15 نوفمبر, 2016 - 10:59:00 لم يتوقع أغلب المغاربة رئيسا جديدا للولايات المتحدةالأمريكية بعد باراك أوباما غير زميلته في الحزب، وزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون، لكن نتائج الانتخابات الأمريكية جاءت على غير ما تشتهيه الرباط. فقد ظل السياسيون المغاربة يعتبرون هيلاري كلينتون "صديقة" بلادهم التي لا يتمنون ساكنا للبيت الأبيض بعد انتخابات 9 نوفمبر غيرها. وقبل الانتخابات البرلمانية التي جرت في المغرب في 7 أكتوبر الماضي، بأيام قليلة، صرح رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، لقناة الحرة الأمريكية، جوابا عن سؤال حول من يفضل للفوز بالانتخابات الأمريكية قائلا "دونالد ترامب شخص يخيفني بعض الشيئ بكل صراحة، وأعرف أن كلينتون التي لم ألتقيها في حياتي هي صديقة للمغرب، فلا أخفيك أنني أتصور أنه من مصلحة الولاياتالمتحدةالامريكية والعالم كله أن تكون هي الرئيسة". ولم يكن بنكيران بدعا بين السياسيين المغاربة في هذا الموقف، فلم تكن خافية مواقف أغلبهم، سواء كانوا من الأغلبية السابقة أو المعارضة، المفضلة لهيلاري كلينتون، آملين أن تكون صوتا للمصالح والقضايا المغربية في البيت الأبيض والمحافل الدولية، وخصوصا في قضية الصحراء، التي تعتبرها المغرب "القضية الوطنية الأولى". لم يقتصر الدعم المغربي للمرشحة الديمقراطية الخاسرة على الجانب السياسي، بل تعداه إلى الدعم المالي، ففي عز الحملة الانتخابية للرئاسيات الأمريكية، وجد المغرب نفسه في أتون هذه بعد نشر موقع "ويكيليكس" في 20 أكتوبر الماضي، آلاف الرسائل المسربة من بريد رئيس الحملة الانتخابية لكلينتون، جون بوديستا، من بينها رسالة جاء فيها أن كلينتون حصلت على منحة قدرها 12 مليون دولار من المغرب، لحساب مؤسستها الخيرية، وذلك مقابل استضافة المغرب للاجتماع الدولي لمبادرة كلينتون العالمية العام الماضي. "منحة" كلينتون هذه لم تكن الأولى، فقد سبق أن أوردت تقارير صحفية أميركية أخبارا تفيد تقديم "المكتب الشريف للفوسفاط" (مؤسسة عمومية) منحة قدرها مليون دولار لصالح مؤسسة كلينتون، من أجل تمويل نشاط لها العام الماضي. فقد ظلت الرباط تنظر لكلينتون على أنها من بين أصدقائه الأشد تأييدا للمغرب في إدارة أوباما والحزب الديمقراطي. وحده حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال ، لم يعزف سمفونية "دعم كلينتون" في المغرب، واختار أن يكون "صوتا نشازا" في نظر الكثيرين، وأن يكون الوحيد بين رؤساء الأحزاب العربية والإفريقية الذي حضر المؤتمر الأخير للحزب الجمهوري، الذي أعلن "ترامب" مرشحا للرئاسيات الأمريكية، وتعبيره صراحة عن أمنيته بفوز هذا الأخير، معتبرا أن "فوز ترامب في صالح المغرب والقضية الوطنية (قضية الصحراء)"، وأنه الأقدر على تصحيح ما اعتبره أخطاء اقترفتها إدارة أوباما ضد مصالح المغرب وقضية الصحراء. لكن صوت شباط الذي اعتبر "نشازا" و"شعبويا" ساعتها، أصبح ينظر إليه، بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية في الولاياتالمتحدة، على أنه كان "أبعد نظرا". وعاد شباط بعد فوز ترامب ليقول إنه "هو الأنسب بالنسبة للمغرب"، مضيفا أن "الجمهوريين بصفة عامة حينما يكونون في الحكومة يكون المغرب مرتاحا في ما يخص القضية الوطنية". خسارة المغرب رهانه على هيلاري كلينتون، لم يمنع العاهل المغربي الملك محمد السادس من الإسراع بتهنئة دونالد ترامب عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والقول في برقية تهنئة بعث بها للرئيس الأميركي الجديد إن فوزه "ليعكس ما يحظى به لدى الشعب الأمريكي من ثقة وتقدير كبيرين، بفضل ما يتحلى به من غيرة صادقة على مصالحه العليا، وما راكمه من خبرة مهنية واسعة". وأعرب الملك محمد السادس عن اعتزازه بما قال إنها "وشائج الصداقة المتينة التي تربط الشعبين المغربي والأمريكي، والتقدير المتبادل، وبما يجمع بلدينا العريقين من علاقات تاريخية وطيدة"، مؤكدا حرصه القوي على العمل سويا معكم، من أجل استثمار أنجع وتفعيل أمثل للشراكة الاستراتيجية التي تجمع المملكة المغربية والولاياتالمتحدةالأمريكية. وفي استشرافه لما يمكن أن تكون عليه العلاقات بين المغرب والولاياتالمتحدة في عهد الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، فضل خالد يايموت أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في تصريح للأناضول، أن يميز بين ثلاث مجالات أساسية في هذه العلاقات، وهي التعاون الأمني ومجال حقوق الإنسان والجانب الاقتصادي، حيث اعتبر أن "العلاقة بين الرباطوواشنطن في عهد ترامب ستشهد استمرارا وتحسنا فيما يخص التعاون الأمني، والشراكة القائمة بين الجانبين فيما مجال محاربة الارهاب والتهريب والهجرة". أما في مجال حقوق الإنسان الذي قال يايموت إنه كان سببا في التوتر بين المغرب وإدارة باراك أوباما، فيقول إنه "ليس من أولويات الجمهوريين وخاصة الرئيس ترامب". ويبقى الغموض يلف الجانب الاقتصادي، حسب يايموت، في ظل حديث الرئيس الأمريكي الجديد عن مراجعة الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية، موضحا أنه "علينا أن ننتظر ما إذا كان الأمر يشمل اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وأمريكا التي وقعت سنة 2006". وعاد أستاذ العلوم السياسية إلى التأكيد على أن العلاقات المغربية الأمريكية "لها بعد استراتيجي" بالنسبة للجانبين، "فمن جهة تعتبر واشنطن المملكة حليف ضمن تصورها العام لشمال إفريقيا وعلاقته بالمصالح الأمريكية بالبحر الأبيض المتوسط ومنطقة الساحل والصحراء، خاصة فيما يخص التنسيق الأمني، فيما تعول الرباط على الإدارة الأمريكية من أجل الدعم الدولي في قضية الصحراء". واعتبر يايموت أن هذه الرؤية المعبر عنها تمخض عنها إعلان الولاياتالمتحدة المغرب "حليفا إستراتيجيا" خارج حلف الناتو في عام 2004. لكن "التحالف الاستراتيجي" بين المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية، لم يمنع أن تمر العلاقات بين الجانبين بما وصفه يايموت ب"توتر علني" في بحر السنة الجارية، بعد اتهامات أمريكية للمغرب بخرق حقوق الإنسان، وهو ما نتج عنه استدعاء الرباط للسفير الامريكي في مايو الماضي، وإصدار المغرب لبيان وصف ب"غير مسبوق" في انتقاده لواشنطن. وهي التفاعلات التي اعتبر خالد يايموت أنها شجعت الرهان المغربي على كلينتون في الانتخابات الأخيرة، التي فاز بها ترامب. أما بخصوص تعويل المغرب على الإدارة الأمريكيةالجديدة في قضية الصحراء، فاعتبر يايموت أن "رؤية الإدارة الأمريكية لهذا الملف تخضع للتركيبة المؤسساتية لصناعة القرار السياسي في الولاياتالمتحدة، وليس فقط للبيت الأبيض". وأضاف أنه نظرا ل"تعقد" مراكز صناعة القرار في الولاياتالمتحدة، فإنه "يصعب على أي رئيس، سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا، أن يتخذ قرارا حاسما في موضوع الصحراء دون مراعاة هذه التركيبة (مؤسسات صناعة القرار في الولاياتالمتحدة)، لذلك يبقى دائما نوع من الغموض في الموقف الأمريكي تجاه ملف الصحراء".