16 أبريل, 2017 - 12:55:00 كان من بين المفاجئات العديدة التي حملتها حكومة سعد الدين العثماني، عودة "وزارة حقوق الإنسان" ضمن الحقائب الوزارية المشكلة للحكومة الحالية. عودة هذه الوزارة إلى المشهد السياسي الرسمي المغربي في الوقت الذي يزخر فيه هذا المشهد بعدة آليات رسمية وحكومية تٌعنى بحقوق الانسان، وتعيين شخصية مثيرة للجدل هو مصطفى الرميد، لتولي هذه الوزارة بدرجة وزير دولة يطرح الكثير من الأسئلة حول الخلفيات والأهداف من استدعاء هذه "الوزارة" من أرشيف الدولة الرسمي. أول وزارة لحقوق الإنسان في المغرب فعندما عين الملك محمد السادس مصطفى الرميد على رأس وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، لم تكن هذه هي أول مرة تٌخلق فيها مثل هذه الوزارة، فقد سبق للمغرب أن شهد أول وزارة تعنى بحقوق الانسان لأول مرة عام 1993 حيث ترأسها آنذاك عمر عزيمان، المستشار الحالي للملك، وأسندت لها مجموعة من الاختصاصات في ظل غياب مجموعة من الهيئات الحكومية المكلفة بالدفاع عن حقوق الإنسان. وتعاقب على هذه الوزارة بعد ذلك محمد زيان، رئيس الحزب "الليبرالي" حاليا، قبل أن يٌقال منها عام 1996 أثناء فترة ما سمي ب "حملة التطهير" التي قادها وزير الداخلية القوي آنذاك إدريس البصري، ووجد زيان، وهو محامي، نفسه في تضارب مصالح مع بعض المستهدفين من تلك الحملة فتمت إقالته. وعادت هذه الحقيبة من جديد للظهور في تشكيلة الحكومات المغربية مع حكومة عبد الرحمن اليوسفي التي سميت ب "حكومة التناوب"، فقد أراد اليوسفي الذي يجر وراءه تاريخا طويلا في الدفاع عن حقوق الانسان، أن يبصم حكومته بطابع حقوق الانسان، لكن طريقة توزيع الحقائب الحكومية بين الأحزاب السياسية المشاركة في حكومته، والتي غالبا ما تخضع لمنطق الترضيات قبل الكفاءات، جعلت تلك الحقيبة تؤول لمحمد أوجار، وزير العدل حاليا، لذلك لم يترك مروره عبرها أي أثر يذكر، بل كانت تلك هي نهاية تلك الوزارة إلى أن أعادت لها حكومة سعد الدين العثماني الحياة من جديد. لكن على أي شكل وبأية اختصاصات ومن أجل أية أهداف؟ لماذا "وزارة لحقوق الإنسان" اليوم؟ عندما عمد الملك الراحل الحسن الثاني في تسعينات القرن الماضي إلى خلق وزارة تٌعنى بحقوق الانسان، في تسعينات القرن الماضي، كان الهدف من ذلك القرار السياسي، هو توجيه رسالة إلى الخارج بالدرجة الأولى، لإظهار المغرب الرسمي كمدافع عن حقوق الانسان، في الوقت الذي كانت فيه تقارير المنظمات الحقوقية الدولية تنتقد وضعية حقوق الانسان في المغرب. ووجود وزارة لحقوق الإنسان كان مبررا آنذاك، حتى على المستوى الداخلي، بالنظر إلى غياب آليات رسمية تعنى بحقوق الانسان، وهو الأمر الذي يطرح اليوم العديد من التساؤلات حول ما يمكن أن يضيفه استدعاء حضور هذه الوزارة من جديد داخل المشهد الرسمي لحقوق الإنسان في المغرب خصوصا مع تواجد العديد من الهيئات الرسمية والحكومية المسندة لها مهمة الدفاع عن حقوق الإنسان، كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان التي يترأسه إدريس اليزمي، والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان المتواجد على رأسها محجوب الهيبة. ومؤسسة الوسيط لحقوق الانسان التي يرأسها عبد العزيز بن زكور ، بالإضافة إلى وزارة العدل والحريات على اعتبار أن مجال الحريات يتداخل ويتقاطع مع مجال حقوق الإنسان. العديد من المؤسسات باختصاصات شبه متداخلة كل هذه المؤسسات الرسمية والحكومية مفروض فيها أنها تٌعنى بحقوق الانسان، وهو ما يجعل اختصاصاتها تتداخل وتتقاطع لحد الاشتباك. فالمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، والتي تعد بمثابة وزارة تشتغل تحت إشراف رئيس الحكومة، تٌعنى بمهمة إعداد التقارير الموازية الحكومية أمام الهيئات التعاقدية، كما تتكلف بإعداد وتنفيذ السياسة الحكومية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وحمايتها والنهوض بها، وذلك بتنسيق مع القطاعات الوزارية والهيئات المعنية. كما تتكلف باقتراح كل تدبير يهدف إلى ضمان تنفيذ الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي يكون المغرب طرفا فيها، وذلك وفق ما أورده المرسوم الذي أحدثت بموجبه هذه المندوبية المنشور بالجريدة الرسمية سنة 2011 11 أبريل. من جانبه، يتكلف "المجلس الوطني لحقوق الإنسان"، وهو هيئة دستورية، ينص مرسوم إحداثه سنة 2011 على أنه "مؤسسة وطنية مستقلة غير حكومية"، بتنفيذ معاهدة باريس بخصوص حقوق الإنسان، ورصد ومراقبة وتتبع أوضاع حقوق الإنسان على الصعيدين الوطني والجهوي، مع تلقي الشكايات وتدبيرها، وإنجاز التقارير، والتحقيقات، والوساطة والتدخل الاستباقي. أما مؤسسة "الوسيط لحقوق الإنسان"، فتناط بها مهمة استقبال شكايات المواطنين مع الإدارة، على أساس أن هذه المؤسسة تتمتع باستقلاليتها عن السلطات التقليدية الثلاثة، الى جانب تمتعها بالأهلية القانونية والاستقلال المالي، وذلك وفق تعبير رئيسها عبد العزيز بن زكور في إحدى تصريحاته السابقة لوكالة المغرب العربي للأنباء. وبتواجد هذا الزخم من المؤسسات الدستورية والحكومية التي تتداخل نوعا ما في الاختصاصات يٌطرح سؤال حول القيمة المضافة للوزارة الجديدة التي يرأسها مصطفى الرميد، ومجال تحركها، كما يطرح السؤال حول الملفات العاجلة التي يجب أن تنكب عليها الوزارة لإثبات استقلاليتها عن باقي الآليات وقيمتها المضافة التي يمكن أن تٌغني بها مجال الدفاع عن حقوق الانسان من الجانب الرسمي. النويضي: هذه هي الملفات التي ستظهر الحاجة إلى هذه الوزارة وفي هذا السياق قال عبد العزيز النويضي، المحامي والاستاذ الجامعي، والذي سبق له أن شغل منصب مستشار لحقوق الإنسان والحوار الاجتماعي في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، إن الدولة يجب عليها أولا، أن تحدد اختصاصات هذه الوزارة الجديدة، وذلك عن طريق مرسوم أو قرار لرئيس الحكومة يعطيها مكانة لائقة بها ووسائل كافية لتحقيق أهدافها، ويجعلها تنوب عنه في كل ما يتعلق بالإشراف على هذا الحقل الواسع الذي يخترق عددا من القطاعات والمؤسسات، مع الحفاظ على عدم تداخل اختصاصاتها مع المؤسسات الدستورية والحكومية التي تعمل في نفس المجال. وأضاف النويضي في تصريح لموقع "لكم": "يتعين على الوزارة أن تٌعدَّ برنامج عمل بعد الاستماع إلى عدد من الفعاليات ومسؤولي المؤسسات والمنظمات التي تشتغل في حقل حقوق الإنسان، وتطلب منها تحديد الأولويات، والدعم المطلوب من الحكومة في هذا المجال بصفة خاصة". وأكد النويضي أن الوزارة الجديدة يجب أن تنكب أيضا على تنفيذ عدد من التعهدات في مجال الاستعراض الدوري الشامل لعدد من توصيات لجنة مناهضة التعذيب وباقي لجن المعاهدات بما فيها لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة، وتوصيات المقررين الأمميين بما فيها تلك التي تدخل ضمن إصلاح المنظومة الجنائية، أي القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، لتقوية الضمانات القانونية أثناء فترة الاعتقال والمحاكمة، وتتبع تأسيس الآلية الوطنية المستقلة لزيارة أماكن الاحتجاز تبعا لمصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب. وأضاف النويضي أن الوزارة الجديدة، ومن أجل إظهار فعاليتها، يجب أن تنكب على حل العديد من القضايا الآنية والعالقة مثل إصدار منشور يوجب على السلطات تسليم الوصل للجمعيات طبقا للقانون مباشرة عند تسلم السلطات لملفات تأسيس الجمعيات، وإصدار منشور يؤكد على أن تفريق التظاهرات يجب أن يكون طبقا للقانون، وفي إطار التقيد بالإنذار القبلي، وبمبادئ الضرورة والتناسب عند الحاجة الضرورية إلى استعمال القوة، والنص على المسؤولية الشخصية بالنسبة للأضرار الجسيمة عند خرق هذه القواعد. وأضاف النويضي، أن من بين الأمور المستعجلة التي ستجعل من وجود هذه الوزارة مهمة، هو حل قضية البيوت المشمعة لجماعة "العدل والإحسان"، وإلغاء مذكرات الإعفاء من المسؤوليات التي طالت العديد من الأطر بالإدارة العمومية بسبب انتماءاتهم السياسية، والإعلان عن دعوة المنظمات الدولية لزيارة المغرب وإلى لقاء وحوار المسؤولين المغاربة، ولا سيما "أمنستي" و"هيومن رايت واتش". وزاد النويضي، قائلا إن الوزارة الجديدة مطالبة أيضا بتتبع إصدار قانون جيد يهم الدفع بعدم دستورية القوانين، وتتبع مسار التجربة المغربية للسهر على إعداد التشريعات التي تقضي المحكمة الدستورية بضرورة تقويمها، بالاضافة إلى تتبع تنفيذ خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. الرياضي: ماضي الرميد على وزارة العدل يسبقه ولا ننتظر منه الكثير وبدورها قالت خديجة الرياضي، المدافعة عن حقوق الإنسان الحقوقية، والرئيسة السابقة ل "الجمعية المغربية لحقوق الانسان"، إن انتظارات المجتمع المدني الحقوقي كبيرة من الوزارة الجديدة، مع أن أغلب الفاعلين المستقلين في مجال الدفاع عن حقوق الانسان يأخذون بعين الاعتبار الآداء السابق لمصطفى الرميد على رأس وزارة العدل والحريات. وبهذا الخصوص قالت الرياضي: "لا ننتظر لا من الرميد ولا من أخنوش (عزيز) ولا من العثماني (سعد الدين) الشيء الكثير، لأنهم لا يمتلكون سلطة اتخاذ القرار، ومن يمتلك سلطة اتخاذه هي السلطة الفعلية التي وضعتهم في مناصبهم، والتي حددت أعضاء فريق الحكومة برمته وهي من يسير البلاد." وأضافت الرياضي "أنا اطمح إلى مقاومة فعلية لهذا التردي، من قبل قوى الشعب التي يجب أن تجمع صفوفها وتقوم بمقاومة سلمية، وحضارية وتوقف انتهاك الحقوق والحريات." وفي ذات المنحى قالت الرياضي، وهي منسقة "الهيئة الوطنية لمساندة المتضررين من الإعفاءات التعسفية": "الرميد لا يحتاج أن يفكر في وضع برنامج لوزارته، فما عليه سوى تطبيق التوصيات الأممية ذات العلاقة بحقوق الانسان التي سبق للدولة المغربية أن صادقت عليها ولم تحترمها وهي بالمئات"، مشيرة إلى أن وزارة الرميد مطالبة وبشكل مستعجل ب "حل ملف الاعفاءات الغير المبررة والتي تعد تعسفا غير مقبول"، بالإضافة إلى "ضرورة الالتفات إلى الجيل الجديد من حقوق الانسان ذات العلاقة بالحياة الخاصة للإنسان من قبيل ملفات التقاعد، والخوصصة، وتحرير الأسعار، والتعليم العمومي الذي أصبح على واجهة الافلاس، والحق في الصحة في ظل وجود مستشفىات في وضعية كارثية.." الزهاري: إذا لم تتدخل في قضايا جوهرية ستكون مجرد "بريستيج" وبخصوص أهلية مصطفى الرميد، الذي سبق له أن شغل منصب وزير العدل في الحكومة السابقة، وكان وراء وضع قانون جنائي لا يوفر الكثير من الضمانات لحماية واحترام حقوق الانسان، قال محمد الزهاري، أمين عام فرع المغرب ل "التحالف الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات": "أي مسؤول سواء الرميد أوغيره، لا يمكن له بأي شكل من الأشكال، أن يشتغل على قضايا حقوق الإنسان تحت الحدود الدنيا للمبادئ الكونية التي توجد معالهما في الدستور المغربي من الديباجة إلى الباب الثاني من الفصل 19 إلى الفصل 40 من نفس النص الدستوري". ويضيف الزهاري "عندما سينزلق الرميد عن هذه المرجعية عندها سنسجل مواقفنا المتعددة." وفيما يتعلق بالقيمة المضافة لهذه الوزارة الجديدة قال الزهاري في تصريح لموقع "لكم": "أتمنى أن لا يمثل وجودها تراجعا ونكوصا، على ما كان عليه الوضع سابقا"، لافتا الانتباه إلى أن الوزارة مفروض عليها أن توجد إجابات لأي إشكال حقوقي يطرح بالقول: "عندما تقمع مظاهرة في الشارع، وعندما تحرم جمعية من وصل إيداع، وعند ملاحظة عدم تكريس مبدأ المساواة بين الجنسين.. كل هذه المحاور وغيرها يجب أن تشكل لب مجال تحرك الوزارة، وإذا لم تتدخل هنا ستشكل فقط نوعا من البريستيج الحكومي لا أقل لا وأكثر". وأورد الزهاري أنه دائما ما كان يتم الاحتكام في العديد من القضايا الجوهرية لحقوق الانسان إلى وزارة الداخلية، مضيفا "اليوم وزراة الدولة المكلفة بحقوق الانسان هي التي يجب أن تتكلف بهذه القضايا، لأن لها سلطة أقوى من وزارة الداخلية"، مشيرا إلى أن غالبية المسؤولين كانوا يتحججون بكون وزارة الداخلية تقع خارج سلطة تحكمهم، وهو ما سوف يختلف مع هذه الوزارة التي يرأسها مسؤول برتبة وزير دولة، أي بمثابة نائب رئيس الحكومة.