05 نوفمبر, 2016 - 11:35:00 احتشد آلاف المغاربة في مدينة الحسيمة بشمال البلاد الليلة الماضية ملوحين بالأعلام ومرددين هتافات تعبر عن احتجاجهم على مقتل بائع سمك لقي حتفه طحنا داخل شاحنة لفرم القمامة خلال مواجهة مع الشرطة قبل أسبوع. وأثار موت البائع محسن فكري موجة احتجاجات على مدى أسبوع في واحدة من أكبر وأطول التحديات التي تواجهها سلطات المغرب منذ اندلاع مظهرات مطالبة بالإصلاح إبان الربيع العربي في 2011. ورفع المتظاهرون الشموع ولافتات باللغة الأمازيغية وأعلاما ترمز لمنطقة الريف كانت المقاومة تستخدمها ضد الاستعمارين الفرنسي والإسباني كما رددوا هتافات ضد "المخزن" وهو اصطلاح يستخدم لوصف المؤسسة الملكية وحلفائها. وبعد خمس سنوات من التجمعات المطالبة بالديمقراطية التي هزت المغرب أعادت اضطرابات الأسبوع الماضي إلى الصدارة مشاعر الإحباط التي نجح النظام الملكي في احتوائها بتعديلات دستورية محدودة وإنفاق كبير على الرعاية الاجتماعية وتشديد الأمن. ومظاهرة الأمس هي الأحدث في سلسلة تجمعات حاشدة بدأت قبل أسبوع في ساحة بوسط الحسيمة واعتبر المشاركون فيها بائع السمك رمزا لانتهاكات المسؤولين وللفساد والظلم. وهتف الحشد باللغة الأمازيغية "نشعر بحزن شديد.. المخزن يقتلنا" قبل أن يردد بالعربية "الشعب يريد قتلة الشهيد." وجاءت المظاهرة بعد يوم واحد من تقليل وزارة الداخلية المغربية من شأن الاضطرابات قائلة إن الملك استجاب بالفعل للمطالب بإجراء تحقيق شامل. والمغرب شريك للغرب في الحرب على التشدد الإسلامي وهو يطرح نفسه كنموذج للاستقرار والإصلاح التدريجي منذ عام 2011 في منطقة أصبح فيها عنف المتشددين والاضطراب السياسي مألوفا. وتعيد حالة الغضب العام في المغرب إلى الأذهان الانتفاضة التونسية في 2011 عندما أحرق بائع متجول نفسه بسبب تعديات الشرطة مما أدى إلى اندلاع الثورة التي أطاحت بزين العابدين بن علي وانطلاق الربيع العربي. ولكن على عكس ما حدث في تونس لم تمثل احتجاجات المغرب الأخيرة وتلك التي وقعت في 2011 تحديا للنظام الملكي العميق الجذور وهو أقدم نظام ملكي في العالم الإسلامي لكن الأمر اقتصر على المطالبة بالإصلاح ووقف انتهاكات المسؤولين. واتسمت احتجاجات الأسبوع الماضي في المغرب بالسلمية ووقفت الشرطة على مبعدة من المتظاهرين في بلد تندر فيه الاحتجاجات السياسية. وقالت محتجة كانت ترفع شمعة "فكري مات بطريقة بشعة وخرجنا لنقول للمخزن إن الجريمة لن تمر دون رد." مسيرة صامتة للحسيمة تاريخ طويل من المعارضة فهي عاصمة منطقة الريف التي تعد منذ فترة طويلة معقلا للتمرد. وفي أواخر الخمسينات أصدر الملك الحسن الذي كان حينها وليا للعهد أمرا للجيش بسحق تمرد بالمنطقة في عملية قتل فيها مئات. وفي مدينة الحسيمة قام أمس الجمعة المتظاهرون بعد ذلك بمسيرة صامتة إلى مركز الشرطة حيث لقي بائع السمك حتفه طحنا داخل شاحنة فرم النفايات أثناء محاولته منع السلطات من إعدام 500 كيلوجرام من السمك تقول إنه اشتراها بشكل غير قانوني. وتكشفت تفاصيل الواقعة أول مرة في تسجيل مصور مشوش نشر على الإنترنت وأمكن فيه سماع صوت فكري وهو يصرخ. وأكدت التحقيقات موت البائع سحقا لكن البعض اتهم الشرطة بإصدار أمر بسحقه وهو ما ينفيه المسؤولون. لكن طريقة موت فكري وتفاصيل الواقعة التي تثير شبهة الفساد حول المسؤولين الذين أمروا بمصادرة السمك صدمت المغاربة. وقال سهيل أخو محسن فكري الأكبر لرويترز في منزل الأسرة في إمزورن على بعد 15 كيلومترا من الحسيمة "ظل داخل تلك الشاحنة قرب ساعتين ولم تعرف السلطات كيف تتصرف وبخاصة مع التجمع الذي احتشد تلقائيا." وأضاف أن جثمان أخيه كان لا يزال بشاحنة النفايات عندما وصل بصحبة أبيه وأن ما من أحد أمكنه تفسير ما حدث. وقال إن آثار سحق آلة الفرم كانت واضحة عندما شاهدا الجثة في المستشفى. ومحسن فكري أعزب يبلغ من العمر 31 عاما وبدأ حياته العملية كصياد قبل أن ينطلق في عمل خاص به. وعبرت أسرته عن شعورها بالارتياح إزاء الاحتجاجات التي تعم المملكة وبأن الأمر استرعى انتباه المسؤولين. وفي محاولة لتهدئة التوترات أمر الملك محمد الذي يقوم بجولة أفريقية حاليا وزير الداخلية بزيارة أسرة فكري لتقديم العزاء بالنيابة عن القصر في لفتة نادرة لتهدئة الأجواء في وقت يشهد احتجاجات عامة. ووجهت السلطات بالفعل تهمة القتل الخطأ إلى 11 شخصا وسجنت ثمانية منهم بينهم مسؤولان بوزارة الداخلية واثنان من مسؤولي المصايد بالمنطقة ومسؤول بإدارة الطب البيطري. وقال سهيل إن هذه فرصة لإصلاح الأمور بين المغاربة وإدارتهم وإنه يأمل أن تبقى كل الأمور تحت السيطرة.