيار المنظومة الأمنية العراقية بل وانهيار كل المؤسسات القائمة، وبذلك وجد مئات المغاربة الذين قادتهم الظروف للاشتغال في العراق أنفسهم دون إقامة أو أوراق ثبوتية مما جعل حياتهم وحياة أبنائهم معرضة لخطر حقيقي. آثر البعض أن يتصل بالسفارة المغربية رغم أن الدبلوماسية في قمة التوتر في البدء فكرت أن أجتزئ بعض الفقرات من الشهادات الطويلة التي قدمها المغاربة المقيمون بالعراق، وكان الاختيار سينتقي بعض المقاطع المتعلقة بالتعذيب، بيد أن تداخل الفاعلين وجسامة الأحداث وفداحة الآثار النفسية والمادية والجسدية التي ترتبت عن عمليات الاختطاف، جعلتنا نورد الشهادات كاملة مع بعض التصرف في بعض مراحل السرد.
شهادات مؤلمة
«في حرب الخليج الثانية أصيب والدي بجلطة دماغية، فقرر أن يعود إلى المغرب. لكن في سنة 1999 استقر بي الرأي أن أعود إلى العراق، وكانت الأمور عادية جدا إلى أن سقطت بغداد سنة 2003 في يد الأمريكيين، وتغيرت الأوضاع كثيرا في بلاد الرافدين. ما كان استقرارا وسكينة مع أخي الذي كان يقطن بالعراق، تحول في لحظة فجائية إلى نذير شؤم حقيقي قادني إلى غياهب السجون، في الكثير من مناطق العراق، إذ تم اختطافي في سنة 2010 من لدن عناصر مجهولة، لأسباب كنت أجهلها آنذاك، لأعرف أن عملي أنا وأخي في ضيعة كبيرة لتربية الدواجن والأبقار والمواشي تعود ملكيتها لابن عم صدام حسين اسمه حجي حمد كان السبب وراء كل المآسي التي حلت بي وبأخي بعد ذلك»؟.
التعذيب الذي تعرض له محمد جعلت ذاكرته تتعرض لنوع من الإتلاف لا يريد هو أن يعترف به، لكن أخاه أحمد الذي كان ضحية اختطاف مماثلة سنة 2003 يتذكر كل شيء: يوم اختطافه والطرق التي استعملوها في تعذيبه، ويتذكر أيضا كيف أن عناصر الميليشيات رفضت قطعا أن تتفاوض حول مصير أخيه. «لا أعلم إن كانوا يبحثون عن ثروات مفترضة لصدام حسين، لكن الذي أنا متيقن منه أنهم لم يجدوا شيئا لا في الضيعة ولا في الحسابات البنكية، وبالتالي لجؤوا إلى حيلة أخرى أكثر بؤسا هي التعذيب من أجل انتزاع أشياء غير موجودة إلا في مخيلة هؤلاء الذين أقدموا على الاختطاف.
يستمر محمد في سرد قصته المريرة مع الميليشيات» للأسف، حتى الأمريكيين لم يعتقلونا وكل ما قاموا به هو أنهم قيدوا أسماءنا عندهم، واستفسروا حول أمور بسيطة، وكان العمل يسير بطريقة عادية جدا دون أية مشاكل. في سنة 2003، أي بعد الغزو الأمريكي للعراق، خرج أخي في رحلة صباحية إلى بغداد قاصدا إحدى المستشفيات بعدما أحس ابنه بألم على مستوى اللوزتين، لتهاجمه ميليشيات مسلحة وملثمة، وتختطفه هو وابنه، وقد دفعنا مبلغ 40 ألف دولار كفدية للمختطفين من أجل الإفراج عن أخي بعدما احتفظوا به وحيدا.
لقد كنت مفاوضا للمختطفين الذين طالبوا منا في البداية مائة ألف دولار، وقد عرفنا أن هؤلاء يريدون السطو على الضيعة التي نشتغل بها وقد كانوا متوهمين أننا نملك ثروة طائلة. حينما كنت أفاوض على مصير أخي لم أكن أعلم قط أن قصتي ستكون أكثر تراجيدية منه».
وصلت حدود التراجيديا كما لم يكن يتصورها محمد نفسه في سنة 2010 إلى حدود مهاجمة ميليشيات من جيش المهدي منزلي، وفتشت كل شيء، وخربت كل أرجاء المنزل، وتعاملت معي بقسوة في حدود الساعة الثانية ليلا، ولحسن الحظ أنني كنت وحدي ليلتها في المنزل، ولولا ذلك لرأى أبنائي كيف ربطوني بطريقة وحشية جدا، ونطقوا بألفاظ نابية جدا. إذ عصبوا عيناي، ولم أكن أرى شيئا، وأخذوا من منزلي مبلغا ماليا يقدر ب 31 ألف دولار. لقد كسروا كل شيء، وكانوا يعتقدون أنهم سيجدون مئات الملايين في منزلي. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل اقتادوني إلى منطقة المطار المثنى السري.
تعرضت في ذلك السجن الموحش لكل أنواع التعذيب، وظللت في ذمة التحقيق حوالي 8 أيام، ولم يتردد المستنطقون في تعذيبي والتنكيل بي بتهمة واحدة: الاشتغال في ضيعة تدر قليلا من المال كانت محسوبة على عائلة صدام حسين».
يتحدث محمد بنوع من التداعي الحر: «لا يمكن أن تصدق كل ما تعرضت له، لقد وضعوا سلكا كهربائيا في أجهزتي التناسلية وكنت أشعر بألم مرير لا يتحمله جسد بشري، إلى درجة أنني بدأت أتبول الدم. ثم كووا جميع أعضاء جسدي بشواظ من نار، وقاموا بشي أرجلي ب»حديدة ملتهبة».
كانوا يطلبون مني أن أعترف بأشياء غريبة لا أتبين مغزاها ولا طبيعتها وكنت أعرف شيئا واحدا أن عملي داخل ضيعة في ملكية شخص قريب من الرئيس الراحل صدام حسين، كنت أظن أن التعذيب سينتهي إلى هذا الحد، خاصة وأن جسدي كان منهكا وكنت أحمل ندوبا عميقة جدا، بل إني لم أكن أستطيع الحركة ولا القيام بأي شيء، لأفاجأ أنهم أحالوني على اللواء الخامس أي على الشرطة الاتحادية في حي يسمى السيدية دون أي وجه حق.
أمضيت شهرين آخرين مكبل الأيدي معصب العينين في مكان موحش جدا كانت تنفذ فيه الإعدامات وكان يتملكني الخوف بين الفينة والأخرى من أن يعدموني».مضت فترة طويلة، ومحمد يدرب جسده على مقاومة الآلام الفظيعة، وفي كل مرة يأتون بمحاضر لا أعلم ما الذي كتب فيها ويقولون لي ابصم عليها عنوة، وكنت أرد عليهم بأني مواطن بسيط يشتغل فقط من أجل توفير القوت لأبنائه ولعائلته الصغيرة، ورغم كل صنوف التعذيب التي مارسوها ضدي لم ينتزعوا مني أي اعتراف زائف يمكن أن يدينني بأشياء لم أقترفها».
غريزة التعذيب عند الميليشيات وصلت إلى مراحلها القصوى حينما أخذوني إلى مكان يسمى جرائم العامرية، وهي منطقة قريبة من المنطقة الخضراء ببغداد، وقد بقيت هناك أربعة شهور متتالية، وذهبت للمحكمة وقلت للقاضي إني بريء ولا علاقة لي بكل التهم التي وجهت لي، بيد أن القاضي قرر أن يعيدني إلى السجن مرة أخرى لأنقل بعد ذلك إلى سجن الرصافة الثامنة ثم إلى الخامسة وإلى السابعة وفي الأخير»جرجروني» إلى السجن المركزي.
المضحك في كل القصة، يقول محمد، أن «القاضي واجهني بتهم لم أكن أعلم بها من مثل أني كنت أخطط لتفجير مقرات الشرطة ومهاجمة الحواجز الأمنية، وقلت للقاضي إني لا علم لي بكل هذه الأشياء. اقتنع القاضي بعد مسيرة طويلة من العذاب النفسي ذاق فيها أخي أحمد الذي اضطر أن يغادر إلى اسكتلندا مع زوجته التي تتوفر على جنسية بريطانية، كل أنواع المرارة ودق جميع الأبواب بغاية إنقاذي من السجن لكن دون طائل. فهمت فيما بعد أن القاضي أحالني على مصالح الإقامة للتأكد من بطاقة الإقامة بالعراق واكتشفوا أنها تجاوزت أجلها القانوني، وقد كان الأمر عاديا جدا لأنني طوال خمس سنوات كنت في غياهب السجون ولم يكن بمستطاعي أن أجدد الإقامة بالإضافة إلى أنه في السنتين الأوليين كنت في معتقلات سرية لا تعترف بالسجناء، وتواصلت فصول المسرحية مرة أخرى بالحكم علي بالسعي نحو الهروب من السجن ومخالفة قوانين الإقامة». تقلب محمد بين السجون، وكلما ساد اليقين بأن المشكلة تقترب من الانفراج تعقدت أكثر، حيث اشتبكت الأمور من جديد حينما دونوا في المحاضر النهائية أنهم اعتقلوني في سنة 2014 والحال أني اختطفت سنة 2010، لكن الغرض الأساسي من هذا التزوير كان بغاية التحايل على القانون كي أمضي 4 أشهر أخرى داخل السجن.
كنت أعتقد أن خروجي من السجن سيكون بمثابة نهاية لكابوس طويل عمر لخمس سنوات لكن الأمور ساءت كثيرا، إذ أقدموا على تسفيري دون أن أرى زوجتي وأولادي»هل تتصور حجم المأساة التي كنت أتمرغ فيها». برقت ل»نسيبي» وقتها كي يحجز تذكرة بأمر منهم لمغادرة العراق بشكل فوري وظلت عائلتي في العراق دون أن أتوفر على أية وسيلة لترحيلهم إلى المغرب، وحتى وإن آتوا: أين سأؤويهم ومن سيعيلهم فقد دمروا كل شيء."
أحمد بنصديق *: طلب مني المختطفون 100 ألف دولار للإفراج عني
– نريد أن تحكي لنا بدقة ما الذي حدث لك في العراق قبل أكثر من 12 سنة من الآن؟
كنت أشتغل في ضيعة كبيرة في حوزة ابن عم الرئيس العراقي صدام حسين، وكانت الأمور عادية جدا، حيث استطعت في ظرف سنوات أن أحسن من وضعيتي المادية وأن أتزوج في العراق. واكتسبت صداقات كبيرة في البلاد حتى داخل مصالح الأمن وكانوا يقدرونني كثيرا، وسمعة المغاربة كانت جيدة جدا بسبب قدرتهم على العمل بإتقان. في أحد الأيام مرضت ابنتي الصغرى، وقررت أن أذهب إلى بغداد بغاية معالجتها. في مسيرة الطريق أوقفني حاجز أمني، ثم اقتادوني إلى التحقيق وبقيت مسجونا لمدة شهور، ولحسن الحظ أن ابنتي أرجعوها إلى المنزل.
– كيف أرجعوها؟
قالوا لي إنهم يعرفون كل شيء عن منزلي، وقد سمحوا لي بالاتصال بزوجتي وإخبارها بكل التفاصيل، وأحسست يومها أنها تريد أن تبتلعها الأرض. لم يراعوا أن زوجتي عراقية وأني أقيم هناك منذ سنوات. أثناء أطوار التحقيق، عرفت أن هدفهم الأول هو الحصول على المال. في البداية طلبوا مني 100 ألف دولار أي ما يعادل مائة مليون سنتيم مغربية معتقدين أن اشتغالي في الضيعة يدر علي ثروات طائلة، فأخبرتهم بأني لا أتوفر على هذا المبلغ وما يمكن لي توفيره هو 40 ألف دولار بعد الاقتراض من بعض زملائي. وبالفعل بدأ أخي الذي سيختطف لاحقا في التفاوض معهم، رغم أن الذين اختطفوني حاولوا التماطل والتسويف رغم حصولهم على المال. والحق أنهم لم يعذبوني كما فعلوا مع أخي، وكل ما يهمهم في تلك اللحظة هو الحصول على المال وكان لهم ما أرادوا.
– بالنسبة لمراسلتك لملكة بريطانيا، هل كنت تسعى لتدخل الملكة في قضية أخيك؟
نعم، كان هدفي الأول هو أن تتدخل ملكة بريطانيا على أساس أن زوجتي تحمل جنسية بريطانية، وهي التي أنقذتنا من جحيم الحرب الطائفية الطاحنة الدائرة بالعراق. بالفعل راسلت الديوان الملكي البريطاني وحكيت لهم كل التفاصيل بشأن أخي المختطف، والذي يتعرض للتعذيب في مطار المثنى السري بعدما استطعت أن أحصل على معلومات من أصدقاء يشتغلون في جهاز الأمن، ولأن الأمر يتعلق بميليشيات لم يكن بمقدور أحد أن يتدخل أو يتوسط. كانت ميليشيات محسوبة على جيش المهدي تسعى بكل الطرق للحصول على الأموال، ووقع الاختيار على أخي الذي كان يعيل عائلته الصغيرة ولم يكن يتوفر على أموال كثيرة كما توهموا أول مرة. رد علي الديوان الملكي البريطاني بأنه لا يستطيع التدخل في قضية مواطن مغربي، لكن بعد الإلحاح أحالوني على مكتب الكومنلويث ثم على الصليب الأحر البريطاني بغاية التدخل. أعتقد أن الدعم الذي حزته من ملكة بريطانيا كان له أثر في حل قضية أخي.
– بعد خروج أخيك من السجن، رحلوه دون أن يرى زوجته وأبناءه، ألم تسع للتدخل لدى السلطات المغربية لإيجاد حل أفضل؟
بصراحة، فالسلطات المغربية فعلت كل شيء من أجل إنقاذ أخي وقد دفعت ثمن محامي من أجل الحصول على مساندة قانونية بالعراق، وأنا ممتن لهم كثيرا. في تلك المرحلة لم يكن هناك أي حل آخر من غير أن يرحل، لأن القضاء العراقي وإن كان لم يقتنع بالتهم الموجهة إليه فقد وجد ثغرة قانونية أخرى هي عدم التوفر على الإقامة وبالتالي كان الترحيل خيارا ضروريا وقتئذ، ولا أعتقد أن السلطات أو حتى صداقاتي كانت ستنفع في إبقائه هناك أو ترحيله مع أولاده.أصبحت الدنيا مظلمة في وجه «ع» ولم يعرف أي شيء إلا بعد أكثر من 24 ساعة من مدة اختطافه، «لا أعلم ما الذي حدث بعد ذلك، لأنهم خدروني بشكل كامل، واقتدت إلى سجن عرف في وقت لاحق أنه مطار المثنى السري- هو المطار نفسه الذي كان يتواجد فيه محمد بنصديق-. لم أستفق من الغيبوبة إلا بعد يوم كامل، وألفيت نفسي في مكان معتم يحيطه الظلام من كل جانب، وكنت أسمع أصوات نحيب وبكاء يضج بها المكان، وإن كانت آلة التعذيب لم تنطلق بعد، فإنني خمنت أن خاتمتي ستنتهي بالنحيب ذاته». في اليوم الثالث، استنطقني ضابط قوي البنية، وفي كل مرة كان يقول لي أيها المغربي الحقير ويوظف كلمات عراقية بذيئة جدا في حقي ووجه لي تهمة قتل قيادي في الشرطة، وسألني إن كنت أتوفر على أموال، والحق أني وقتها كنت أملك ما يقارب 100 ألف دولار أودعتها في إحدى البنوك منها قسط كنت أوظفه في معاملاتي التجارية». وصلت التهديدات إلى ما كان يخشاه «ع» إذ «هددني بخطف أطفالي وزوجتي إن لم أستجب لكل ما يطلب مني، وخاطبتي بلغة مليئة بالحقد والجشع: نمنحك مهلة 24 ساعة لتفكر في المقترح، واعتقدت أني بمجرد تلبية طموحاتهم المالية سيتركونني وشأني لكن في ظرف ساعتين تعرضت لمختلف صنوف العذاب: صعقوني بالكهرباء على مستوى العنق، وفي إحدى أعضائي التناسلية ثم أجلسوني على الخازوق وكان البعض ممن يعذبوني يشهر عضوه التناسلي ويقول لي»اليوم ستفقد عذريتك». كانوا مجموعة من المتعطشين للتعذيب وللعنف، وكأنهم كانوا قابعين في كهف سحيق ينتظرون فقط الاقتصاص من أي شيء. ركلوني وصفدوا يداي ودسوا رأسي في قدر كبير من المياه الباردة جدا».
«كنت أفكر، وقتها في زوجتي العراقية وفي أبنائي، الذين اختفيت عنهم فجأة ودون سابق إنذار وحتى توسلاتي إليهم للاتصال بزوجتي من أجل إخبارها بجزء مما جرى باء بالفشل، وقد استمر التعذيب لمدة تتجاوز عشر ساعات، تحولت على إثرها إلى مجرد جثة هامدة لا تشهق فيها سوى الروح. بعد يوم واحد فقط، التحق بي عنصران وطلبوا مني أن أكتب توكيلا وأوقع عليه من أجل سحب الأموال من البنك، ولم أجد أي وسيلة أخرى للإفلات من هذا العقاب الذي نزل علي فجأة..كتبت التوكيل ووقعته وتكلفوا هم بالباقي، غير أن الصدف شاءت أن مدير البنك لم يرد أن يقبل التوكيل، ولأن حالتي الجسدية كانت سيئة جدا، طلبوا مني بطائقة الائتمان مرفوقة بالرقم السري، وبدؤوا بسحب الأموال كل يوم».
يطلب»ع» أن نكمل الحديث في وقت آخر، وانتظرت حوالي 5 أيام كاملة لأتلقف مكالمة جديدة منه يعتذر عن المرة السابقة»كنت كنبكي أخويا سمحلي»، ثم طفق يواصل سيرته مع المختطفين الجشعين»سأعرف فيما بعد أن مدير البنك الذي كان صديقا عزيزا علي ويحتفظ بذكريات طيبة عن المغرب، أنه أوقف حسابي البنكي بعدما لاحظ أني أسحب المال بشكل يومي، وقد حاول الاتصال بي وعرف من زوجتي أني مختف منذ أكثر من 5 أيام. تمكنوا من سحب 7800 دولار من الحساب البنكي، بيد أن المال لم يكن مهما في تلك المرحلة وقد كنت مستعدا لإعطائهم كل شيء مقابل عدم إذاء عائلتي». فصول التعذيب تجاوزت كل الطرق المعروفة، إذ «كانوا يجبروننا على المشي حبوا عراة ويضربون بسلك حام على أعضائنا التناسلية..كيف أشرح لك مقدار الألم الذي أحسست به:» أمضيت حوالي 5 شهور أتعرض لكل أنواع التعذيب وعرفت أنهم لم يعودوا في رغبة للحصول على المال وقد سمحوا لي مرة واحدة أن أخبر زوجتي بأني معتقل دون أن أذكر لها اسم المعتقل. عشت لحظات رهيبة بمعية يمنيين وسوريين وهندي في المعتقل، واعتقلوا بالطريقة نفسها تقريبا.
نهشت الشكوك والتخمينات زوجتي وأخبرتني فيما بعد أنها حاولت قطع موكب الرئيس العراقي ولم تفلح في ذلك بسبب الإجراءات الأمنية المشددة، أما أبنائي فهم يعانون إلى اليوم من آثار الاختفاء المفاجئ..أتذكر أنهم في أحد الأيام اغتصبوا بشكل جماعي مواطنا يمنيا وقاموا بوشمه بالحديد أمام أنظارنا..أما أنا فاكتفوا بتعليقي وصعقي بالكهرباء وتهديدي بالقتل ولم يتوانوا في صفعي وركلي وملامسة أعضائي التناسلية.
ما فهمته أن من بين أعضاء الميليشية التي اعتقلتنا شواذ يجبرون السجناء على ممارسة الجنس عليهم وكانوا يختارون كل صباح من يفرغون فيه مكبوتاتهم». بعد مضي خمسة أشهر جيء بمحضر مليء بالاتهامات منها محاولة اقتحام المنطقة الخضراء وحرق فرن مشهور والسعي إلى زعزعة النظام، وأجبرت على توقيعه تحت طائلة التعذيب القاسي، ثم نقلت إلى السجن المركزي في بغداد ولبثت فيه 5 أيام وعلمت زوجتي أخيرا بمكاني، ولا أنسى أن مدير البنك العراقي ساعدني كثيرا، بل وتكفل بكل شيء في غيابي..كانت زوجتي منهارة جدا ولا تكف عن البكاء، وأمام القاضي قلت إني لم يسبق لي أن مارست نشاطا سياسيا. وفي ظرف 5 أيام أطلق سراحي وأصرت زوجتي على أن ننتقل إلى دولة أخرى بمساعدة والدها وقد ذهبت فعلا إلى دولة الأردن. ما لن أنساه أني لم أستطع أن أخبر عائلتي بما جرى باستثناء أخي الصغير بالنظر إلى أنه كان يستلم الحوالات المالية، ساد الاعتقاد لدى العائلة أني مازلت قاطنا بالعراق وأحمد الله أني عدت في سنة 2011 وأعيش حياة عادية جدا»
عبد العزيز البقالي *:الخوف من إعدام المعتقلين المغاربة في العراق انتهى
– ما هي سياقات تأسيس تنسيقية عائلات المعتقلين والمفقودين المغاربة في العراق؟
تأسست التنسيقية عقب إعدام الراحل بدر عشوري في العراق سنة 2011، حيث إن هذا الشاب أعدم دون أن ترقى التهم الموجهة إليه إلى جرائم تستلزم الإعدام، كما أنه لم يتمتع بالظروف الملائمة لمحاكمة عادلة، فلم يعط له حق توكيل محام، والمحاكمة تمت دون إخبار عائلته، بل إن الحكومة المغربية ساعتها خرجت بتصريح رسمي تؤكد فيه عدم علمها بمحاكمته وإعدامه. وبعدها بفترة وجيزة، ظهر شقيقي عبد السلام البقالي على القناة العراقية الرسمية، وعلى وجهه آثار تعذيب، حيث زعمت السلطات العراقية أنه متورط في أعمال إرهابية، وكان من الواضح أنه أجبر على تقديم اعترافات لا علاقة له بها، مع العلم أنه ساعتها كان محتجزا بالفعل في سجن بغداد، وكانت إجراءات تسليمه للمغرب قد انطلقت.
– ما هي الأهداف التي تتوخاها التنسيقية؟
نهدف أساسا إلى الضغط على الحكومة المغربية، من أجل التحرك بشكل رسمي وعملي، لنقل المعتقلين الموجودين في السجون العراقية إلى المغرب، حتى ولو اقتضى الأمر إتمام مدتهم في بلادهم، بالإضافة إلى العمل على كشف مصير المغاربة المفقودين في العراق منذ 2003.
– كيف يتم تمويل التنسيقية؟
هو تمويل ذاتي تتكفل به العائلات من ألفه إلى يائه، ولا يوجد أي طرف يدعمنا ماديا، الأمر الذي أنهك جيوبنا، نتيجة الأنشطة المتعددة لإطارنا.
– من الملفات التي كنتم قد اشتغلتم عليها، ملفات المحكومين بالإعدام، هل لا زالت هذه الملفات عالقة؟
بعد إعدام بدر عاشوري، كنا متخوفين من تنفيذ حكم الإعدام في محمد إعلوشن في 2014، والذي كان موجودا في سجن الناصرية، وكانت كل المؤشرات تؤكد اقتراب تنفيذ حكم الإعدام فيه، ما جعلنا نتحرك بقوة للضغط على الحكومة المغربية، وبتنسيق مع منظمات حقوقية للحيلولة دون إعدامه، حيث نظمنا وقفات احتجاجية أمام وزارة العدل والمجلس الوطني لحقوق الإنسان وبمسقط رأسه في طنجة، كما راسلنا عدة مؤسسات رسمية من بينها وزارة الخارجية، في عهد الوزير السابق سعد الذين العثماني. وأدت هذه المجهودات إلى تحويل حكم الإعدام للمؤبد، وهو الأمر الذي نعترف فيه بفضل العثماني، الذي حاور الحكومة العراقية بهذا الشأن، وحاليا لا يوجد أي شخص مغربي محكوم بالإعدام في السجون العراقية، حسب آخر المعطيات التي توصلنا بها، لكن العائلات لا تزال تعيش في جحيم حقيقي، مخافة ظهور أحكام أخرى بالإعدام، الأمر الذي يتطلب تدخلا حكوميا عاجلا لنقل المعتقلين إلى بلدانهم.
– كم عدد السجناء المغاربة في العراق؟
ليس لدينا رقم رسمي، لكن المعلومات التي حصلنا عليها تتحدث عن ما بين 6 و8 معتقلين، ونرى أن بإمكان الحكومة المغربية أن تجلب هؤلاء المواطنين إلى بلادهم، كما كان الشأن بالنسبة لدول عربية أخرى لديها عدد أكبر من السجناء.
– نعرف أن المغرب يتعاون مع العراق لمواجهة «الإرهاب»، ما تأثير ذلك على ملف المعتقلين والمفقودين؟
في الفترة الماضية كانت تصلنا أنباء عن تعامل غير إنساني للسجانين العراقيين مع المعتقلين المغاربة، وهو الأمر الذي بدأت حدته تخف شيئا فشيئا، تزامنا مع عقد المغرب لاتفاقيات مع العراق في مجال مكافحة الإرهاب، حيث نستطيع القول إن ظروف مغاربة العراق أفضل نسبيا الآن.
لكن هناك مشاكل لا تزال عالقة، في مقدمتها منع هؤلاء المعتقلين من التواصل مع عائلاتهم لمدة تفوق السنتين، وخاصة بسجن الناصرية الذي يوجد به 4 معتقلين، منهم محمد إعلوشن الذي كان محكوما بالإعدام. أما بخصوص المفقودين، فيبقى ملفهم غامضا ومستعصيا على الحل، حيث تتوفر التنسيقية على 37 اسما لمغاربة مختفين منذ 2003، ولا نعرف ما إذا كانوا أحياء أو أمواتا، ولا ما إذا كانوا لا يزالون داخل العراق أم خارجه.
– هل هناك أي ضمانات لعدم انخراط هؤلاء المعتقلين في تنظيمات متطرفة في حال إعادتهم للمغرب؟
أرى أن أكبر ضمانة هي المعاناة التي يعيش فيها هؤلاء المعتقلون داخل السجون العراقية منذ أزيد من 13 سنة، فحسب ما يصلنا من معلومات، فإن هؤلاء الأشخاص جميعا يرغبون في العودة إلى بلادهم لاستعادة حياتهم الطبيعية والعيش مع أسرهم في سلام مثلهم مثل جميع المواطنين المغاربة، وهذا الأمر سبق لمعتقلين أن أكدوه لعائلاتهم عبر الاتصالات الهاتفية قبل أن يتم منعها منذ نحو سنتين. ومن جانبنا كتنسيقية، نؤكد للحكومة المغربية أن هؤلاء المعتقلين لا يشكلون أدنى خطر على الأمن العام، كما أنه ليس من المنطقي أن يستمر مواطنون مغاربة في تأدية ضريبة تصرف حدث قبل 13 سنة، خاصة وأن نية جلهم إن لم نقل كلهم، كانت هي التصدي للاحتلال الأمريكي وليس أي شيء آخر، وهذه الضريبة يؤديها معهم أيضا آباءٌ وأمهات وزوجات وأبناء، حيث إن بعض أبناء المعتقلين لم يروا آباءهم أبدا، بعد أن رحل هؤلاء إلى العراق وأبناؤهم رضع، كما أن معتقلين آخرين، ومن بينهم أخي، توفي آباؤهم وهم يمنون النفس برؤيتهم مرة أخرى، وهو ما يتمناه آباء وأمهات طاعنون في السن حاليا، أنهكتهم معاناة فراق فلذات أكبادهم.
محمد الصبار *: المجلس الوطني لحقوق الإنسان لا يتوفر على معطيات حول عدد المختطفين في العراق
– كيف تعامل المجلس الوطني لحقوق الإنسان مع ملف المواطن محمد بنصديق؟
المجلس الوطني لحقوق الإنسان يتابع منذ وقت بعيد ملف المواطن بنصديق، وقد قام بمجهودات كبيرة من أجل أن يعود من العراق إلى المغرب. في البداية قمنا باتصالات مكثفة مع القائم بالأعمال المغربية في العراق للتعرف عن كثب على المعطيات التي قد تسعف في حل هذا الموضوع. بطبيعة الحال، كان ثمة تجاوب من لدن السلطات المغربية، وقد تكللت مجهودات الجميع بعودة المواطن المغربي من العراق محروما من أبنائه وزوجته، ونحن إلى اليوم نتابع الملف ونحاول بشتى الوسائل أن نجد حلا مستعجلا من أجل أن تجتمع العائلة.
– بالإضافة إلى اتصالاتكم بالقائم بالأعمال، هل سعيتم إلى معرفة ما جرى بالضبط للمواطن المغربي، حينما اعتقل بالعراق؟
نعم سعينا للحصول على معلومات حول الموضوع خاصة وأن المواطن المغربي تعرض لتعذيب قاس في مختلف أنحاء جسده ومازالت الندوب شاهدة على هذا التعذيب، وما حكاه هو شخصيا يشي إلى أي درجة كان التعامل معه ماسا بحقوق الإنسان وحاطا بالكرامة الإنسانية ويخرق كل المواثيق الدولية. في هذا الإطار راسلنا السفارة العراقية بالمغرب للاستفسار حول الموضوع أو معرفة معطيات إضافية تهم المواطن المغربي، لكن لم نتلق أي جواب إلى حدود الآن. وأرى أن الأمر طبيعي جدا لأن المواطن المغربي نفسه لا يعرف الجهات التي اختطفته ولا يعرف حتى أسماء الذين عذبوه وهو ينتقل بين السجون في العراق.
– هل لديك اتصالات مع عائلته؟
بطبيعة الحال، فالمجلس الوطني لحقوق الإنسان كان سباقا لتبني هذه القضية من خلال إجراء اتصالات مكثفة مع أخيه المقيم بإيرلندا، الذي كان له دور كبير في حل الملف، وقد اتصل بنا في أكثر من مرة، بالإضافة إلى أن المجلس تحدث بشكل مطول مع عائلته ويعرف جيدا المأساة التي يعيشها المواطن المغربي. المشكل أنه حتى لو فكرنا في تفعيل الآليات القانونية التي يفرضها الملف، فإننا لا نتوفر على أية معلومات يمكن أن تسعف على فهم الملف من كل جوانبه أو تذهب به إلى أبعد مدى.
– حالة المواطن بنصديق ليست الوحيدة، هل يتوفر المجلس الوطني لحقوق الإنسان على أرقام لعدد المختطفين المغاربة في العراق؟
لا أبدا، وحالة المواطن بنصديق هي الحالة الوحيدة التي طرقت أبواب المجلس في الفترة الأخيرة. قد تكون هناك حالات أخرى تريد التكتم حول الموضوع خشية من تداعيات أخرى أو أنها ما تزال تعيش في العراق، وكونت عائلات هناك، إلا أنه إلى حدود الآن ثمة حالة وحيدة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان مستعد للتعامل مع جميع القضايا إذا عرضت عليه.
محمد أحداد – صحافي في جريدة "المساء"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.