من المستبعد أن يجد النزاع حول الصحراء، الذي ولد منذ ما يقرب من أربعين سنة، طريقه إلى الحل قريبا. فالمواقف مازالت متباعدة، ومازالت الخلافات عميقة، ومازال انعدام الثقة بليغا بين الخصمين الرئيسين: المغرب (...) والجزائر التي كانت البوليساريو، المطالبة بالاستفتاء لتحديد مستقبل المستعمرة الإسبانية السابقة، ستجد صعوبة بليغة في البقاء من دون دعمها. وقد تم التعبير عن الموقف الواضح للجزائر في محضر لقاء (دام 3 ساعات ونصف الساعة) جمع الرئيس بوتفليقة بمستشارة الرئيس بوش للشؤون الأمنية، فرانسيس فراغوس تاونسند. هذا المحضر الذي حصل عليه موقع "ويكيليكس" ونشرته صحيفة "لوموند". ويقول بوتلفيقة، حسب هذه الوثيقة: "لو كان بإمكاني تسوية هذا النزاع، لفعلت، ولكن لا يمكنني الحديث بدل الصحراويين". وأضاف أنه "بإمكان المغرب والبوليساريو الوصول إلى حل بمساعدة من الأمريكيين". وفي مناسبة أخرى، أوضح الرئيس الجزائري أن الفرنسيين، "وبالنظر إلى تاريخهم الاستعماري بالمغرب العربي، يظلون عاجزين عن لعب دور بناء في النزاع"، قبل أن يضيف أن "فرنسا لم تقبل قط فعليا بالاستقلال الجزائري"، مشيرا إلى أنها "تريد تصفية حساباتها مع الجزائر من خلال تقديم الدعم للمغرب". سنة بعد ذلك، وفي فبراير 2008، أدان بوتفليقة، خلال لقائه بدبلوماسي أمريكي، "مخطط الحكم الذاتي" الذي تريده الرباط عوض استفتاء تقرير المصير. ويرى بوتفليقة أن هذا المخطط لا يمنح سوى حكم ذاتي صوري، معتبرا أن الولاياتالجزائرية تتمتع باستقلالية أكبر عن العاصمة. وخلال هذا اللقاء، ذهب إلى حد التعبير عن تفهمه لشعور المغاربة بالتهديد الذي يشكله استقلال الصحراء، ولكنه أضاف أنهم هم المسؤولون بالدرجة الأولى عن هذا الوضع. فعوض أن يعتمد المغاربة مقاربة راقية "للقضية بقبول استقلال الصحراء التي يمكنهم مراقبتها أو الإشراف عليها، فهم يريدون ضمّها (anschluss) كما فعل صدام مع الكويت". وأكد الرئيس الجزائري لضيفه أنه "لو لم يكن تصرف المغاربة أخرق لكانوا حصلوا على ما يرغبون فيه". في السنة الموالية، وبالضبط في نونبر 2009، وأمام قائد "أفريكوم"، الجنرال الأمريكي وليام وورد، عاد إلى مهاجمة المغرب. فحسب رأيه، فمشروع الحكم الذاتي مرفوض، وقال:"لا يمكن الدفاع عن حق تقرير المصير بالنسبة إلى فلسطين، وعن مبدأ آخر في الصحراء". وما يزيد الطين بلة أن للرئيس الجزائري حكما سلبيا على ملك المغرب؛ فبقدر ما يقدر بوتفليقة مولاي رشيد، شقيق الملك، (لقد تبادلنا الحديث والفكاهة خلال لقاء في إشبيلية بإسبانيا) بقدر لا يتفاهم مع محمد السادس. ويقول بنبرة شاكية: "إنه غير منفتح وتعوزه التجربة". وبالنسبة إليه، يستحيل إجراء حوار بينه وبين العاهل المغربي. من الجانب المغربي، فهناك المستوى ذاتها من الريبة، وهذا ليس لأن محمد السادس يكشف عن شعوره للمخاطبين الأمريكيين القلائل الذي يحظون باستقباله، بل لأن المقربين منه يقومون بذلك عوضا عنه، وهم يصدرون في حق بوتفليقة أحكاما قاسية. وحسب تحليلهم، فإن مفتاح ملف الصحراء لا يوجد في تندوف بل في الجزائر العاصمة. وأوضحوا لكرستوفر روس، المبعوث الخاص للأمين العام الأممي، في يونيو 2009، أن السلطة مازالت في أيدي الجنرالات الدوغمائيين العاجزين عن الحركة و"المتحجرين" اتجاه فكرة مخطط الحكم الذاتي الذي تقترحه الرباط. فهل يتعين المراهنة على الزمن وانتظار ظهور جيل جديد من الحكام في الجزائر من أجل تسوية النزاع في الصحراء؟ إن بعض مستشاري الملك يبدون مقتنعين بذلك، ولكن هذا ليس رأي محمد ياسين المنصوري، مدير الاستخبارات الخارجية، ففي ربيع 2008 أبدى اقتناعه بأن تغييرا في الأجيال "يمكن أن يعقد الوضع". وقال لمخاطبه الأمريكي:"إن الجيل السابق هو الأكثر قدرة على تسوية المشكل". وفي برقية تعود إلى يونيو 2009، كشف المنصوري أن الرباط طلبت من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن "يفعل ما بوسعه حتى لا يبدو داعما للمغرب في ملف الصحراء، كما كان عليه الحال في الماضي" (في إشارة إلى ولاية جاك شيراك). وكانت إدارة بوش بدورها "تبدو داعمة بشكل كبير للمغرب". وقال المنصوري للفريق الدبلوماسي لإدارة أوباما إنه "لن يكون مجديا التخلي عن الأصدقاء الحقيقيين لفائدة البترول".