ضربة جديدة للنظام الجزائري.. جمهورية بنما تعمق عزلة البوليساريو    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    السجن المحلي بالقنيطرة ينفي تدوينات يدعي أصحابها انتشار الحشرات في صفوف السجناء    وهبي يشارك في انعقاد المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب    كأس إفريقيا للسيدات... المنتخب المغربي في المجموعة الأولى رفقة الكونغو والسنغال وزامبيا    الصحف الصينية تصف زيارة الرئيس الصيني للمغرب بالمحطة التاريخية    نشرة إنذارية.. طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المملكة    التعادل يحسم ديربي الدار البيضاء بين الرجاء والوداد    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    يوم دراسي حول تدبير مياه السقي وأفاق تطوير الإنتاج الحيواني    MP INDUSTRY تدشن مصنعا بطنجة    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    أمريكا تجدد الدعم للحكم الذاتي بالصحراء    بينهم من ينشطون بتطوان والفنيدق.. تفكيك خلية إرهابية بالساحل في عملية أمنية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معهد كارنيجي: الدستور المغربي الجديد.. تغيير حقيقي أم مزيد من المراوحة؟
نشر في لكم يوم 02 - 07 - 2011

استقبل المغاربة الدستور الذي أعلنه الملك محمد السادس لبلاده في 17 يونيو بقدرٍ كبيرٍ من المشاعر المتناقضة. وعلى الرغم من أنه يبدو مُتوقَّعاً سلفاً أن غالبية المغاربة سيصوّتون ب"نعم" في الاستفتاء الذي أعلن أنه سيُجرى في الأول من يوليو، إلا أن الكثيرين سيفعلون ذلك بشيء من التحفّظ. ثم أن المتظاهرين الشبان الذين لا يزالون ينظمون مظاهرات دورية منذ 20 فبراير - من هنا جاءت تسمية حركة 20 فبراير - أعلنوا أنهم لا ينوون التوقّف عن نشاطاتهم. وفي الواقع، جرت مظاهرات في 19 يونيو، واستقطبت آلاف المتظاهرين في الدار البيضاء وأعداداً أقلّ في مدن أخرى.
يشير عدد كبير من المقابلات التي أجريتها خلال زيارة قمت بها مؤخراً للمغرب إلى أن الملك ربما نجح في البقاء متقدّماً على حركة الاحتجاج التي أدّت إلى زوال النظامين في تونس ومصر، وأقحمت ليبيا وسورية واليمن والبحرين في الاضطرابات والعنف. وما إذا كان هذا مجرد انتصار لن يدوم طويلاً في إطار المناوشات الأولى من معركة طويلة، أم أنه نقطة تحوّل على طريق تحويل المغرب إلى أول نظام ملكي دستوري في العالم العربي، لن يعتمد على الطريقة التي يتصرّف بها الملك في الأشهر المقبلة وحسب، بل أيضاً على قدرة ورغبة التنظيمات السياسية المغربية في الاستفادة من الفرص التي يتيحها لها الدستور. وقد يعتمد أيضاً، إلى حدٍّ ما، على استمرار حركة الاحتجاج التي لم تتمكّن حتى الآن من تعبئة حشود ضخمة كتلك التي شهدتها تونس ومصر.
صياغة الدستور
على غرار جميع الدساتير السابقة، تمت كتابة الدستور بواسطة لجنة من الخبراء المعيّنين من الملك، وليس من خلال جمعية تأسيسية مُنتَخَبة أو هيئة تمثيلية أخرى. ولذا فهو يُصنَّف ضمن فئة الدساتير الممنوحة إلى الشعب من الملك، وليس تلك التي تم صوغها بواسطة منظمة تمثيلية تجسّد السيادة الشعبية. وقد حُدِّدت المبادئ التوجيهية للدستور الجديد في خطاب ألقاه الملك محمد السادس في 9 مارس حيث عملت اللجنة لاحقاً على تجسيد مسودّة مقدّمة من القصر، أو كما يقول المغاربة، "المخزن". كانت اللجنة برئاسة عبد اللطيف المنوني، أحد مستشاري الملك، وهو ما لايدع مجالاً لأي شك بشأن الجهة التي كانت تأتي منها التوجيهات.
شكّل القصر أيضاً هيئة استشارية للعمل بالتعاون مع لجنة من الخبراء. وكان يرأس أيضاً "آلية الرصد" ذات التسمية الغريبة، أو "الآلية المصاحبة"، أحد مستشاري الملك، محمد معتصم، الذي عمل كحلقة وصل بين واضعي الدستور وبين الأحزاب السياسية والنقابات العمالية وجمعيات رجال الأعمال ومنظمات حقوق الإنسان، وغيرها من الجماعات أو حتى الأفراد المهتمّين بأن تكون لهم مساهمة في الدستور الجديد. قدّم البعض مسودّات دستورية كاملة، فيما قدّم البعض الآخر اقتراحات فقط بشأن النقاط الرئيسة. ولكن، بعد أن تم الانتهاء من تقديم الاقتراحات، لم تكن هناك أي متابعة أو نقاش. لم يتم إطلاع المنظمات على مشروع الدستور الجديد حتى يوم 8 يونيو، وحتى في ذلك الحين لم يتم إطلاعها على وثيقة مكتوبة، لكنها تمكّنت فقط من الاستماع إلى عرض شفوي بحثته في اجتماع ماراثوني استمر عشر ساعات. كان من المحتّم أن يضجّ البلد في الأيام التالية بإشاعات متضاربة بشأن ما كان يستلزمه الدستور الجديد، عندما سرّبت الأحزاب المختلفة والأفراد نسختهم الخاصة منه إلى الصحافة. ثم إن أعضاء "الآلية" لم يروا مسودّة مكتوبة إلا في 16 يونيو، أي قبل يوم واحد من عرض الملك لها على الأمة في خطاب تلفزيوني. وبالمثل، طُلِب إلى مجلس الوزراء التصويت على مشروع الدستور في يوم الإعلان عنه نفسه.
على الرغم من الحدود الضيّقة للتشاور والمشاركة المفروضة على صياغة الدستور، ربما كانت العملية أكثر انفتاحاً من سابقتها. فقد قبلت الأحزاب السياسية الرئيسة الممثّلة في البرلمان العملية وأوضحت أنها ستقوم بحملة من أجل التصويت ب"نعم" في الاستفتاء. وهذا ليس مستغرباً، لأن الأحزاب الممثّلة في البرلمان مروّضة وتهتمّ بالحفاظ على امتيازاتها، من خلال دعم المبادرات الملكية، أكثر ممّا تهتمّ بوضع برامج خاصة بها. وكان لافتاً أن حزب العدالة والتنمية، وهو الحزب الإسلامي الذي حلّ في المرتبة الثانية في الانتخابات النيابية في العام 2007، لكنه لا يزال في المعارضة، أوضح أنه يؤيّد الدستور الجديد، قائلاً إنه يحوي ضمانات ديمقراطية كافية. السبب الرئيس لموافقة الحزب، على ما يبدو، هي الرغبة في مواصلة واستكمال عملية دمج الإسلاميين في العملية السياسية القانونية، وهو الهدف الذي ظلّ حزب العدالة والتنمية يعمل من أجله لسنوات.
رفضت حركة 20 فبراير، من ناحية أخرى، الدستور الجديد حتى قبل كشف النقاب عنه، بسبب الطريقة التي صيغ بها، وتعهّدت بمواصلة الاحتجاج. بيد أن هذه الحركة لم تنجح قطّ في تعبئة حشود ضخمة مماثلة لتلك التي أسقطت الرئيس زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر. ووفقاً لتقديرات المشاركين بها، فقد نفذّت أنجح احتجاجاتها يوم 20 مارس في الدار البيضاء والرباط وطنجة وعدد من المدن الأخرى، لكن حتى هذه الاحتجاجات كانت صغيرة نسبياً بالمقارنة مع تلك التي شهدتها البلدان الأخرى.
على غرار حركات الاحتجاجات في الدول العربية الأخرى، فإن حركة 20 فبراير هي مزيج من الشباب الذي يفتقر إلى وجود قيادة وكيان. وهي تعقد جمعيات عامة شهرية في المدن التي تتواجد فيها، حيث إن كل جمعية مستقلة عن الأخرى. الجمعيات مفتوحة للجمهور، ويتم التنسيق بين مختلف المجموعات عبر موقع "فايسبوك"، حيث تضاعف عدد مستخدميه في البلاد خلال الأشهر القليلة الماضية. وتنظر الأحزاب السياسية الرئيسة إلى الحركة بعين الشك، على الرغم من أن الجناح الشاب في العديد من الأحزاب انضمّ إليها، كما في بلدان أخرى، من دون مباركة رسمية من جانب المنظمة الأم. ويبدو أن لدى الحركة مطالب واسعة – تتمثّل أساساً في الديمقراطية وفرص العمل - ولكنها لا تمتلك أي شيء يمكن أن يرقى إلى تسمية البرنامج.
بالتوازي مع مجموعات الشباب التي تشكّل حركة 20 فبراير، أنشأ عدد من الأحزاب السياسية اليسارية والنقابات العمالية المستقلة، ومنظمات حقوق الإنسان ذات التوجهات اليسارية، والحركات الإسلامية مجلساً لدعم حركة 20 فبراير. ويبدو أن أهمّها هي الحركة الإسلامية المعروفة باسم جماعة العدل والإحسان، والحزب الاشتراكي الموحّد، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان. ونظراً إلى نسق الأحزاب والتنظيمات التي تنتمي إليه وتنوّعها الإديولوجي، ثمة انقسام عميق في مجلس الدعم حيث يشكّل الأعضاء تحالفات ضدّ بعضهم بعضاً. ولكونه أكثر تنظيماً من الحركة نفسها، يعقد مجلس الدعم اجتماعات ويصدر بيانات، لكن ليس من الواضح أن أعضاء حركة 20 فبراير أنفسهم يتّفقون مع المواقف التي يتّخذها مجلس الدعم، أو حتى يعرفون بوجوده، كما كشفت بعض الأحاديث.
سياسة الهوية
كانت القضيتان الأكثر إثارةً للجدل اللتان طفتا على السطح خلال النقاش حول الدستور مرتبطتين بتعريف هوية الدولة المغربية: ما إذا كان ينبغي أن يعرّف المغرب كدولة إسلامية، وإذا كان يتعيّن على المغرب أن يعترف بالأمازيغية، اللغة التي يتحدّث بها أبناء الأقلية البربرية، باعتبارها لغة رسمية.
يتأثّر النقاش بشأن مكانة الإسلام بمشكلة العلاقة بين الأحزاب والمنظمات الإسلامية وتلك "المدنية"، وهي الكلمة التي تحظى بقبول متزايد للدلالة على الأحزاب التي يعرّفها الأغراب بأنها "علمانية". تلك الأحزاب ترفض أن توصَف بأنها علمانية، خوفاً من إمكانية تفسير المصطلح الأخير على أنه يعني أنها "لا دينية". مصطلح "مدني" لا يوحي بأنه لا ينطوي على مثل ذلك المعنى الضمني وحسب، بل يضع أيضاً الأحزاب الدينية، إلى حدٍّ ما، في موقف دفاعي بوصفها "همجية" - غير مدنية. التوتر بين الأحزاب الإسلامية و"المدنية" ليس فريداً من نوعه في المغرب، لكنه شائع في جميع البلدان العربية، ولاسيما في فترة التحوّل هذه. وفي الواقع العلاقات أكثر صعوبة في تونس ومصر. ففي المغرب، حزب العدالة والتنمية هو حزب قانوني وظلّ يشارك في دورات عدة من الانتخابات البرلمانية والمحلية. وعلى الرغم من أنه لا يزال يمثّل شيطاناً بالنسبة إلى البعض، فهو على الأقل شيطان معروف. لكن المسألة أبعد ما تكون عن الحلّ حتى في المغرب.
لا يزال من الصعب أن نفهم بدقّة ما حدث بالضبط في النقاش حول مكانة الإسلام في الدولة المغربية، ويعود هذا في جزء منه إلى الخلط بين ما قالته المنظمات المختلفة في الواقع وبين ما زعم أنها قالته، وفي الجزء الآخر إلى استخدام الكلمات المشفّرة التي ليست واضحة دائماً. وقد اتّهمت الأحزاب المدنية الإسلاميين بأنهم أصرّوا على أن المغرب لا يزال يُعرَّف بأنه دولة إسلامية. ينكر الإسلاميون أن يكون هذا هو الحال، ويقولون إنهم يفضّلون تعريفاً للمغرب بوصفه "دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية". ومن ناحية أخرى، ليس ثمّة شك في أن الاقتراح القاضي بأن يتضمّن الدستور إشارة إلى "حرية الضمير"، بدلاً من ضمان أن يكون الأشخاص الذين ينتمون إلى ديانات أخرى أحراراً في ممارسة شعائرهم الدينية، تمّت إدانته من جانب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بوصفه يفتح المجال أمام سلوك غير مقبول واستفزازي مثل الإظهار العلني للمثلية الجنسية وانتهاك الصيام في رمضان علانية. وفي نهاية المطاف، فإن الدستور يعرّف المغرب بوصفه دولة مسلمة في ديباجته، وينصّ على أن الإسلام هو دين الدولة في المادة (3)، التي تضمن أيضاً حريّة ممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان. بالمقارنة مع نصوص معظم الدساتير العربية - التي تنادي بالشريعة باعتبارها أحد مصادرها، إن لم تكن المصدر الأول للتشريع – فإن الدستور المغربي الجديد ليبرالي جداً، على غرار سابقه. وينبغي أن يُشار أيضاً إلى أن الدين في المغرب جزء لا يتجزّأ من سلطة الملك: ولكونه معترفاً به رسمياً بوصفه "أمير المؤمنين" فإن الملك سيعتبر أن مكانته ضعفت، إلى حدٍّ ما، إذا لم يتم تعريف المغرب بوصفه دولة إسلامية.
يعترف الدستور الجديد أيضاً بالأمازيغية كلغة رسمية، على الرغم من اعتراضات العناصر المحافظة، وأولئك الذين يعتقدون أن مثل هذا الاعتراف سيؤدّي إلى تمييع هوية المغرب العربية. وهو يحوي أيضاً إشارة إلى تعدّد التأثيرات على الثقافة المغربية، بما في ذلك الأندلس، وثقافة البحر الأبيض المتوسط على نطاق أوسع، والناس في منطقة شبه الصحراء، والمسيحية واليهودية. ويبدو أن الحلّ الوسط في هذه الحالة هي اللغة التي توضح أنه سيتم تطبيق الوضع الرسمي للغة الأمازيغية تدريجياً.
سلطة الملك
تسبّبت قضايا الهوية بمعظم الجدل أثناء صياغة الدستور، ولكن في المدى البعيد، فإن القضية الحقيقية تتمثّل في مدى السلطة التي سيمارسها الملك في إطار الدستور الجديد، وبالتالي مدى التقدّم الذي أحرزه المغرب في اتجاه التحوّل إلى ملكية دستورية، أو في اللغة المفضّلة في المغرب: ملكية برلمانية لا يحكم فيها الملك.
حتى أكثر المؤيّدين المتحمّسين للدستور الجديد لا يدّعون أن الميثاق الجديد يضعف الملك بحيث يملك ولا يحكم. وهم يقولون إن ذلك ليس ممكناً ولا مرغوباً فيه في المغرب. فالدستور الجديد يبقي للملك ثلاثة مجالات بوصفها مجاله الحصري: قضايا الدين والأمن، والخيارات الاستراتيجية الرئيسة للسياسة العامة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الملك يبقى الحَكَم النهائي بين القوى السياسية. وبموجب هذه الألقاب، يمكن للملك أن يسيطر تماماً على جميع القرارات الهامة، إن هو اختار ذلك.
ثمّة قيود أساسية جديدة على سلطة الملك. فهو غير قادر على اختيار أي رئيس للوزراء يريده، بل يتعيّن عليه احترام نتائج الانتخابات وتسمية "رئيس الحكومة"، كما يسمّى رئيس الوزراء الآن، من الحزب الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات. ولن يشارك الملك بعد الآن في جلسات مجلس الوزراء ويترأسّها، وإنما رئيس الحكومة هو الذي يترأس الآن ما أُعيدت تسميته بمجلس الحكومة. ومع ذلك، فإن الملك يرأس مجلس الوزراء، وهو في هذه الحالة لا يزال يسمّى مجلس الوزراء، عندما تكون القضايا الأمنية أو القرارات السياسية الاستراتيجية على المحكّ. وبما أن الدستور لا يحدّد بوضوح ما يمكن أن يشكّل قراراً استراتيجياً، يبدو أن القرار متروك للملك نفسه. فموقعه كحَكَم يمنحه أيضاً سلطة المشاركة في القضايا الأكثر أهمية.
ما من شك في أن الدستور يوسّع سلطة البرلمان، ويسمح له بإجازة القوانين الخاصة بمعظم القضايا، وهو يتّخذ خطوات لحماية استقلال القضاء، ويزيد دور عدد من اللجان المستقلة. لكن ما لَم يفعله الدستور بشكل واضح لا لُبس فيه هو الحدّ من سلطة الملك.
أي قدر من التغيير
قد يؤدّي الدستور الجديد إلى إحداث تغيير كبير، ولكن فقط إذا واصل المغاربة ممارسة الضغوط على الملك. فتاريخ الإصلاح السياسي في المغرب يدلّ على أهمية الضغط. فأول موجة كبيرة من التغيير جاءت عندما كان الملك الراحل الحسن يقترب من نهاية حياته، وفَهِم أهمية فتح النظام السياسي لتسهيل صعود ابنه إلى العرش. كان يتعرّض إلى ضغوط لإجراء تغييرات. وقد سار الملك محمد على طريق الإصلاح، لكن تم إحراز التقدّم ببطء متزايد لأنه شعر بثقة أكبر في موقفه. استغرق الأمر الربيع العربي، الذي انطوى على نموذج لما يمكن أن يحدث للأنظمة التي ترفض التغيير، وبداية مظاهرات الشوارع في المغرب، كي يستنتج الملك بأن الوقت حان لإعادة إطلاق عملية الإصلاح.
يعتمد تأثير الدستور الجديد على الطريقة التي يتم تطبيقه بها. وكما قال أحد النواب المعارضين لكاتبة هذا المقال، فإن النص الدستوري ينطوي على إمكانات. ولكي تتحقّق تلك الإمكانات، لابدّ للبرلمان من اعتماد التشريعات اللازمة والتأكّد من أنها توفّر المساحة القصوى للقوى السياسية. يشير أداء البرلمان في الماضي إلى أنه ليس متوقَّعاً أن يفيد البرلمان من هذه الإمكانات. على الرغم من أن المغرب لديه إرث من الأحزاب السياسية أقوى من معظم البلدان العربية الأخرى، إلا أن الأحزاب تعاني من المشاكل نفسها مثلما يعاني النظام السياسي برمّته: هي أحزاب آيلة للسقوط وغير ديمقراطية من الداخل، ولتجدّد قيادتها إلا فيما ندر.
وبوصفه حزباً أحدث عهداً وأكثر التزاماً بالتغيير، فقد يكون حزب العدالة والتنمية أقلّ عناداً وضيق أفق من غيره من التنظيمات، لكن وجود حزب واحد لا يكفي. علاوة على ذلك، إذا فاز حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات البرلمانية، التي من المحتمل أن تُعقَد في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، فمن المرجّح أن تظلّ سلطة الملك قوية. فقد تم إنشاء حزب الأصالة والمعاصرة على يد أحد أصدقاء الملك قبل انتخابات العام 2009 البلدية. لم يقتصر الأمر على أن الحزب أبلى بلاءً حسناً على مستوى البلديات، بل إنه أسّس حضوراً قوياً في البرلمان من دون أن يشارك على الإطلاق في انتخابات برلمانية، وانتقل أعضاء من أحزاب أخرى ببساطة الى الحزب الذي تأسّس حديثاً. قبل فبراير، كان من المتوقّع أن يكون أداء حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات البرلمانية جيداً للغاية، لكن من غير الواضح كيف ستؤثّر عليه الأحداث الأخيرة. ومع ذلك، ليس ثمّة شك في أنه إذا ما فاز حزب مُقرَّب من الملك في الانتخابات، فمن الممكن أن يتبدّد زخم الإصلاح بسهولة. وستتأثّر النتيجة بقدرة حركة 20 فبراير على البقاء على قيد الحياة، إذا ما وافقت أغلبية عظمى من المغاربة على الدستور في استفتاء يُعتَدّ به بموثوقية.
وعلى أي حال، المدى الذي يمكن أن يمضي إليه الإصلاح، الذي يقوم به الملك من أعلى إلى أسفل، ربما يعتمد أيضاً على قوة الدفع من أسفل إلى أعلى من جانب الأحزاب السياسية والمحتجّين.
---
* المصدر: مركز كارنيغي للشرق الأوسط
- تعليق الصورة: الملك محمد السادس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.