صادقت الحكومة مؤخرا على مرسوم بقانون تم نشره في الجريدة الرسمية عدد 7393 بتاريخ 07 أبريل الجاري، يقضي بنسخ أحكام الفقرة الثانية من المادة 18 من القانون رقم 52.20 المحدث للوكالة الوطنية للمياه والغابات. وينص هذا التعديل على أن الموظفين في وضعية إلحاق تلقائي لدى الوكالة، والذين لم يتم إدماجهم قبل فاتح يناير 2026، سيتم إدماجهم تلقائيًا ابتداء من هذا التاريخ. ويستشف من خلال مضمون المادة الأولى من هذا المرسوم بقانون على أن الموظفين الذين تقدموا بطلب للإدماج قبل التاريخ السالف الذكر سيتم إدماجهم بناء على طلبهم، بينما سيتم إدماج من لم يتقدم بطلب الادماج بشكل تلقائي في فاتح يناير 2026! هذا المستجد القانوني يثير عدة تساؤلات ذات طابع دستوري وقانوني، خاصة في ضوء المبادئ الأساسية التي كرّسها دستور المملكة، وكذا بالنظر إلى المقتضيات القانونية الواردة في الظهير الشريف بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية. أولًا: مدى توافق المرسوم بقانون مع المبادئ الدستورية ينص الدستور المغربي، في فصله السادس، على سمو القواعد الدستورية والقانونية، وعلى ضرورة احترام مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز. كما يؤكد الفصل 31 منه على أن الدولة تسعى إلى تعبئة جميع الوسائل لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحقوق الأساسية. في هذا السياق، يمكن القول إن المرسوم بقانون الذي صادقت عليه الحكومة خلال المرحلة الفاصلة بين دورتي البرلمان، ونشر في الجريدة الرسمية يوم 7 أبريل الجاري، يطرح إشكالية حقيقية على مستوى مبدأ حرية الاختيار، إذ أنه يميّز بين فئتين من الموظفين: فئة تختار الإدماج بمحض إرادتها وفئة تُفرض عليها وضعية قانونية جديدة دون موافقتها الصريحة. هذا الإجراء قد يُعد مساسًا بالحق في اتخاذ القرار المهني، وخرقًا للمبدأ الدستوري المتعلق بعدم التمييز في المعاملة. ثانيًا: الوضعية القانونية للموظف الملحق وفقًا لمقتضيات النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، فإن وضعية الإلحاق تُعد وضعية انتقالية محددة، تُخوّل للموظف الحق في اختيار أحد المسارات الثلاث التالية: الإدماج في المؤسسة أو الهيئة الملحق بها بناء على طلبه؛ إنهاء الإلحاق والعودة إلى الإدارة الأصلية؛ تجديد الإلحاق لنفس المدة أو لمدة أخرى. وبالتالي، فإن فرض الإدماج التلقائي للموظفين دون طلبهم الصريح يُعد تجاوزًا قانونيًا صريحًا، وضربًا لمبدأ التدرج القانوني، إذ أن المرسوم بقانون لا يمكن أن يتعارض مع قاعدة قانونية أعلى، لاسيما، وأن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية تم إقراره بموجب ظهير شريف، أي بنص سامٍ. ثالثًا: بين الإدماج الإرادي والإدماج القسري التمييز بين إدماج يتم بناء على طلب الموظف وإدماج يتم تلقائيًا يطرح أيضًا إشكالية قانونية على مستوى الإرادة. فالإدماج، باعتباره تغييرًا في الوضعية القانونية والمهنية للموظف، يفترض وجود إرادة حرة وواضحة من جانب المعني بالأمر. وبالتالي، فإدماج الموظف بشكل تلقائي دون طلبه قد يُعد إجبارًا مقنّعًا، بل وقد يُفسر على أنه مصادرة لحق العودة إلى السلك الأصلي أو تجديد الإلحاق، وهو ما يكفله النظام الأساسي صراحة. في ضوء ما سبق، يمكن القول إن المرسوم بقانون الصادر في الجريدة الرسمية، يطرح إشكالات حقيقية على مستوى احترام مبدأ الشرعية، ومبدأ سمو النصوص القانونية، وكذا على مستوى احترام حقوق الموظفين في اتخاذ قراراتهم المهنية بحرية ومسؤولية. إن فرض الإدماج التلقائي ابتداء من فاتح يناير 2026، دون طلب صريح من الموظفين المعنيين بالأمر، يمثل توجهًا تشريعيًا قسريا، قد يتعارض مع كل من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، والمبادئ الدستورية المتعلقة بحرية الاختيار والمساواة وعدم التمييز. لذلك، يبقى من الضروري مراجعة هذا المرسوم بقانون، إما عبر إحالة دستورية أمام المحكمة الدستورية، أو من خلال مناقشته بشكل موسّع داخل البرلمان، حماية لحقوق الموظفين في وضعية إلحاق تلقائي في الوكالة الوطنية للمياه والغابات، وضمانًا لاحترام مبدأ الأمن القانوني.