-1- استبداد يواجه حركة شعب: حينما ظهرت حركة 20 فبراير إلى الوجود باعتبارها حركة مطلبية، تندرج بطبيعتها في سياق الثورات التي انطلقت في عالمنا العربي والمغاربي مثلما تندرج في سياق تاريخ نضال الشعب المغربي، ارتاب منها النظام. واجهها بثلاث أنماط هي اللامبالاة الحذرة والعنف والسياسة. أولا: تجلى الإهمال الحذر في البدايات الأولى حيث سمح النظام للحركة بالتظاهر، وذلك مراهنة منه على الإعياء الذي قد يتسرب إلي الحركة من جهة، وخوفا من مفاجآت قد لا تكون اقل من مفاجاة البوعزيزي في تونس . ثانيا: انطلق العنف يوم 15 مارس بالبيضاء، أياما قليلة بعد خطاب التاسع من مارس. وتميز هذا التاريخ بتصريح خطير ودال لمسؤول امني كبير بالبيضاء قال فيه إن تعنيف المواطنين كان لأنهم كانوا ينوون التظاهر. ها قد عاد ذلكم القانون المشؤوم الذي كان المغاربة يحاكمون به تبعا لتأويل الدولة لأفعالهم قلب وقوعها. أقصد ظهير كل ما من شانه الموروث عن الاستعمار الفرنسي. لا يجب أن ننسى انه قبل هذا التاريخ مات خمسة من الشبان في مدينة الحسيمة في ظروف غامضة لم ينجز بصددها أي تحقيق. كما نشير إلى أن المغاربة قد عينوا على فيديو الاعتداء الهمجي على الشاب كريم الشايب الذي لقي حتفه على إثر ذلك. يجب كذلك أن نذكر العنف الذي تعرضت له حركة 20 فبراير يوم 15 ماي بالرباط، والعنف الهمجي الذي مارسته الأجهزة الأمنية للدولة على المواطنات والمواطنين في تظاهرات 22 ماي بكل مناطق المغرب. سيبلغ العنف مداه الأقصى إلى حدود بداية يونيو مداه مع استشهاد المواطن كمال العماري متأثرا بالضربات الهمجية التي تلقاها من رجال الأمن وهو يشارك في تظاهرة سلمية من تظاهرات حركة 20 فبراير بمدينة أسفي. ثالثا: شن النظام حربه السياسية بأدوات متنوعة. كانت الأداة الأولى هي الإشاعة والتشويه. عمدت أجهزة الإشاعة والحرب النفسية إلى ربط الحركة بالبوليساريو وبالشواذ والإلحاد والتنصير. كانت الأداة الثانية هي العرض السياسي الذي اتخذ صفة الإصلاح الدستوري. وقد تم تقديم هذا العرض/ الأداة من خلال خطاب التاسع من مارس، إذ تقدمت الدولة بما تراه إصلاحات تتفاعل مع مطالب حركة 20 فبراير. الأداة الثالثة في هذه الحرب السياسية على حركة 20 فبراير كانت هي الهجوم الإعلامي الذي هو أداة إعلامية لشن حرب سياسية. ركزت الكتائب الإعلامية الحربية على نقطتين. الأولى هي البديل الذي بدأ في رأيها يفرض نفسه على مطالب حركة 20 فبراير.الثانية هي الأسلوب الاحتجاجي الذي بدا في رأيها دائما يغلب على احتجاجات حركة 20 فبراير. رأت الكتائب الإعلامية أن مطالب الحركة أصبحت ترتفع نحو إسقاط النظام، وان الأسلوب بدا يميل نحو تحريك الأحياء الشعبية في خطوة تصعيدية تريد إشعال ثورة وليس إجراء إصلاحات. وقد ربطت هذه الماكينة الإعلامية هذين التحولين مطلبا وأسلوبا بجماعة العدل والإحسان وحزب النهج الديمقراطي. 2-: - فشل استبداد في محاربة حركة شعب: فشلت الدولة في حربها على حركة 20 فبراير. دليلي على ذلك ست مؤشرات: صمود الحركة. فكلما ازداد القمع كلما تشبث الشباب بالتظاهر أكثر. يشهد على ذلك خرجهم في تظاهرات محلية وسط الأسبوع مساندة لفئات اجتماعية متنوعة، وإصدار تنسيقياتهم لبيانات تؤكد العزم على مواصلة المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. خلافا لما روجته كتائب النظام الإعلامية لم يتذمر المواطنون سكان الأحياء الشعبية من تظاهرات 20 فبراير بأحيائهم. ففي مدينة أسفي حدث شيء غريب. فبعدما انتهت تظاهرات الحركة التي قمعتها الأجهزة الأمنية وخلا الشارع، انطلقت مواجهات بين السكان ورجال الأمن احتجاجا على ما رأوهم من همجية الأمن في قمع شباب مسالم. لقد خلف القمع نتيجة عكسية وهي تعاطف السكان مع الشباب الذين يعبرون في الواقع عن مطالب عادلة لكل المغاربة. لقد انتبه النظام إلى أن القمع ستكون له نتائج عكسية ليس اقلها انتقال التعاطف من المستوى النفسي والعاطفي إلى المستوى العملي والميداني. تجديد الجسم السياسي والنقابي والشبابي والنسائي والجمعوي المتكتل في المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير تأييده للشباب، بل ودعوته لأول مرة باسمه إلى التظاهر استنكارا للقمع. هذا مع تعبير عدد من القوى المنخرطة في الحكومة أو في البرلمان والتي أخذت مسافة من الحركة، تعبير هذه القوى عن رفضها القوي للقمع الذي مارسته أجهزة الداخلية على الحركة. اهتمام الإعلام الأمريكي والبريطاني والفرنسي بالهجمة المتخلفة التي نفذتها أجهزة الداخلية على الحركة. ففي الوقت الذي كان مبذرو المال العام وشبه العام ومبتزو المال الخاص ينتظرون شهادات هذا الإعلام على ما يسمى بمهرجان موازين، ركزت أقلام صحف هذه الدول على مهرجان القمع والاستبداد، وتبخرت كل المكاسب الدعائية التي كان المبذرون ينتظرونها من مهرجانهم. استشهاد المناضل الفبرايري كمال العماري بمدينة أسفي. إن النظام يعلم أن الشهيد الأول يقلص نسبة من المتظاهرين لكن الباقين يصبحون أكثر إصرارا. وسقوط الشهيد الثاني ( أو لنقل ارتفاع أو سمو الشهيد الثاني إلى أعلى عليين) يرجع من انسحب لحظة سقوط الشهيد الأول. وسقوط الشهيد الثالث يمحو حاسة الخوف بالمطلق، وسقوط الشهيد الرابع يخلق حاسة البحث عن الشهادة عند المتظاهرين. خذوا ما شئتم من الأمثلة: سوريا أو اليمن أو ليبيا... سقوط الدم دم الشهيد كان له وقعه في توقف القمع الهمجي. تنديد الاتحاد الأوربي، من خلال هيئاته التنفيذية بالقمع الذي مارسته أجهزة الداخلية على المتظاهرين السلميين. والخطير بالنسبة للنظام في هذا التنديد هو انه صيغ بنفس العبارات التي صيغ بها تنديد وجهه الاتحاد الأوربي في نفس الوقت لنظام البعث الدموي بسوريا. تراجعت أو توقفت حرب النظام بالأسلوب العنفي لكنها ستتخذ أسلوبا سياسيا مرة أخرى، إنما بأدوات مغايرة, إنها الحرب من الداخل. فلنحذر داخل حركة 20 فبراير من حصان طروادة. 3- حصان طروادة أو الحرب من الداخل على حركة شعب: بعدما تبين أن العنف والقمع لم ولن يوقف دينامية حركة 20 فبراير، التجأ المخزن إلى تشجيع أسلوب الاختراق من الداخل. يبدو وكان هناك خطة يتم تحضيرها لدفع قوى سياسية ما إلى إن تقوم بمهمة خاصة داخل حركة 20 فبراير. مؤشرات ذلك ما رشحت به بعض الصحف اليومية والأسبوعية من وصفات تم تقديمها كنوع من الغيرة على حركة 20 فبراير، والخروج بها مما تراه هذه الكتائب الإعلامية من انحراف أصاب هذه الحركة. نقف عند جريدة يومية وأخرى أسبوعية. وسنأخذ منهما ما يتعلق أساسا بما نراه تحضيرا أو تشجيعا لاختراق حركة 20 فبراير. نقرأ افتتاحية اليومية أعلاه من عدد السبت – الأحد 4 – 5 يونيو 2011.. نصيحة يتوجه بها كاتب الافتتاحية إلى الدولة مفادها انه إن كان قد تبين للدولة أن حركة 20 فبراير قد سيطر عليها العدل والنهج فعلى الدولة ألا تدخل في مواجهة مع الحركة, فهذه السيطرة لم تأتي، حسب الكاتب النصوح، من فراغ بل لها مقدمات هي: 1 –تخاذل مجموعة من الأحزاب السياسية الأساسية( كذا) لحظة ظهور حركة 20 فبراير. فقد بقيت هذه الأحزاب تنتظر إشارات من الدولة تحدد لها طريقة التعامل مع الحركة. وحينما تأخرت هذه الإشارات ارتبكت هذه الأحزاب ودخلت في عملية تهجم وتشويه للحركة لكي تبرر ابتعادها عنها وعدم دعمها. 2 – امتناع الأحزاب اليسارية المعتدلة عن دعم الحركة.وفي أحسن الحالات كان موقف هذه الأحزاب اليسارية محتشما في دعمه ومترددا وخجولا يرجع إلى الوراء ويترك الساحة للغير. استنتج من هاتين المقدمتين أن الكاتب يوجه نقدا للأحزاب السياسية الأساسية وللأحزاب اليسارية المعتدلة، ويدعوها إلى أن تمارس دورها داخل حركة 20 فبراير وتزاحم من يعتبرهم صاحب الافتتاحية أنهم يسيطرون على الحركة. إذن علينا أن ننتظر التنفيذ. إذا انتقلنا إلى الأسبوعية المشار إليها أعلاه، فالأمر سيكون أسهل في إبراز أن هناك تحولا في التعامل مع حركة 20 فبراير أساسه العمل على تغيير مسارها من الداخل في اتجاه مهادن للمنهج الفاسد الذي تمرر الدولة من خلاله منظورها للإصلاح. نشير أولا إلى أن هذه الأسبوعية دأبت منذ ظهور حركة 20 فبراير على تخصيص ملفات في أعدادها للحركة، ليس من اجل التعريف بها بل للتخويف من مكونين بداخلها بشكل يعطي للرأي العام صورة مغلوطة عن مطالب الحركة ومنهجها في السلمي في النضال. في آخر عدد لهذه الأسبوعية، نقرأ عنوانا كبيرا في الصفحة الأولى يتناغم مع ما جاء في افتتاحية اليومية أعلاه. هذا العنوان هو كالآتي: لماذا تنازلت الأحزاب عن الشارع لجماعة العدل والإحسان؟ إذا أخذنا الأسئلة التي توجهها هذه الأسبوعية إلى من استجوبتهم نجد أنها لا تختلف عن منهجية الأسئلة التي طرحتها في ملفاتها السابقة. فهي أسئلة مباشرة مثل : يسجل حاليا من قبل المتتبعين تراجع الأحزاب لحساب جماعة العدل والإحسان في التحركات الأخيرة ما موقفك؟ واضح إذن أن هذا جواب في صيغة سؤال. نقرا أيضا أسئلة حول التظاهر في الأحياء الشعبية ويتم تصوير الأمر بشكل تخويفي يعبر عنه السؤال الآتي: جميع هذه الثوابت والتحولات يضعها البعض في خانة الاحتقان هل أنت مع أو ضد؟ فإذا كان هذا الخط يوجه الضربة إلى داعمي حركة 20 فبراير، فإن خطا آخر تفتحه هذه الأسبوعية يوجه الضربة إلى شباب 20 فبراير من خلال إبراز أن هناك انشقاقا في تنسيقيات الشباب. نعم هناك أطروحات متنوعة لكن من داخل أرضية حد أدنى. نشرت هذه الأسبوعية ما سمي بنداء لحركة 20 فبراير ائتلاف المستقلين- تنسيقية الدارالبيضاء. وعندما نقرأ هذا النداء نجد انه لا يتحدث في مطالبه عن فصل السلط ولا يذكر سلطات الملك. بل يمكن القول انه يؤسس لملكية تنفيذية محافظة تقليدانية باسم الثوابت. والجميع يعلم أن أرضية حركة 20 فبراير تتحدث عن ملك يملك ولا يحكم. بل الغريب في هذا النداء انه يتوجه إلى أطراف هي ضحايا الاستبداد الذي جاءت حركة 20 فبراير لتواجهه. نجد ملاحظات ومطالب موجهة للأحزاب والنقابات والجمعيات والأطباء والمحامين والمهندسين ورجال الأعمال ومغاربة الخارج والمغاربة عموما. انه نداء لا علاقة له روحا وتعبيرا وقاموسا مع حركة 20 فبراير. إن من يطلع على هذا النداء سيلمس أي شباب يريد له الكتائب الإعلامية أن يقود حركة 20 فبراير. على سبيل الختم: يبدو أن الحلقة المقبلة في الحرب على حركة 20 فبراير ستكون من خلال حصان طروادة. سنرى في المستقبل القريب التحاقا بالحركة سواء من داخل المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير أو من داخل تنسيقيات الشباب.ستكون هناك التحاقات ذات فائدة ولكن سنرى ملتحقين يحملون أجندة المخزن. ستطرح هذه الجهات نقطتين: الوضوح في المطلب. نعم الوضوح حق لكن قد يستعمل في الباطل. نشير أولا إلى أن المجلس هو لدعم حركة 20 فبراير . لا يجب أن نفرض على مجلس الدعم أن يحدد موقفه من طبيعة النظام السياسي، وإنما من طبيعة الدولة هل هي دولة تيوقراطية أم مدنية شمولية أم ديمقراطية مستقلة وذات سيادة أم تابعة ومنخرطة في كيان عام باسم العولمة. يحق لمكونات المجلس أن يكون لها وضوح في المطلب لكن خارج مجلس الدعم. فليبحث كل طرف عن إطار يصرف فيه اختياره السياسي ولنحافظ على مجلس الدعم كمجلس لتزخيم نضال شعبنا. بالنسبة لأمكنة الاحتجاج، لا يحق لأحد أن يحدد جغرافية الاحتجاج. الاحتجاج مسالة سياسية وليست مسالة طبوغرافية. كل ساحات مغربنا هي ساحات للنضال . كل أبناء شعبنا لهم على الحركة ومجلس الدعم حق النصرة والسند. أما من يقول بان الأحياء الشعبية هي أماكن موقوتة، فنرد عليه بان كل مسيرات 20 فبراير بهذه الأحياء سواء بسلا أو الرباط أو البيضاء أو أسفي لم تعرف أدنى مشكل. تظهر الانزلاقات حينما يتدخل القمع المخزني والذي لا تقابله الجماهير إلا بالمناورات زنقة زنقة. إذا كان على مكونات مجلس الدعم أن تتحلى باليقظة وان تعمل على تفويت الفرصة على كل نقاش ناسف لوحدة المجلس، فإن على شباب 20 فبراير أن يتحلى هو أيضا باليقظة، وان يحافظ على وحدة الصف. وفي هذا الإطار لا يفوتني أن أنبه إلى لجوء بعض الجهات إلى إدخال نوع من الحلقية إلى 20 فبراير، واقصد مناضلي حزب الاتحاد الاشتراكي الذين يستعملون عبارة "اتحاديو 20 فبراير" وهي عبارة ذات منحى طائفي وحلقي ستظهر خطورتها حينما تعمد كل جهة إلى إلصاق اسم هيئتها بحركة 20 فبراير.، كان نسمع نهجيو 20 فبراير أو عدليو 20 فبراير أو كنفدراليو...الخ. إن من المخاطر التي قد تعصف بالحركة هو التقسيم والانشقاق. وفي هذا الإطار على كل مكونات المجلس وتنسيقيات الشباب أن يغلبوا وحدة الحركة على الذاتية التنظيمية. لا يمكن لكل مناضل حقيقي أني يقبل بتشكيل حركة 20 فبراير ملكية برمانية أو حركة 20 فبراير دستور شعبي ديمقراطي أو حركة 20 فبراير تموزغا...إلخ. الحركة للشعب فلنحافظ للشعب على هذه الأداة التاريخية، ولنعبر عن قناعاتنا داخل إطارات ننشؤها بيننا وبين من يتقاسم معنا هذه القناعات لكن دون أن نحمل حركة 20 فبراير اختلافاتنا التي لا نستطيع تدبيرها. هكذا يمكن أن نفوت على الاستبداد فرصة الانفراد بكل واحد منا فردا فردا. هكذا بالوحدة والتضامن نحقق ما حققته شعوب تونس ومصر وما ستحققه بإذن الله شعوب اليمن وليبيا وسوريا.