17 أبريل, 2017 - 08:54:00 أدى الاستفتاء الدستوري الذي مكن من توسيع صلاحيات تنفيذية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى انقسام داخل تركيا بين مؤيد ورافض لهذا الاصلاحات، كما توالت ردود أفعال دولية رافضة لأكبر تحول يشهده النظام السياسي التركي منذ انقلاب سنة 1980. ويقول أردوغان وأنصاره إن هذه التعديلات ضرورية لإصلاح الدستور الحالي، الذي أعده جنرالات في أعقاب انقلاب عسكري وقع عام 1980، لمواجهة تحديات أمنية وسياسية تواجهها تركيا وتفادي الحكومات الائتلافية الهشة التي شهدتها البلاد في الماضي، في المقابل يقول المعارضون إنها خطوة نحو زيادة الاستبداد. موقع "لكم" استقى أراء وتحليلات قياديين في الحركات الاسلامية بالمغرب، اذ أجمع أغلبهم على أن التحول القائم في تركيا يخدم الاسلاميين في المنطقة، في حين يرى متتبعين أن تحول النظام التركي إلى نظام رئاسي في ظل انقسام شعبي وحزبي لن يخدم مصالح الإسلاميين بل يعطي الضوء الأخضر للأنظمة العربية لاجتثاتهم خوفا من أن يصلوا إلى الحكم ويسيطروا على أجهزة الدولة. المعتصم: أردوغان يحاكي نظام الخميني.. ونظامه ملجأ لتيارات "الإخوان المسلمين" مصطفى المعتصم، الأمين العام لحزب "البديل الحضاري" (حزب إسلامي معارض تم حله سنة 2007 بقرار من السلطات)، يرى أن تركيا تريد أن تطبق مقولة نجم الدين أربكان عندما تمنى أن "تكون تركيا رأس العالم الاسلامي لا ذيل أوربا"، مشيرا إلى أن أردوغان في حاجة إلى سلطات إضافية لفرض قوة العاملين الأساسيين في تركيا، الأول عامل قومي، والثاني العامل الاسلامي باعتباره يمثل قوة اسلامية تمثل العالم السني في مواجهة المد الشيعي الايراني. ويؤكد المعتصم في تصريحه لموقع "لكم"، أن التعديل الدستوري الاخير له خلفيات سياسية ودولية، منها أن اردوغان عندما عالج موضوع الانقلاب استهدف الدولة العميقة وأراد أن يعيد بناء أجهزة الدولة من جديد ويتحم في مفاصلها، مشيرا إلى أن أردوغان أعاد تجربة الإمام الخميني عندما شل قدرات الغرب وضرب الدولة العميقة وشل أجهزتها في الأمن والإدارة. وتابع المتحدث بالقول إن "الزعيم التركي أراد تعزيز سلطات إضافية من شأنها أن تثير تخوفات تحويل البلاد إلى ديكتاتورية تٌحكم بالقبضة الحديدية"، مضيفا انه: "عادة الدولة التي تمر في حالة انتقالية تكون بحاجة إلى دكتاتورية وطنية كما حدث في عدة تجارب دولية". ويرى المعتصم أن ما وقع في تركيا حديثا، يأتي في سياق إنهيار العولمة والرغبة الكبيرة للعودة إلى الدولة الوطنية، من خلال عودة نقاش الهوية وعودة اليمين، وهذا يستلزم نظام تركي رئاسي، أي النظام الأقرب إلى التحول الديكتاتوري، حيث يكون القرار سهلا والتنفيذ سريعا. ويضيف المعتصم: "صحيح أن أردوغان يدعم الاسلاميين في العالم العربي، لكن هؤلاء الاسلاميين يعيشون حالة من التيه ولم يستطيعوا بلورة فكرة تجميع القوى القومية والاسلاميية والوطنية لإبراز قطب موحد في العالم العربي:. ويرى المعتصم أن هذه القوى تتجاذب بين قطبين، الأول يمثل النوذج الأروغاني والثاني تمثله إيران. وبالنسبة للمعتصم فإن تيارات "الإخوان المسلمين" في العالم العربي ليس لديهم مكان يلتجؤون إليه سوى تركي، ويميلون للنموذج الأردوغاني لكي يواجهوا دول الخليج. أما الاسلاميين المغاربة، فيرى المتحدث، أن "العدالة والتنمية" (الأقرب إلى الإخوان المسلمين) تجمعهم علاقة خاصة بتركيا التي تحتضن أبنائهم ويقومون بتدريبات وتكويات دورية لشبابهم وأطرهم ببلاد أردوغان. أما "جماعة "العدل والاحسان"، فيرى معتصم أن لها علاقة قوية بتركيا من خلال انفتاحهم على التجربة الصوفية (نسبة إلى العالم الصوفي سعيد النورسي)، معتبرا أن هناك تأثير متبادل بينهما. جبرون: الاسلاميين هم أول المتضررين من النموذج الأردوغاني الباحث في التاريخ، والمفكر الإسلامي (عضو في حركة التوحيد والإصلاح)، محمد جبرون قال إن المثير للانتباه في الاستفتاء التركي الأخير، هو وجود تحول سياسي ليس ديمقراطيا، حيث بينت النتائج أن هناك انقسام على أسمى وثيقة تحدد طبيعة النظام السياسي، وهذا الأمر ليس سهلا. ويرى جبرون، في تصريحه لموقع "لكم"، أن تركيا ستدخل في نقاش سياسي قد يعمق الشرخ بين التيارات السياسية والقوى الشعبية في تركيا، لأن "أغلب التحولات التي تكون مصيرية في أغلب البلدان تسعى من خلاله الدولة إلى التوافق مع جميع الفرقاء، والحال أن أردوغان لم ينجح في هذا التوافق". ويؤكد المتحدث أن ما كانت تتفاده القوى الديمقراطي في تركيا، أصبح اليوم واقعا جديدا من خلال تركيز السلطات في يد الرئيس وتهميش دور البرلمان، ومحاصرة التعددية الحزبية. جبرون قال إنه غير مرتاح للطريقة التي دبر بها أردوغان تنزيل الإصلاحات الدستورية، من خلال الاحتكام للشارع المنقسم، مضيفا أن الخاسر الأكبر هو فقدان الإشراك الواسع الذي يتحيه البرلمان لفئات واسعة من القوى السياسية والاجتماعية داخل تركيا. وعلى عكس ما يره الإسلاميين، يقول جبرون إن رسالة أردوغان منذ مدة، لا تخدم التطور السياسي للإسلاميين في العالم العربي، بحيث هي رسالة إلى الأنظمة العربية تقدم لهم نموذج لهولاء الاسلاميين الذي يصلون إلى السلطة عبر الديمقراطية ثم يشطبون على كل المعارضين، وهذا هو الدرس الخطير، يضيف جبرون. وبالنسبة لجبرون فإن "النموذج الأردوغاني ليس نموذجا ديمقراطيا مغريا"، مضيفا قوله: "منذ أربكان إلى اليوم يطرح أكثر من سؤال على الديمقراطية، حيث لما كان أردوغان رئيسا للحكومة كان هو المحور، ولما أصبح رئيسا للدولة أصبح محوار رئيسيا". ودعا جبرون الفاعلين الاسلاميين إلى تمثل قيم النزاهة في الحكم على التجربة التركية، موضحا: "أردوغان مارس اضطهادا على تيار اسلامي آخر كما تمارس الأنظمة العربية اضطهادات ضد الاسلاميين"، مضيقا: "كما ندين التصرفات السلطوية في العالم العربي يجب أن ندين التصرفات السلطوية في تركيا". الحمداوي: الاسلاميين يراهنون على نجاح أردوغان ويتخوفون من تحول نظامه إلى حكم فردي محمد الحمداوي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في جماعة "العدل والاحسان"، اعتبر أن الاستفتاء مر في أجواء ديمقراطية، وأن المؤيدين والمعارضين معا قاموا بحملاتهم في جو من التنافس الديمقراطي. وعلى عكس الانتقادات الموجهة للنظام الرئاسي في تركيا، يرى الحمداوي في تصريحه لموقع "لكم"، أنه رغم كون النتائج متقاربة بين الرافضين والمؤيدين إلا ان تركيا تخطو نحو نظام شبه رئاسي فيه توازن بين سلطات البرلمان والرئاسة. وحسب الحمداوي فإن النظام الرئاسي، سيمكن "العدالة والتنمية" التركي من تنزيل مشروعه التنموي والاقتصادي الذي بدأه منذ سنة 2002، مستطردا: "فعلا هناك تخوفات من أن يتحول النظام السياسي إلى نظام الحكم الفردي، لكن منذ سنة 2002 إلى اليوم، اتضح أن (العدالة والتنمية) استطاع تحقيق انجازات كبيرة سياسيا واقتصاديا". وينظر القيادي في جماعة "العدل والإحسان"، إلى أن الاسلاميين المغاربة، مثل باقي الإسلاميين، يراهنون على التجربة التركية، لكن لا يجب أن ننسى أن "النكبات التي تعاني منها الدول العربية غير مرتبط فقط بالتضييق على الاسلاميين بل على كل الديمقراطيين"، مستبعدا أن تعمل تركيا بشكل كبير على رفع الحيف عن الاسلاميين بالمنطقة لأن هناك فاعليين آخرين، من قوى دولية وتحالفات اقتصادية، مؤكدا على أن السياسة الخارجية التركية تشتغل بمنطق ترجيح المصلحة.