في تطور جديد يعكس عمق التحولات الجارية في خريطة العلاقات الاقتصادية بين روسيا والمغرب، كشف تقرير أكاديمي صادر عن "المرصد الاقتصادي الخارجي الروسي" يوم الجمعة 17 أكتوبر الحالي، أن المغرب يمتلك واحدا من أعلى مؤشرات الإمكانات غير المستغلة في التجارة الثنائية مع روسيا، مستندا إلى تحليل إحصائي دقيق شمل الفترة الممتدة من عام 2011 إلى عام 2021، ومستخدما نموذج الجاذبية في التجارة الدولية بالاقتران مع مؤشر التعقيد الاقتصادي. وخلص التقرير الذي أعده الباحث الروسي أليكسي خاييروف من الأكاديمية الروسية للتجارة الخارجية، إلى أن "القدرة الكامنة لتوسيع التبادل التجاري بين المغرب وروسيا لا تزال كبيرة، خصوصا في قطاعات السلع ذات القيمة المضافة العالية"، مشيرا إلى أن هذا الإمكان يرتبط بالأساس بموقع المغرب كاقتصاد صاعد في إفريقيا يتمتع بدرجة متقدمة من التنويع الإنتاجي، وبكونه بوابة رئيسية بين أوروبا وإفريقيا.
ووفقا لنتائج النماذج التي طورها خاييروف، فإن مؤشر إمكان التجارة بين المغرب وروسيا بلغ في عام 2018 قيمة 1.34، ما يعني أن هناك فرصة واقعية لمضاعفة المبادلات في مجالات محددة إذا ما تم تفعيل الآليات الاقتصادية المشتركة بين البلدين. وأظهر التقرير أن العلاقات التجارية بين المغرب وروسيا شهدت تذبذبا واضحا خلال العقد محل الدراسة، إذ بلغ الإمكان التجاري بينهما 1.01 سنة 2012 وارتفع إلى 1.28 سنة 2014، ثم تراجع إلى 0.34 سنة 2015، وسجل أدنى مستوى له في 2016 عند سالب0.28، قبل أن يعاود الارتفاع مجددا إلى 1.34 سنة 2018. وبلغ المؤشر 0.59 سنة 2021 و0.21 سنة 2022. ويفسر التقرير هذا التذبذب بتأثير العوامل الجيوسياسية والتغيرات في الأسواق العالمية، خصوصا ما يتعلق بأسعار الطاقة والمواد الغذائية. ويمثل مؤشر الإمكان التجاري أحد أهم أدوات التحليل في الدراسة، إذ يُعبّر عن العلاقة بين حجم التجارة المتوقع والنشاط التجاري الفعلي بين بلدين. وتُفسَّر القيم الناتجة وفق معايير دقيقة، فعندما تكون القيمة مساوية للواحد (1)، فهذا يعني أن مستوى التجارة بين البلدين متوازن ويتطابق تقريبا مع ما يتوقعه النموذج الاقتصادي. أما إذا تجاوزت القيمة الواحد (1)، فإن ذلك يشير إلى وجود إمكان غير مستغل للتوسع التجاري، أي أن البلدين يمكن أن يحققا تبادلات أكبر مما هو قائم فعليا دون أن يتجاوزا المستوى الطبيعي الذي تسمح به قدراتهما الاقتصادية. وفي المقابل، إذا انخفضت القيمة عن الواحد (1)، فذلك يدل على أن التجارة الفعلية أقل من المستوى المتوقع، ما يعكس عادة وجود عقبات مؤسسية أو لوجستية أو ضعف في التكامل الاقتصادي بين الطرفين. أما القيم السالبة، فهي نادرة وتظهر في بعض الحالات الخاصة حين تكون البيانات غير متوازنة أو ضعيفة جدا، وتشير إلى فجوة حادة أو شبه غياب للعلاقات التجارية الفعلية. كما أشار التقرير إلى أن المغرب يمتلك إمكانا تجاريا مرتفعا مع كل من الصين (2.75 في 2022)، وألمانيا (3.18)، وإيطاليا (1.85)، وهولندا (2.60)، والولايات المتحدةالأمريكية (8.50)، والمملكة المتحدة (5.40). ويرى خاييروف أن هذه الأرقام تؤكد قدرة الاقتصاد المغربي على التفاعل الديناميكي مع القوى الاقتصادية الكبرى، مع احتفاظه بقدرة على تنويع شركائه دون الاعتماد المفرط على منطقة واحدة. ومن اللافت أن التقرير يذكر بأن التجارة الثنائية بين المغرب وروسيا لا تزال دون مستوى التوقعات النموذجية، إذ يظهر مؤشر الإمكان التجاري لعام 2022 قيمة 0.21 فقط، وهو ما يعني أن التبادل الفعلي لا يتجاوز 21% من المستوى الممكن إحصائيا وفق المعطيات الحالية. ويرى خاييروف أن هذه الفجوة يمكن تضييقها عبر تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية وتسهيل الوصول إلى الأسواق، وتطوير منظومة النقل البحري والجوي بين البلدين. أما بالنسبة إلى روسيا، فيوضح خاييروف أنها حققت إمكانا تجاريا مشبعا تقريبا مع بعض شركائها التقليديين مثل فرنسا (2.18 سنة 2021)، والمملكة المتحدة (1.07)، وإيطاليا (1.32)، واليابان (1.32)، والصين (0.43)، والولايات المتحدةالأمريكية (2.17). غير أن الإمكان التجاري مع المغرب لا يزال محدودا مقارنة بهذه البلدان، ما يجعل من تعميق التعاون مع المغرب خيارا استراتيجيا طويل المدى في ظل إعادة هيكلة سلاسل التوريد العالمية. وأشار التقرير إلى أن السنوات بين 2025 و2030 ستكون حاسمة في تحديد مسار هذه العلاقة الاقتصادية، سواء عبر توسيع المبادلات أو من خلال بناء شراكات استثمارية مباشرة في قطاعات القيمة المضافة العالية.