في أمسية روحانية حالمة صدحت فيها الكلمات والألحان الصوفية الشجية٬ أسر الفنان مروان حاجي بصوته الرنان الندي قلوب جمهور راقي٬ احتشد مساء الأربعاء الماضي في مسرح «فيكي» بنيودلهي٬ لاكتشاف أنغام روحية مغربية متميزة. وشنف الفنان المغربي رفقة مجموعته «إخوان الفن»٬ الأسماع بباقة من البراويل والأشعار الصوفية التراثية مصحوبة بإنشاد أندلسي٬ تتغنى بحب الخالق ومدح الرسول٬ وتنهل من موروث صوفي وأندلسي مغربي خصب٬ مما أضفى نكهة موسيقية خاصة دبت النشوة في أوصال حضور تواق للفن الملتزم٬ اهتز على إيقاعاتها وترنيماتها طربا وحبورا. وتفاعل الجمهور٬ الذي غصت به جنبات المسرح التابع ل»فيدرالية غرف التجارة والصناعة الهندية»٬ في اختتام أيام المهرجان الدولي للفن الصوفي بالعاصمة الهندية٬ مع هذه الأنغام والقصائد الدينية التي تستثير أعماق الوجدان وتتقرب من جمال الخالق وعظمته ٬ عبر مناجاة صوتية تذوب في موسيقاها القلوب الحائرة نحو هداية روعة الخلق وبهائه. وأبحر الفنان مروان حاجي في هذه الأمسية الروحانية٬ التي حملت عناوين التلاقح والإبداع الموسيقي الخلاق٬ بجمهوره إلى عوالم أشعار الأذكار والزوايا الصوفية بالمغرب عابرا تراث الموشحات والقدود الاندلسية ٬ وفق انسيابية لحنية مزجت بين إيقاعات العود والكمان والدربوكة الشرقية والطبل العربي٬ عاكسة غنى الثقافة والحضارة المغربية الأصيلة. وأدى الفنان المغربي باقة من ابتهالات الإنشاد الصوفي٬ ضمتها المجموعة في ألبومها «وداع الأندلس»٬ ك»يالواجد بالصرخة « و»الله كان وباقي الله» و»خلقتني مسلما»٬ وتجاوب معها جمهور متعدد الجنسيات بتعبيرات جسدية نابعة من تماهي الروح مع نشوة ذكر الله وحب خير البرية. وقال الفنان مروان حاجي ٬ الذي بدا منتشيا بتجاوب الجمهور تجاه توقيعاته ٬ أنه سعى خلال هذه الأمسية أن يزاوج بين عدة مستويات من الأداء الصوفي ٬ تعتمد قوالب غنائية متنوعة تميز خصوصية الإنشاد الصوفي المغربي ٬ عبر استحضار تراث الأسلاف ومحاكاة جلسات التأمل التي انتشرت في أحضان الزوايا المغربية. وأضاف حاجي أن فرقته التي تتألف من أساتذة عازفين شباب حيث لا يتعدى متوسط أعمارهم 27 عاما ٬ تحاول مزج الأنماط الموسيقية العالمية بالموسيقى الأندلسية وفن المديح والسماع الصوفي ٬ دون المساس بعمقه التاريخي والابداعي . وأضاف أنه يسعى بمعية مجموعة «إخوان الفن» إلى الانخراط في المجهود الجماعي لصيانة تراث شيوخ الصوفية المغاربة والمشارقة ٬ حفظا وتدوينا وإنشادا ٬ كالحسين بن منصور الحلاج ومحيي الدين بن عربي والشيخ مولاي أحمد الصقلي وسيدي احمد التيجاني وغيرهم ٬ وترسيخه في نفوس الاجيال الصاعدة ٬ معتمدين في ذلك على دراسة الموسيقى وعلم المقامات والموهبة الربانية. واعتبر حاجي ٬ الذي سبق أن أحيى أمسية مماثلة الأسبوع الماضي في مدينة كولكاتا شرق الهند ٬ في سياق مشاركته في الدورة الثانية للمهرجان الدولي للموسيقى الصوفية ٬ أن لقاءه بالجمهور الهندي يشكل «تجربة فريدة من نوعها بحيث تسمح للفنان أن يكون على المحك مع كل الثقافات وأن يخاطب بفنه وجدان جمهور يكتشفه لأول مرة «. علاقة عشق الفنان مروان حاجي بفن المديح والسماع بدأت في جمعية «الامام البوصيري» بفاس حيث تتلمذ على يد الشيخ محمد بنيس ٬ لينطلق بعد تكوين موسيقي بالمعهد الموسيقي للمدينة ٬ إلى المشاركة في مهرجانات وطنية ودولية كان من ثمارها عدة جوائز فنية قيمة ٬ من ضمنها الجائزة الأولى في الدورة الثالثة للمهرجان الوطني لفن المديح والسماع بفاس عام 1998 (المسابقة الوطنية للانشادات والطبوع) ٬ والمرتبة الثانية عربيا في مسابقة «منشد الشارقة» بالامارات العربية المتحدة عام 2007 . وعبر مسيرته الفنية المختلفة التي قادته إلى بلدان أوربية وعربية عديدة ٬ يظل مروان حاجي ٬ رغم حداثة سنه ٬ مهموما بتقديم الفن الملتزم والإبداع فيه ٬ مقتنعا بأن على الفنان أن يحمل رسالة فنية هادفة تسعى إلى السمو بالنفس وتغذية الروح لمواجهة تدني الذوق الفني.