ب 27 يناير, 2017 - 10:57:00 بعد ثلاثة وثلاثين سنة من الغياب عن الاتحاد الإفريقي، دقت ساعة لم شمل المغرب بعائلته الإفريقية حيث يريد استعادة مقعده في هذه المنظمة القارية الأسبوع المقبل خلال انعقاد قمة أديس أبابا. وتعتبر هذه العودة المرتقبة نتيجة عملية واسعة أطلقت قبل نحو عشر سنوات، وأعلنها الملك محمد السادس رسميا في يوليوز الماضي، فيما استعدت لها كافة مؤسسات المغرب ابتداء من شتنبر. وتوالت الجولات الدبلوماسية للعاهل المغربي في إفريقيا منذ نحو ستة أشهر، حيث عبر مرارا لنظرائه الأفارقة عن التزامه والتزام بلاده تجاه "الأشقاء" الأفارقة. ولإقناع الدول الإفريقية بأهمية استرجاع مقعده "داخل عائلته المؤسساتية القارية" عبأ المغرب إمكانيات كبيرة تراوحت بين ما هو سياسي واقتصادي. ووقعت الرباط اتفاقيات اقتصادية "ضخمة" مع مختلف الدول التي زارها الملك الذي وعد أيضا بالعمل "من أجل السلام والأمن" وب"شراكة جديدة بين دول الجنوب" وب"مزيد من التنمية المستدامة" لإفريقيا. ويوضح جيل يابي المحلل السياسي الذي يرأس "واثي" (ويست أفريكا ثينك ثانك)، مجموعة تفكير مختصة في شؤون إفريقيا الغربية، أن "هناك رؤية على الأمد الطويل واستراتيجية تم وضعها من طرف المغرب (...) على المستويين الدبلوماسي والاقتصادي، مع حضور مكثف جدا ما ساعد على جعل المغرب لاعبا أساسيا ليس مع أوروبا فقط، لكن أيضا مع أفريقيا جنوب الصحراء". داخليا، أطلقت الرباط منتصف دجنبر المرحلة الثانية من سياستها الخاصة بالهجرة لتسوية الوضعية الإدارية للمهاجرين غير النظاميين على أراضي المملكة، الذين يتحدر أغلبهم من دول جنوب الصحراء، وهو معطى يخدم عودة المغرب في وقت تقوم فيه جارته الجزائر بترحيل وطرد هؤلاء المهاجرين. وحتى الأحزاب المغربية التي لم تتمكن من تشكيل أغلبية حكومية منذ نحو أربعة أشهر وجدت نفسها مجبرة على التعبئة لعودة المغرب للاتحاد الإفريقي خدمة ل"المصلحة الوطنية العليا"، حيث اجتمع النواب البرلمانيون الممثلون لهذه الأحزاب بشكل معجل بداية هذا الشهر للتصديق على الميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي. تجاذب القوى مع الجزائر انسحب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية في شتنبر 1984 احتجاجا على قبول المنظمة عضوية ما يسمى"الجمهورية الصحراوية" التي أعلنتها جبهة "البوليساريو" من جانب واحد، وبقيت عضوية الرباط معلقة في المنظمة ثم في الاتحاد الإفريقي الذي تأسس في يوليوز 2001 ويضم حاليا 54 دولة. وقضية الصحراء هي الملف المركزي في السياسة الخارجية للمملكة. ويعتبر المغرب هذه المنطقة "جزءا لا يتجزأ" من أراضيه. وقد أظهرت سياسة الكرسي الفارغ التي اعتمدتها الرباط في إفريقيا عدم فعاليتها بشأن قضية الصحراء، بحسب ما يؤكد جيل يابي، خاصة وأن الاتحاد الإفريقي صار منظمة "لا يمكن تجاوزها على المستوى القاري وأيضا على المستوى الدولي". كما نتج عن هذه السياسة حضور مكثف للجزائر التي اتهمتها الرباط مباشرة ب"صرف أموال الجزائريين" في إفريقيا والمحافل الدولية ل"معاداة المغرب وقضية الوطنية". لكن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي تأتي في ظرف مال فيه ميزان القوى في الصحراء لصالح الرباط التي تنتهج سياسة الأمر الواقع في هذه المنطقة عبر ممارسة كافة الصلاحيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي المقابل تعيش "البوليساريو" حالة من الشك منذ وفاة زعيمها في ماي 2016 ووصول زعيم جديد، فيما تشهد الجزائر الداعمة لها أزمة اقتصادية. ويقول إبراهيم غالي الذي يتزعم "البوليساريو" حاليا إنه أخذ علما بتصديق المغرب على الميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي موضحا أن بعض فصوله تؤكد على "ضرورة احترام الحدود الدولية للصحراء المعترف بها". من جهتها لا تضع الرباط حاليا أية شروط من أجل عودتها إلى الاتحاد لا سيما ذلك المتعلق بطرد ما يسمى ب"الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" من المنظمة. ويفتخر المغرب حاليا بالدعم الذي تلقاه من أربعين دولة (من أصل 54) لعودته مؤكدا احترامه لإجراء العودة حيث عبر وزير الخارجية صلاح الدين مزوار عن "الثقة والطمأنينة" إزاء هذه العودة. ويرجح أن يدعم وعد المغرب -سادس قوة اقتصادية في القارة- بتقديم تمويل جيد للمنظمة الإفريقية التي تحتاج دعما لموازنتها، من تقوية عودة المغرب إلى صفوفها. وتحاول المملكة المغربية "استباق الحواجز التي تحاول بعض الأطراف وضعها لعراقيل لوقف المبادرة المغربية من أجل العودة أو تأجيلها" على الأقل حسبما أوردت وكالة الأنباء الرسمية. وهذه العراقيل ستكون حاضرة لا محالة أمام المغرب في أديس أبابا، خاصة من طرف "الجزائروجنوب إفريقيا اللتين تضغطان بقوة ضد عودة المغرب" حسب لييزل لوو، المحلل في معهد الدراسات الأمنية (ISS). ويذكر لوو، أنه سبق للرباط أن اتهمت صراحة الجنوب إفريقية نكوسازانا دلاميني-زوما التي ترأس لجنة الاتحاد الإفريقي بمحاولة "إفشال وعرقلة" عودته إلى الاتحاد متحججة بتفسيرات "تقنية للغاية" حول إجراء العودة. أما الجزائر فتبدو مواجهتها مفتوحة مع الرباط ويحتمل أن تكون سببا في خلق صدع داخل القمة، خاصة فيما يتعلق بإعادة انتخاب زوما مجددا أو استبدالها بشخصية أخرى. ويحتمل أن تؤثر هذه المواجهة على عمل المنظمة القارية التي يبدو أن الرباط تريد أن تلعب فيها دورا محوريا وليس دور المتفرج. وبحسب الصحافة المغربية فإنه "لا يوجد شك" من كون "الهدف على المدى المتوسط والمدى القصير هو التمكن من استبعاد جبهة بوليساريو" من الاتحاد، التي قد تلجأ للعب ورقة التهديد بالعودة للمواجهة المسلحة في الصحراء لتعكير السيناريو الذي تصورته الرباط.