* 09 ماي, 2016 - 06:46:00 "..لن أنسى ابدا ما فعلته فرنسا بنا.." كلام يتذكره عصمان ديندار بحسرة وحزن عميق، ذالك اليوم الذي ارتمى فيه بين أحضان الرئيس وهو طفل صغير لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره، " وقتها لم يدرك الطفل الصغير شيئا مما تختزله تلك العبارة من معنى. أول الكلام من فصول التراجيديا الريفية، خيط رفيع من خيوط الحقيقة المفقود، بعد مرور تسعين سنة بطولها وعرضها أي ما يقارب قرنا من الزمن، قرنا من النسيان والتناسي تدشن رحلة فريدة من نوعها، رحلة تقصي واستقصاء الى جزيرة لاريونيون، هذه الجزيرة التي احتضنت رجلا يحمل من الثقل التاريخي الشيء الكثير، رجلا بهر بحنكته العدو قبل الصديق واحترم شموخه البعيد والقريب، والجزيرة كمكان جغرافي تعتبر شاهدا على مرحلة المنفى المريرة التي اقتطعت من عمر هذا الرجل ومرافقيه من رجال ونساء واطفال في عمر الزهور، والتي حاول الكثيرين طمس وتزييف معالمها بقصد او بغير قصد. ...فيديوهات وصور الرئيس مع الضابط الفرنسي سانيي،الباخرة (AmiralPièrre)، الباخرة كاتومبا، قصر موارانج (châteauMorange)، كاسطيل فلوري)Castelfleuri) ، les trois Bassinsوعائلات كل من: ديندار ( Dindar) ، طيراي كريم - جي ( TieraïCarrimejee) ، رافاطي ( Ravate) ، اينغار (Ingar )...)، هذه هي الصور والكلمات التي تقفز الى الذهن عندما يذكر اسم الرئيس ومرحلة المنفى بجزيرة لا ريونيون، كلمات تلخص القليل جدا من تاريخ فترة الشتات والاقصاء. واحدا وعشرون سنة من المنفى القسري التي قضتها العائلة الخطابية ومرافقيهم بهذه المنطقة البعيدة جغرافيا بعمق المحيط الهندي، ترى ماذا تبقى من ذكريات؟ ماذا تبقى من معطيات تشفي غليلنا وتروي عطشنا لمعرفة حيثيات حياة الرجل هنا في هذه الارض التي لا تزال تتراءى لنا ملامحه بتضاريسها ولا نزال نستنشق عبق تواجده بمن لا يزال حيا من مرافقيه وجيرانه، ماذا ظل بالذاكرة ولم تكنسه عواصف السنين وثقلها وجبروتها؟ ماذا ظل برفوف القلوب محفوظا بعناية ولم يعصف به وجع النسيان؟ وهل مثله ينسى؟ وهل صفحات من عايشه تلك المراحل تطوى؟ كان السؤال الذي يؤرقنا هو كيف لنا ان نرتق هذه الحلقة المفقودة من ذاكرتنا وتاريخنا لنعيد له تسلسله الزمني، كيف لنا ان نلملم ما تبعثر من تاريخ بالشتات؟ كيف لنا ان نحافظ على توازننا وعلى تماسك خطواتنا دون ان نتعثر او نسقط في بوتقة ضياع المعلومات؟. ابتداء من 28 ابريل الاخير الى غاية 5 ماي الحالي وعلى امتداد اسبوع كامل قمنا ضمن فريق البحث بمؤسسة عبد الكريم الخطابي بهولندا بزيارة عمل الى جزيرة لاريونيون، زيارة حرصنا خلالها بكل جد ومسؤولية وضمن خطة طموحة ومحكمة قوامها منهجية الرصد والتحقيق الاستقصائي عبر البحث والتدقيق والزيارات الميدانية المباشرة لكل ما له صلة مباشرة بموضوع بحثنا، حرصنا كل الحرص على الموضوعية والدقة والتأكد من صحة المادة والمعلومة الميدانية الدقيقة وما قد تخفيها في آن واحد من معطيات مهمة لمهمتنا كفريق بحث ميداني خلال تواجدنا بالجزيرة، مسلحين بمنهجية موضوعية دقيقة سعينا من خلالها العمل على الحصول وجمع اكبر عدد من المعلومات بخصوص موضوع بحثنا الخاص حول "سنوات منفى الخطابي ومن معه ما بين 1926- 1947" وذلك من خلال البحث عن الوثائق الرسمية المفتوحة للباحثين وفقا لقانون حرية المعلومات بالجزيرة، اضافة الى مصادر مختلفة يمكن اجمالها في: الباحثين والمختصين الأكاديميين، المصادر المتطوعة المتمثلة بالخصوص في الشهود الذين هم ما زالوا على قيد الحياة، وكانوا قد عاصروا فترة مهمة من فترات وجود العائلة الخطابية ومرافقيهم بالجزيرة، ويحتفظون بشهادات خاصة وارشيف مادي من صور ووثائق عائلية، من فترة مراحل الطفولة مع ابناء وبنات الرئيس. منذ البداية كنا واعون ان المعلومات الاكثر اهمية بالنسبة لنا توجد عادة في ذاكرة وعقول الناس، وليس في المصادر الرسمية العلنية، ومن هذا المنطلق كنا نحمل على عاتقنا هم البحث عن الحقيقة بين الناس الذين عايشوا المرحلة واحتكوا بالعائلة الخطابية، فكيف السبيل اذن للعثور على هؤلاء؟ كيف نكسب ودهم ونجعلهم يطمئنون لنا ويحكوا لنا ما يعرفون بكل سلاسة وثقة؟ كيف نستنطق صمتهم ونقرأ تعابير وجوههم وحركات ايديهم ورفة رموشهم ومعاني نظراتهم وحنينهم الذي يغلف الكلمات المختارة بعناية؟ مرورا بالوثائق الغير المنشورة الموجودة بقسم الارشيف المركزي بالجزيرة. لذلك كنا ندرك حجم الصعوبات الملقاة على عاتق الفريق خصوصا اذا استحضرنا الغياب والشح الشبه المطلق للمعلومات والمصادر الموثوقة حول فترة النفي بالجزيرة. كان لزاما علينا ايضا ان نلامس صفحة من تاريخنا بعزيمة راسخة، وبعين ثاقبة تلتقط كل حركة وكل همسة، ونقف عن قرب عند فترة تاريخية جد مهمة بالنسبة للرئيس ومرافقيه، نستكشف شعابها رغم صعوبة البحث فيها، هذه الفترة التي غيب فيها الرئيس جسدا فاستحضرناه فكرا وروحا تنثر بانفسنا قيم الحرية والعدل والسلام، وتزرع فينا العزة والشموخ والوفاء، كنا نحسه يرافقنا ويحرسنا، كنا نحسه يفتح لنا ابواب كل بيوته التي وقفنا عند عتباتها، ويرحب بنا ويستقبلنا بابتسامته المعهودة.. كان "الرئيس" هناك يمسك بايدينا ويربت بحنان على اكتافنا كلما اصابنا العياء، كان وميض نور ينير طريق بحثنا، كان هناك بعيون وقلوب الناس الذين عاشرهم، كان هناك يتربع شامخا على رأس هرم تسعين عام مضت وعلى رأس سنين اخرى ستأتي، لم يغب ولم تنساه الأمكنة ولم ينساه شعب الجزيرة منذ ان وطئت قدمه ارض الجزيرة يوم 10 اكتوبر 1926 على متن باخرةAmiral Pierre الفرنسية . وعلى عهد بالوفاء سنظل نحمل في ذاكرتنا وقلوبنا وجرحنا الابدي كل هؤلاء واحدا واحدا، نتذكرهم ونستحضرهم فنحس شموخهم المعجون بشموخ جبال الريف، والمعطر بعطر الخزامى والزعتر البري وبرائحة التراب الذي سقي دما ووجعا، نجددالعهد والوفاء لأرواحهم الخالدة التي لا تزال تسكن الجزيرة من شمالها لجنوبها من غربها لشرقها وسطها وشطآنها، عقدنا العزم والاصرار ان نبقى صادقين في عملنا ، فالمجد والكبرياء والاعتزاز والوفاء لجميعهؤلاء الذين اكتووا بعذابات جريمتي الابعاد والنفي، لذكراهم واحدا واحدا: محمد بن عبد الكريم الخطابي، امحمد بن عبد الكريم الخطابي، عبد السلام الخطابي بن محمد بن عبد الكريم ، فطوش ن احمد بن القاضي المرابطي ، مماس ورحمة ن محمد بن احمد بن القاضي، تايمونت ن موحند ن بوجيبار الأجديري الخطابي، فاطمة نموح اومرابظ علي، فاطمة ن السي اعمار بن الفقيه بن يحيى الخطابي ، عائشة ن محمد بوجداين، فاضمة ن موح اومرابض ن علي (اخت فاطمة موح اومرابظ ن علي)، امحند بن حدو ن زيان، فاطمة ن ذوبوخلفت الورياغلي، فاطمة ن صديق التمسمنتي الخطابي الورياغلي، زينب ن موح ن مسعوذ المرابطيالورياغلي، الحسن ن الحاج حرموش ، موح نسلام او ميس نقيا نذاعاماث او ذوبوخرفت،عبد الكريم محمد بن عبد الكريم الخطابي نذميمونت نبوجيبار، عبد السلام محمد بن عبد الكريم الخطابي نفاضمة نموح اومرابض، فاطمة محمد بن عبد الكريم الخطابي نفاضمة نموح اومرابض، محمد امحمد عبد الكريم الخطابين فاطمة بنت السب عمار، صلاح امحمد بن عبد الكريم الخطابي ن فاطمة، رشيد امحمد بن عبد الكريم الخطابي ن عائشة ن محمد بوجداين التوزيني، احمد عبد السلام الخطابي بن محمد بن عبد الكريم، خدوج عبد السلام الخطابي بن محمد بن عبد الكريم، حبيبة عبد السلام الخطابي بن محمد بن عبد الكريم، عمر عبد السلام الخطابي بن محمد بن عبد الكريم واخيرا وليس آخرا مسعوذة المجهولة / الحاضرة بقوة معنا في رحلة البحث اثناء تواجدنا بالجزيرة، هذه السيدة التي اصر الرئيس أن ترافقه اثناء مغادرة الريف وهو وفاء منقطع النظير لاحباءه الذين عاشوا معه ، عاشت بينهم وماتت بينهم بالجزيرة ولم يسعفنا الوقت لتحديد مكان دفنها، لروحهم جميعا نقول: شكرا لكم ايها الريفيون الطيبون والطيبات، الحرائر والاحرار.. لقد كنتم بالفعل نموذجا لعائلة ريفية اصيلة سطرت تاريخا مجيدا بهذه الجزيرة الهادئة والبعيدة.. * عضو بعثة مؤسسة عبد الكريم الخطابي بهولندا الى شعب لاريونيون