وصف واحد يصلح في محاولة فهم ما يحدث اليوم في السياسة المغربية: "الستريبتيز" يا سيداتي ويا سادتي. "الستريبتيز" فعل جنسي. إنه حين تكون في حي بيع الجنس المشهور في "أمستردام"، ويأخذك هوى شبقي ليقذف بك إلى قاعة مضاءة بطريقة غريبة. فتجدك قبالة "الستريبتيزوز". تنزع هذه الأخيرة سترتها على مهل. تتلوى مع الموسيقى لبعض الوقت. تفك قفل سروالها ببطء. ترمي بالسروال عاليا في الهواء. تحملق العيون المكبوتة. تتلوى هي مع الموسيقى مرة أخرى. إنها تنزع "السوتيانات" الآن في دلال شبقي. تنزع القطعة الأخيرة الصغيرة وترمي بها إلى المحملقين، الذين يتصارعون للظفر بها. إنها عارية الآن. إنهم عراة الآن. ساسة المملكة أسقطوا ورقة التوت الأخيرة وصاروا مفضوحين. لماذا الساسة عراة اليوم أمام حركة 20 فبراير وأمام الوطن؟ لأنهم ببساطة يلعبون في الوقت البدل الضائع للسياسة. الوقت البدل الضائع للتغيير. الوقت البدل الضائع للمستقبل. العري يبدأ في قصة صديق مُحزب. يحكي محمد أنهم في حزبهم الصغير، أو بالأحرى "حانوتهم" الصغير، توصلوا هم أيضا بدعوة من عبد اللطيف المنوني، المسؤول عن لجنة تعديل دستور المملكة الشريفة. فرح مناضلو الحزب الصغير، والذي يختفي في كل مرة من مشهد العري المغربي قبل أن يعود للظهور فيه مثل كل الكائنات الغريبة التي تطفوا على السطح مثل فطريات هجينة مع كل موسم انتخابي. الصديق محمد كان فرحا أيضا لأنه سيجالس المنوني وساعف والطوزي والآخرون... لكنه في لحظة الفرح هاته لاحظ أن زعيمه السياسي، الذي يعرفه محمد جيدا، غير سعيد بالدعوة التي وجهها إليه المنوني. ماذا بك يازعيم؟ سأل "المناضل" مستفسرا حزن "الستريبتيزوز". تنحنح الزعيم قليلا.. أشعل سيجارته الشقراء من نوع "المارلبورو".. أدار رأسه يمنة ويسرة ليتأكد أن فضاء "الستريبتيز" السياسي المغربي صار خاليا من حوله. أخذ نفسا عميقا من سيجارته المشتعلة، ثم تعرى أمام محمد وعدد من "مناضلي" الحزب الصغير متسائلا: من سيكتب لنا مذكرة التعديل الدستوري؟ واستطرد الزعيم بالحرف: "واش أنت ولا أنا كنعرفو نكتبو شي دستور؟ واش باليك في الحزب شي واحد كيعرف يكتب الدستور؟ بلاغ على حقو وطرقو ما كيعرفوش يكتبوه ماشي عاد غاي يكتبو الدستور". تحول فرح محمد وبقية رعاع "الزعيم" الانتخابي إلى ما يشبه مأساة حقيقية. صاروا حزانى بعد أن كسر مسؤولهم الحزبي "مقادفهم" بسؤال "وجودي": من سيكتب لنا مذكر الإصلاح الدستوري؟ ساد الصمت داخل "الحانوت" الانتخابي. صار بالإمكان سماع "أزيز" الذبابة. محمد أيضا أصيب بالحيرة، هو الذي اعتقد أنه سيكون كعبد الواحد الراضي أو عبد الإله بن كيران وستتناقل وسائل الإعلام صوره في نهاية اللقاء مع اللجنة وهو يسير وراء زعيمه والمنوني حاملا محفظة ثقيلة. ما العمل إذن؟ الزعيم الكرتوني وجد الحل، كما في كل مرة. صمت قليلا، بعد أن أخذ نفسا عميقا من سيجارته الشقراء. تنحنح مجددا وقال: "ابحثوا لي عن أستاذ في القانون الدستوري بجامعة أكدال بالرباط ليكتب لنا المذكر واقترحوا عليه 30000 درهم". هذه هي الحقيقة التي يصمت عنها الجميع اليوم. حقيقة "الستريبتيز" المغربي الذي مارسته العديد من الأحزاب الصغيرة في الأيام القليلة الماضية. أحزاب لا تملك كوادر حزبية تستطيع صياغة مذكرة مقترحات إصلاح في الدستور. أحزاب استأجرت بعض الأساتذة الجامعيين خلال الأيام القليلة الماضية ليصيغوا لها مذكرة الإصلاح لتقدمها إلى لجنة المنوني مقابل 20000 و30000 درهم. هذه هي الحقيقة. ومن أراد التأكد فما عليه سوى متابعة عروض أكبر "ستريبتيز سياسي" يشهده المغرب. العروض مفتوحة للجميع كما تقول إعلانات "أسبوع الفرس" في التلفزيون، وهي مستمرة لمدة ثلاثة شهور متواصلة فلا تضيعوا الفرصة، وفرجة ممتعة للجميع !