إيطاليا.. العداء المغربي الحسين العزاوي يتوج بطلا للعالم في سباق "غولدن تريل ورلد سيريز"    الفلبين: زلزال بقوة 5,8 درجة يضرب جزيرة سيبو    ٍ"الأشبال" يواجهون فرنسا في النصف    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بالمغرب    مونديال الشباب: المنتخب المغربي إلى المربع الذهبي للمرة الثانية في تاريخه بانتصاره على أمريكا    الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين سيتم بعد وصول الرهائن إلى إسرائيل    الكشف عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة تضم وزيرتين مغربيتين داتي وزيرة للثقافة ونعيمة موتشو وزيرة ما وراء البحار    نجيب أقصبي ل "لوموند": حركة "جيل زد" نتيجة مباشرة ل "رأسمالية التواطؤ" في المغرب التي سحقت الفقراء والطبقة الوسطى    غالي: مسؤول إسرائيلي قال لنا "ما ذنبنا إذا كانت دولتكم لا تريدكم".. ولم يتدخل أي دبلوماسي مغربي لتحريرنا أو استقبالنا    "إكسباند" يستبق انطلاق "جيتكس غلوبال" بربط ألفي شركة ناشئة بالمستثمرين    النظم الجمركية الخاصة    الساسي يقدم قراءة تحليلية لتحولات المشهد الانتخابي في المغرب من نزاهة انتخابات 1960 إلى "هندسة" استحقاقات 2026    "أشبال الأطلس" يصنعون المفاجأة في مونديال الشيلي بهزيمة أمريكا ويقتربون من نهائي الحلم العالمي    النيجر تهزم زامبيا بتصفيات المونديال    "دونور" يحتضن ديربي الرجاء والوداد    الخطاب الملكي بالبرلمان.. ثنائية الدولة الاستراتيجية والدولة الاجتماعية    نظام آلي جديد يراقب حدود أوروبا    وفاة الفنان الأمازيغي مصطفى سوليت متأثراً بجروحه    حادث يصرع دركيا نواحي الجديدة    ندوة فكرية بمشرع بلقصيري تستحضر راهنية البحث في الهوية الغرباوية    كيف تغيرت علاقة الأجيال بالسينما؟    العِبرة من مِحن خير أمة..    العثور على جثة شاب داخل بئر بضواحي شفشاون    ولد الرشيد: خطاب الملك يرسم معالم المرحلة القادمة ويتوخى تكامل أوراش التنمية    في ظل ركود ثقافي وتجاري... جمعيات المجتمع المدني تحيي الحي البرتغالي بأنشطة تراثية وفنية تستلهم التوجيهات الملكية    الاتحاد الأوروبي يدشن نظامًا جديدًا لتسجيل القادمين والمغادرين    هل فعلاً انتصرت الحكومة؟ أم أن الخطاب الملكي أطلق جرس الإنذار؟    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    مغربية تخاطر بحياتها وتعبر سباحة إلى سبتة برفقة ابنها القاصر (فيديو)    الإعلام في الخطاب الملكي: دعوة إلى الاستقلال والإصلاح    ترسيخ العدالة الاجتماعية والمجالية: رؤية ملكية تتقاطع مع المشروع الاتحادي التقدمي    الملك محمد السادس يبرق العاهل الإسباني فيليبي    مهرجان الدوحة السينمائي يحتفي بالسّرد القصصي العالمي بمجموعة من الأفلام الدولية الطويلة تتنافس على جوائز مرموقة    حماس "لن تشارك" في حكم غزة وإسرائيل ستدمر كل أنفاق القطاع بعد إطلاق الرهائن    عبد المجيد سداتي يدق ناقوس الخطر .. المهرجان الدولي للمسرح الجامعي مهدد بالإلغاء    الكوميديا في السينما المغربية محور ندوة فكرية بملتقى سينما المجتمع بخريبكة    «وسع»: مزيج فني يجمع بين المهرجانات المصرية والروح المغربية    دراسة: الإفراط في استخدام الشاشات يضعف التحصيل الدراسي للأطفال    حاتم البطيوي يسلم الشاعرة الإيفوارية تانيلا بوني جائزة "تشيكايا أوتامسي" للشعر الإفريقي (صور)    نقل رضيع حديث الولادة من زاكورة نحو المركز الاستشفائي الجامعي بفاس عبر طائرة طبية    "كان" المغرب 2025: انطلاق عملية بيع التذاكر غدا الإثنين وتطبيق "يالا" أًصبح متاحا    سحر الرباط يخطف الأنظار.. صحيفة بريطانية تضع العاصمة ضمن أبرز الوجهات العالمية    الملك يثمن التعاون مع غينيا الاستوائية    مونديال الشباب في الشيلي.. الأرجنتين وكولومبيا إلى نصف النهائي    الإصابة بضعف المعصم .. الأسباب وسبل العلاج    طنجة تتضامن مع غزة بمسيرة ليلية    الصين: عدد شركات الذكاء الاصطناعي ارتفع إلى أكثر من 5 آلاف في خمس سنوات    أعمو ينتقد ضعف أداء رؤساء الجهات ويدعو إلى تنزيل فعلي للاختصاصات الجهوية    حفظ الله غزة وأهلها    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع بأداء سلبي    "بورشه" الألمانية تبحث تشديد السياسة التقشفية    السنغال: ارتفاع حصيلة ضحايا حمى الوادي المتصدع إلى 18 وفاة    الخزينة.. مركز "التجاري غلوبال ريسورش" يتوقع عجزا متحكما فيه بنسبة 3,5% من الناتج الداخلي الخام سنة 2025    دراسة: الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تغير أعداد البكتيريا المعوية النافعة    لأول مرة في العالم .. زراعة كبد خنزير في جسم إنسان    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العِبرة من مِحن خير أمة..
نشر في هسبريس يوم 12 - 10 - 2025

العرض الذي قدّمه وضّاح خنفر، الإعلامي الفلسطيني المعروف، في شريط الفيديو بعنوان «حرب غزة تقود العالم نحو وعي حضاري جديد» هو قراءة فكرية معمّقة لموقع غزة في التاريخ الحديث، وفي مسار الأمة الإسلامية عبر العصور. تحدّث فيه عن أن ما يجري اليوم ليس مجرد مواجهة عسكرية بين مقاومة محاصَرة واحتلال غاشم، بل هو منعطف حضاري يعيد تشكيل وعي الأمة، بل ووعي الإنسانية جمعاء.
يرى خنفر أن كل محنة مرّت بها أمة الإسلام كانت بداية دورة حضارية جديدة. فسقوط القدس في الحروب الصليبية أيقظ الضمائر وأنتج نهضة أخرجت صلاح الدين. وسقوط بغداد على يد المغول كان أشدّ وأنكى، فأحيا الوعي الحضاري من جديد، بل حمله معه الغزاة أنفسهم حين عادوا بالإسلام إلى بلادهم. ثم جاء الاستعمار الحديث، فانتهى هو الآخر بانبعاث الأمة وتحرّرها من جديد. واليوم تأتي غزة لتعلن يقظة حضارية جديدة تتجاوز الجغرافيا لتشمل الإنسانية بأسرها. وفي نظره، يعيش الغرب أفولًا حضاريًا بعد ثلاثة قرون من الهيمنة، بسبب انكشاف زيف قيمه المادية، بينما تقف الأمة الإسلامية على أعتاب نهوض جديد عنوانه الإرادة والصمود والحق، لا القوة المادية.
غير أن هذا التحليل، على عمقه واتزانه، ينقصه المهم والأهم: الإرادة الربانية التي من أجلها وُجد الإنسان في الأرض. فالأحداث لا تجري وحدها، والتاريخ لا يتحرك بقوانين داخلية بلا خالقٍ يسوقه، قال تعالى: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان: 30]. تحليل خنفر، وإن لامس جوهر الصراع الحضاري، بقي في حدود الأسباب البشرية، وغاب عنه السبب الأول الذي منه تبدأ الحركة وإليه تنتهي. ولا أشك لحظةً في أنه مؤمنٌ بذلك كل الإيمان، غير أن المقام التحليلي غلب فيه على المقام الإيماني، ولعله سهواً لا جهلاً، بل تغليبًا لطبيعة المقام الفكري الذي اختاره.
فما يجري للأمة الإسلامية ليس مجرد تكرارٍ لدوراتٍ حضارية كما في تاريخ الأمم الأخرى، بل تذكيرٌ إلهي لأمةٍ مميَّزة عن سائر الأمم، حاملةٍ للرسالة الأخيرة للبشرية جمعاء إلى يوم الدين، إذ لا نبيَّ بعدها. قال تعالى: ﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]. فإن فنيت الأمة انتفى معها وجود الرسالة وانتفى الغرض من بقاء البشرية من ورائها، إذ لا معنى للابتلاء بلا رسالة. قال تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: 115].
وما يحدث اليوم هو تمامًا ما حدث للنبي يونس عليه السلام حين أعرض عن مهمّته بعد أن ضاق صدره من إصرار قومه على الكفر وعدم استجابتهم لدعوته قبل أن يُؤمر بذلك، فابتُلي ثم عاد مستغفرًا. كذلك الأمة الإسلامية في التاريخ: كلما تركت رسالتها للبشرية لتغرق في شؤونها، أدّبها الله حتى تعود إلى حملها بالقدوة قبل القول.
إن الرسالة التي خُتم بها الوحي ليست ملكًا للمسلمين، بل أمانة في أعناقهم، وإرثٌ دائم من خاتم النبيين للبشرية كلها. فإذا تخلّوا عن تبليغها قولًا وفعلاً، فقدوا سبب وجودهم في التاريخ. فالذل الذي يصيب الأمة ليس إذلالًا سياسيًا، بل نداء رحمة يردّها إلى وظيفتها الأولى: الشهادة على الناس بالحق والعدل والرحمة.
البشرية تعرف بفطرتها الخير من الشر، لكنها تفقد البوصلة حين تفصل فطرتها عن خالقها. فكل قيمةٍ نبيلةٍ تُبنى على الفطرة دون وعيٍ بالخالق سرعان ما تنقلب إلى ضدّها. وقد رأينا ذلك في الغرب، الذي نادى بالحرية فاستعبد الشعوب، ورفع شعار العدالة فمارس الظلم، وتحدّث عن الكرامة فحوّل الإنسان إلى سلعة. لأن القيم النبيلة حين تُفصل عن أصلها الرباني تفقد التقوى التي تحفظها، فتتحول إلى أدواتٍ للطغيان.
العدل لا يقوم بذاته، ولا الحرية تصمد بذاتها، إلا حين يُدرك الإنسان أنها هبةٌ من الخالق، ومسؤولية أمامه، لا اختراعٌ بشريّ ولا ترفٌ يجود به على غيره ويمنّ عليه. الغرب جرّب غير ذلك ثلاثة قرون، فانتهى إلى حضارةٍ مادية أفرغت الإنسان من إنسانيته. ﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 2-3].
الأمة الإسلامية لا تنهض لأنها قوية مثل باقي الأمم، بل لأنها تتحمّل مسؤولية تبليغ الرسالة الربانية عمليًا. وكل مرةٍ تضعف فيها، فذلك لأنها قصّرت في أداء الأمانة. فالذل والهوان ابتلاءٌ من الله يعيدها إلى حقيقتها كأمةٍ شاهدةٍ على الناس. ومن هنا، فإن ما يجري اليوم في غزة ليس مجرد يقظة حضارية كما قال خنفر، بل يقظة إيمانية، تعيد الأمة إلى ربّها حتى تعود إلى دورها الحضاري المقرون بالإيمان في التاريخ. وكما نشاهد ذلك اليوم، الناس يدخلون في دين الله أفواجًا، لا لأنهم انبهروا بالنصر العسكري، بل لأنهم رأوا ثبات المؤمنين على الحق من ربهم رغم القهر والعجز. ورأوا أن القوة ليست في الحديد، بل في الإيمان.
إن حرب غزة ليست فقط بداية دورة حضارية جديدة، بل بداية يقظةٍ ربانية سبقتها عبر التاريخ أخرى، تذكّر الأمة والعالم بأن الله حيٌّ قيّوم لا يغيب عمّا خلق، وأنه لم يخلق عباده عبثًا. فحضارة الأمة الحقّة وعزتها لا تُبنى بالعلم وحده، بل بالإيمان الذي يوجّهه الوجهة الصحيحة. ولا تقوم بالقوة وحدها، بل بالحق الرباني الذي يُقيم العدل. ولا تدوم إلا إذا رأت في كل نصرٍ فضلاً من الله، وفي كل محنةٍ نداءَه وتذكيرَه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.