تتوج مرة أخرى سينما الهجرة في مراكش من خلال قصة مهاجر هذه المرة من الشمال نحو الجنوب من كوريا الشمالية نحو كوريا الجنوبية حيث القرب الجغرافي والبعد السياسي والإيديولوجي، ونذكر جميعا أن جائزة العام الماضي للمهرجان كانت للفيلم المكسيكي حول الهجرة أيضا اتجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية . قصة الكوري الجنوبي المخرج الشاب الذي لا يتجاوز الأربعين من عمره كانت بسيطة بسيناريو هادئ متسلسل يسلط الضوء على مهاجر كوري شمالي نحو الجنوب هربا من جريمة اقترفها وبحثا عن حياة أفضل. يوميات يائسة رغم كل محاولات البطل الاندماج والاستسلام للقدر، القصة تحمل عمقا إنسانيا بذل فيها المخرج جهدا مشكورا ليقحمنا في قلب هذه الشخصية الفريدة التي تحاول البحث عن مرفأ للإحساس بالاستقرار والأمان، وكذلك كان حال الفيلم الألماني الذي أخرجته نمساوية شابة فيو ألاداك ، ويمثل قصة من واقع المجتمع التركي وهي قصة قوية دراميا تتعرض لموضوع حساس عند العرب والأتراك عموما يتناول جرائم الشرف ، حيث تفوقت المخرجة رغم ما قد يقال من كون الموضوع متجاوز إلا أنها سلطت الضوء على حكاية إنسانية دقيقة من خلال البطلة اوماي شخصتها الممثلة التركية سيبيل كيكيلي والتي رفضت حياة فرضت عليها بسبب الزواج من شاب وسيم لم يراعي إنسانيتها وحساسيتها الأنثوية فقررت الانفصال عنه والعودة لبيت العائلة في تركيا قادمة من ألمانيا ،حيث كانت تعيش مع زوجها وابنها الوحيد، فازت اوماي أو الممثلة سبيل كيكيلي ومعها كل الطاقم بأحسن أداء مناصفة مع فريق عمل فيلم آخر "مملكة الحيوان" الاسترالي الجنسية ، وقد قدم الفيلم التركي فعلا نموذجا حيا لواقع المجتمعات العربية والتركية التي عايشنها في المهجر والتي تتشابه في كثير من الأحيان في أحوال الاندماج في المجتمعات الأوربية . لكننا فوجئنا مرة أخرى بالفيلم المغربي الذي لم يقدم أي فرجة وفيلم بدون سيناريو بل لم يضف للسينما المغربية أي شئ ،والتي نتطلع كل مرة أن تقدم شيئا جديدا في مهرجاننا الدولي بمراكش وأتمنى فعلا أن نترك عالم التقنية والتمكن منها و)الوعورية( التي نريد أن نستعرض بها أفلامنا في المهرجانات الكبرى فنقع في الخطأ الجسيم وننسى أن نكون أنفسنا ونحكي قصة لها بداية ونهاية وتعرض لواقعنا المليء بالأحداث والروايات. فحينما نستمع لدرس فرانسيس فورد كوبولا العظيم الذي أخرج أفلاما) واعره ديال بالصح( ماذا يقول الرجل ؟ الفيلم هو أن تحكي حكاية وتكون نفسك ،لماذا نختفي وراء مواضيع كبرى وأفكار غرائبية لنقول أننا "قاريين بزاف" أجمل شيء أن تصنع فيلما يؤثر في الناس وأن تثير عواطف جياشة وتقدم صورة فنية مزخرفة لما نعيشه في الواقع ،أن تقدم قصة تؤثر في الإنسان أينما كان في أمريكا أو فرنسا أو السنغال .. لم نصل للأسف إلى ترويج لغة عالمية في أفلامنا وهي لغة البساطة والرقي في آن واحد ويبدو أن ولد فرنسا جيل الثمانينات لم يكتسب من النضج الكافي ما يجعله قادر أن ينفذ فكرة واقع يومي بإبداع سينمائي، وأتصور أن الفائزة في الأفلام القصيرة لسينما المدارس الطالبة محاسن حشادي أحسنت فعلا في اختار فكرة ذكية أخرجتها لمدة 10 دقائق فقط لتضيء عتمة مشاعرنا بسرعة وهي فكرة مؤثرة يمكن استثمارها لفيلم طويل أيضا ، أفلام الهجرة تتفوق لحسها الإنساني وقدرتها على التقاط تفاصيل دقيقة في حياة الناس لتكون صوت وصورة المعاناة أو الحياة داخل مجتمعات المهجر أو في البلد الأم ، أما الشاب طلال السلهامي وغيره من أبنائنا الضائعين في ثقافة الغرب فيحتاجون للتمرس أكثر والنضج لفهم ما يريده الناس وليس هو وحده بل لابد من إقحام المسؤولين عن القطاع الذين لازالوا يعيشون تحت تأثير ثقافة فرنسية لا غير ، أظن كفى من الجرعة الفرنسية التي تدعمها مؤسسة تستهلك المال العام وهي الشركة الوطنية للتلفزيون المغربي يجب البحث عن أفاق أخرى للإبداع السينمائي من بلدان متنوعة في باقي دول أوروبا و ليس حصرا على فرنسا فقط بل حتى أمريكا واستراليا . أعتقد أن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش قد حقق العالمية وعززها بالدورة العاشرة ومن الحيف أن لا نشيد بمجهودات مؤسسة المهرجان و المنظمين في هذا السياق والصاهرين على مصلحة التواصل والإعلام فيه ،بكل افتخار واعتزاز كسب المغرب الرهان ومن حق مراكش الحمراء أن تتباهى بمهرجانها كبرلين وكان وفو نيس ودبي ومهرجانات الأوسكار الأخرى غير أنه على التنظيم أن يأخذ بعين الاعتبار أكثر الفنانين المغاربة الذين يجب أن يكونوا معززين مكرمين في بلدهم وكذا الصحافيين المغاربة وأعتبر أن تقريب الجمهور من السينما فكرة ذكية جدا ذلك بوضع برامج إذاعية وتلفزية وانفتاح مهم على وسائل إعلام أجنبية مختلفة وبرمجة متنوعة موفقة ، و حينما يلتحم النجوم العالميون كجون مالكوفيتش ،سوزان ساروندو، جيمس كين ، كيانو ريفز، هارفي كيتل ،ولكر شلوندورف ومارتين سكورسيزي وغيرهم بعموم الناس في جامع الفنا ليقدموا أفلامهم تبقى بادرة جميلة لم تتحقق في مهرجانات عالمية كبرى،علاوة على تشجيع طلبة مدارس السمعي البصري وغيرتنا على سينما البلد تحتم علينا أن نفكر جميعا في مسار هذه السينما التي عليها أن تعكس ثقافتنا ووجوهنا وتعبر بصدق عن إنسانيتنا المشتركة مع بني البشر لذا نحن مطالبين بالانفتاح على مغاربة العالم في كل بقاع الدنيا وإتاحة الفرصة لكل الطاقات داخل وخارج المغرب لنعبر عن أنفسنا أولا ونحكي حكايات يفهمها كل الناس ويصفقون لها لا أن نتواطأ بالفن على أنفسنا ،ونكون في نظر الآخر مجرد هواة تابعين .نحتاج للتفكير والتعبير بشكل جديد وبسيط .أن نكون أنفسنا كما قال كوبولا في الماجستير كلاس في المهرجان.فهل سنكون ؟ذاك هو السؤال.