27 سبتمبر, 2016 - 05:23:00 يبرز قرار خفض أجور الوزراء بواقع الخمس عزم السعودية على أن يشارك كبار المسؤولين بالدولة في تحمل أعباء التقشف في مسعى لحث المواطنين على التسامح مع ما قد يسببه ذلك من تراجع مستويات المعيشة في عصر النفط الرخيص. فقد أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز مساء أمس الاثنين عددا من الأوامر الملكية بتقليص رواتب ومزايا الوزراء وأعضاء مجلس الشورى وخفض مكافآت العاملين في القطاع الحكومي وذلك في أحدث خطوة تتخدها المملكة لتقليص الإنفاق. تأتي القرارات التي ستسري على المواطنين والوافدين العاملين في القطاع العام من مطلع أكتوبر قبيل إصدار كبير لسندات سيادية في علامة على أن المملكة ملتزمة بضبط المالية العامة. ويقول الاقتصادي فضل البوعينين "اللافت في القرارات الأخيرة تركيزها على ذوي الأجور المرتفعة من الوزراء وأعضاء مجلس الشورى حيث طالهم خفض الرواتب والمزايا لأول مرة وعلى العكس من ذلك نجد أن مراجعة الرواتب والأجور لعامة الموظفين ارتبط بوقف بدل النقل في الإجازات ووقف العلاوات." تضفي الإجراءات طابعا رسميا على قرارات خفض النفقات التي تبنتها الدولة منذ العام الماضي لكنها قد لا تخلو من مخاطر سياسة. وتشير ردود الفعل الأولية إلى استعداد للتكيف مع الظروف الصعبة التي يفرضها هبوط أسعار النفط على اقتصاد أكبر بلد مصدر للخام في العالم. يقول أبو خالد وهو شرطي سعودي يبلغ من العمر 37 عاما ولديه ثلاثة أبناء إنه يتوقع انخفاض دخله إلى ستة آلاف ريال (1590 دولارا) من سبعة آلاف قبل صدور القرارات. ويضيف "يجب أن نقف مع الوطن في الظروف العصيبة وأن نرضى بالنصيب... سنحاول تكييف أوضاعنا حسب الراتب الأساسي وسنضطر لخفض بعض المصروفات."أنا متفائل بأن الأمور ستتحسن مرة أخرى." لكن سعوديين آخرين أبدوا استيائهم على موقع التواصل الاجتماعي تويتر فغرد نشأت حيدر قائلا "هذه بداية النهاية" في حين قالت تغريدة من حساب باسم الشيخة مضاوي إن ذلك يعني "زيادة في الفقر". وتضررت إيرادات السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم جراء هبوط أسعار الخام أكثر من النصف منذ 2014 إلى ما دون 50 دولارا للبرميل. وسجلت المملكة عجزا في الموازنة بلغ مستوى قياسيا عند 98 مليار دولار العام الماضي. وحتى قبل هبوط أسعار النفط في 2014 كان الاقتصاديون يقولون إن السياسية المالية والهيكل الاقتصادي للبلاد لا يتمتعان بالاستدامة لكن هبوط إيرادات النفط جعل تبني الحكومة لعدد من الإصلاحات ضرورة ملحة من أجل دعم نشاط القطاع الخاص وتوفير الوظائف للمواطنين. ودأب المسؤولون على التحذير من عدم إمكانية الاستمرار في غياب الضرائب وكبر حجم القطاع العام ودعم الدولة لأسعار الوقود والطاقة لكن مع ذلك ظل المواطنون يتعاملون مع تلك الأمور على أنها حق مكتسب في ظل الإنتاج الوفير من النفط السعودي. ويقول اقتصاديون إن خفض رواتب الوزراء ومن في مرتبتهم قد لا يحقق وفرا كبيرا في حد ذاته لكنه يهدف بصورة واضحة إلى درء الغضب الشعبي عبر استهداف من هم في قمة الهرم الاجتماعي. ولم يطرأ تغير يذكر على أسواق العملات وعقود التأمين على الديون وأسواق الدين العالمية جراء القررات. لكن الانطباع الأولي لأسواق الأسهم الإقليمية كان سلبيا مع توقع المتعاملين أن يؤدي هذا الخفض إلى تراجع إنفاق المستهلكين. وهبط المؤشر السعودي 3.8 بالمئة بنهاية تعاملات اليوم الثلاثاء وسط هبوط جماعي للأسهم. ويرى مختصون أن خفض المزايا والعلاوات التي يقدر أنها تشكل نحو 30 بالمئة من دخل المواطنين العاملين بالقطاع الحكومي سيكون له أثر إيجابي في الحد من التلاعب في هذه الصلاحيات. ويقول مازن السديري رئيس الأبحاث لدى الاستثمار كابيتال "بعض البدلات والعلاوات كانت تفتح الباب للفساد وتتسبب في كثير من الهدر... القرارات تهدف إلى ترشيد الإنفاق وإعادة كفاءته لكن من الضروري دعم نمو القطاع الخاص وخلق المزيد من الوظائف." السمع والطاعة يقول فهد (27 عاما) الذي يعمل في مؤسسة البريد السعودي إن إجمالي ما يتقاضاه شهريا سينخفض إلى 4800 ريال من ستة آلاف ريال بعد القرارات الجديدة مضيفا "معظم زملائي غاضبون لكني أرى أن هذه الإجراءات أمر طبيعي في مثل هذه الظروف." وعلى موقع تويتر انتشر وسم "كلنا اليوم عيال الملك سلمان" وحمل أكثر من 50 ألف تغريدة مؤيدة للقرارات التي صدرت يوم الاثنين وجميعها حملت بين طياتها ضرورة الالتزام بمبدأ "السمع والطاعة" لولي الأمر. وقالت تغريدة من حساب عبد العزيز العسكر وهو مستشار شرعي واجتماعي "بايع آباؤنا وأجدادنا ملوك هذه الدولة على كتاب الله وسنة رسوله وعلى السمع والطاعة وليس على البدلات والعلاوات!" يقول نواف العتيبي البالغ (42 عاما) ويعمل بالقوات الجوية إن خفض البدلات والعلاوات سيخفف الضغوط الاقتصادية طويلة الأجل وسيساعد على تحقيق مزيد من الإصلاحات. ويضيف "تمثل هذه البدلات نحو 20 إلى 30 بالمئة من دخلي ولهذا سأضطر إلى خفض النفقات وربما تتأجل بعض الخطط المستقبلية لكن بشكل رئيسي سأخفض بعض النفقات اليومية على الأسرة والأبناء وأشياء من هذا القبيل." إصلاحات جادة من وجهة النظر الدولية ينظر الاقتصاديون للقرارات على أنها محاولة لتوصيل رسالة مفادها أن الحكومة جادة في معالجة عجز الموازنة. ويقول أبوستولوس بانتيس رئيس قسم أبحاث ائتمان الشركات بالأسواق الناشئة لدى كومرتس بنك إن خفض الرواتب والمزايا "هي محاولة لإرسال إشارة إلى المستثمرين بأن الحكومة جادة بشأن الإصلاحات وإنها على استعداد للتعامل مع الأمور ذات الحساسية السياسية." ويضيف "الحكومة تحاول أن تبعث إشارة إلى المواطنين بأن عليهم ربط الأحزمة وأن هذا الإجراء سيبدأ من القمة." وتقول مونيكا مالك كبيرة الخبراء الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي التجاري إن من المقدر أن تحقق هذه الإجراءات وفرا أقل من 1.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. لكنها أضافت "اعتقد أن الرسالة أقوى من ذلك. أنه لا شيء خارج حدود الإصلاحات المالية المحتملة وأن هناك عزما متواصلا لخفض عجز الموازنة" مشيرة إلى أن ذلك يأتي بصورة خاصة قبل الإصدار المرتقب لسندات دولية ستصدرها المملكة. ومن المتوقع الإعلان عن إصدار السندات السيادية السعودية في أكتوبر تشرين الأول ويقدر مصرفيون أن تبلغ قيمتها عشرة مليارات دولار على الأقل. وقدرت الأهلي المالية في تقرير أن العلاوات شكلت نحو ربع إجمالي فاتورة الرواتب الحكومية للعام الماضي والتي شكلت بدورها نحو 38 بالمئة من إجمالي الموازنة البالغة حوالي 260 مليار دولار. لكن لم يتضح إلى أي مدى ستساعد الإجراءات الجديدة في خفض الإنفاق الحكومي على العلاوات التي يقول السعوديون إنها كثيرة ومتنوعة.