08 فبراير, 2017 - 12:02:00 اسمها سيدة بنت تيام، وينادونها في بلدها "أم كلثوم السنغال".. هي فنانة برز اسمها في مجال الإنشاد الديني باللغة العربية، وتعد اليوم واحدة من رواد الفن الأفرو-عربي ذائعة الصيت في منطقة غرب إفريقيا. مسيرتها الفنية الغنية، وتخصصها في التغني بالشمائل المحمدية، وإتقانها للغة العربية، كلها عوامل مكنتها من نجم في سماء الإنشاد الديني ساطع، ورصيد في التغني بقصائد شيوخ الطرق الصوفية شائع، واسم في قائمة الفنانين السنغاليين لامع. ففي بلد يتبع أغلب ساكنيه طريقة من الطرق الصوفية المنتعشة في غرب إفريقيا، رسمت بنت منطقة كازامانس، مذ كانت طفلة صغيرة، معالم قصة مع الفن الأفرو-عربي، وصارت واحدة من الفنانات المعدودات على رؤوس الأصابع اللواتي بصمن على مسيرة موفقة في الجمع بين ثقافتين والمزج بين صوت العمق الإفريقي وأشعار نسجها مشايخ أفارقة بلغة القرآن. تروي بنت تيام في حديث لوكالة المملكة المغربية للأنباء، قصتها مع الفن إذ تقول، إنها بدأت وهي بعد طفلة في سنتها التاسعة حين التحقت بفرقة محلية تحمل اسم (فرقة التوفيق بالنجاح والسلام)، تردد مع أعضائها قصائد المديح النبوي وتتعلم المقامات والألحان، لتكتشف موهبتها في الغناء، وتشق منذ ذلك الحين مسيرة يبدو أنه قد كتبت لها النجاح. تتذكر بنت تيام كيف كانت، وهي في الرابعة عشر من العمر، تربط الوصل بأغاني فنانات عربيات مثل "أهديك ما أهديك" لهيام يونس، و"أشقر وشعره ذهب" لسميرة توفيق، و"يا مال الشام" لفيروز، وتستمع وتستمتع بأغاني أم كلثوم، كل أغاني أم كلثوم، قبل أن تتوجه رأسا إلى الأمداح النبوية. توفر البيئة الحاضنة لها وانتماؤها للطريقة التيجاينة، بسطا لها مناسبات عدة لصقل وإبراز مواهبها، حيث كانت تتوجه لإحياء حفلات المولد النبوي إلى تيفاوان، عاصمة التيجانيين في السنغال، وتتغنى أمام شيخ ومريدي الطريقة من كل الأعمار والفئات بقصائد المديح التي نظمها شيوخ الطرق الصوفية من قبيل أحمد التيجاني والشيخ أحمدو بمبا، مؤسس الطريقة المريدية. وفي لحظة فارقة في مسيرتها الفنية، ستؤسس بنت تيام سنة 2008 "فرقة الأحمدية" وهو اسم اختارته نسبة إلى شيخ طريقتها أحمد شيخ تيجان سي المكتوم، معتمدة على خبرة أخيها إبراهيم الذي يلحن لها القصائد ويشرف على تدريب أعضاء الفرقة من الموسيقيين الذين يعزفون على الآلات الطربية من قانون وعود وكمان، علاوة على الدف. وسنة بعد أخرى، رسخت أم نفيسة (8 سنوات) ومحمد (11 سنة)، اسمها تدريجيا في أجندة الحفلات الدينية في مجموع البلاد، وبات حضورها وغناؤها "مما يطلبه المشاهدون"، حتى إنها تخلت عن مهنتها الأصلية كأستاذة في التعليم العمومي لتتفرغ بشكل نهائي للإنشاد الديني، وذلك بدعم من زوجها الذي يتكفل بإدارة أعمال الفرقة. وراكمت سيدة لحد اليوم ما يربو عن ست ألبومات. "طلع البدر علينا"، و"فلتبك دهرا"، و"بشراك"، و"يا من يرى"، و"قصيدة البردة"، كلها وغيرها مقطوعات غنتها أم كلثوم السنغال، وهدفها في ذلك كما تقول "حفظ تراث السابقين وإبراز إسهام شيوخ الطرق الصوفية في السنغال في نشر قيم الإسلام والتغني بالشمائل المحمدية، وتكريس الحب الذي يكنونه للرسول الكريم". عليون بادارا دياك، مدير البرامج بقناة "مرشد تي في" التلفزية المحلية، يعلق على تجربة سيدة بنت تيام قائلا إنها "واحدة من المغنيات السنغالية الأكثر تقديرا من ناحية الصوت، وكثير من السنغاليين يستحضرون أم كلثوم حين يسمعون أغانيها". ويضيف بادارا دياك في تصريح للوكالة، أن بنت تيام معروفة بأدائها لقصائد الشيوخ السنغاليين من قبيل سيدي الحاج مالك سي، والشيخ أحمد تيجان شريف، وأحمدو بامبا، مستفيدة في ذلك من إتقانها للغة العربية. وهي عندما تغني تمرر رسائل قوية وقيمة للشباب". وحسب بادرا، فإن "جزءا كبيرا من الساكنة تعرفوا على الموسيقى الأفرو-عربية بفضل هذه الفنانة التي نحرص على استضافتها على شاشتنا كلما سنحت الفرصة. فهي تثير تفاعلا قويا من جانب الجمهور، وتحقق البرامج التي تستضيفها نسب مشاهدة عالية". ومثلها مثل أهل السنغال، لا تخفي بنت تيام عشقها للمملكة المغربية وأهلها، وتقديرها للعلاقات التاريخية والدينية العريقة التي تجمع البلدين الشقيقين. وهو عشق تقول إنه راجع لأمرين أساسين، أولهما أن المغرب مملكة أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم، وثانيهما أن المملكة، ومدينة فاس، أساسا، تحتضن ضريح شيخ الطريقة التيجانية الذي يحظى بتقدير بالغ بين أتباعه في السنغال. وتفصل سيدة في سيرة هذا العشق للعاصمة الروحية للمملكة، إذ تقول إن بها مقام "شيخي سيدي أحمد التيجاني الذي أعتبره وسيلتي إلى الله وموجهي بعد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم". ولأن كل امرئ ينفق مما عنده، فإن بنت تيام خصت المغرب بهدية من نسيج ما تتقنه وهو الإنشاد، حيث اجتهدت رفقة فرقتها في إصدار فيديو كليب، تتغنى فيه بقصيدة الشيخ أحمد التيجاني نظمها عند زيارته في حق المملكة المغربية. ويرصد الفيديو الذي يحمل عنوان "المملكة المغربية"، وأنتج بإمكانيات ذاتية محضة، صور الجمال ومعالم الجلال بالمغرب بمختلف مواقعه السياحية الدينية أساسا، من قبيل صومعة حسان بالرباط، ومسجد الحسن الثاني بالبيضاء، ومسجد الكتبية بمراكش، وضريح الشيخ التيجاني بفاس، وغيرها. كما يرصد الفيديو، الذي ارتدت خلاله بنت تيام جلبابا مغربيا أصيلا، جوانب من تألق الصناعة التقليدية المغربية في النسيج والفخار والجلود، ونماذج من أطباق فن الطبخ المغربي، ومناظر طبيعية رائعة من جبال المغرب وبحاره وصحرائه. وتتغنى بنت تيام في هذه القصيدة بكرم الشعب المغربي، وعمق تدينه، وحكمة مليكه "سبط الرسول". ومما جاء في الأغنية: زرنا وبالفضل زرنا المملكة المغربية ** يا سعد زائر هذي المملكة المغربية طفنا وبالعدل طفنا في معابدها ** ما في المعابد إلا المملكة المغربية واستقبلتنا قصور لا شبيه لها ** لما بها من فنون المملكة المغربية وقادنا وإلى الخيرات جملتها ** قوم خصالهم كالمملكة المغربية بل لا طفونا وداوونا بحكمتهم ** وأيدونا بروح المملكة المغربية ذكر وشكر وترحيب غذاؤهم ** ووجبة من ثريد المملكة المغربية سيماهم في وجوه في عمائم في ** جلابب في حلي المملكة المغربية ولبنت تيام أغنية أخرى ملحنة لقصيدة ألفتها الكاتبة والشاعرة المغربية ثريا إقبال، المهتمة بقضايا التصوف، تحمل عنوان "وقال لي"، وذلك في محاولة منها للمزج بين القصيد العربي المغربي والأداء السنغالي. وتطمح بنت تيام للتعريف بالفن الأفرو-عربي على نطاق واسع، وهي في ذلك تحاول المشاركة في المهرجانات الدولية التي تشكل عاملا أساسيا لتكريس الانتشار. ورغم أن هذا الفن في حاجة للدعم حتى يتحقق هذا الهدف، حسب قولها، ستظل أم كلثوم السنغال تصدح بأغانيها الروحية التي تؤمن أنها تساهم بها في بناء الإنسان وصلاح العمران.