تعتبر وضعية أساتذة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين من أكثر المواضيع إثارة للمتابعة والاهتمام من لدن الرأي العام الوطني، لاسيما في ظل توالي إضرابات هذه الفئة الحيوية التي ركزت في مسارها النضالي الاحتجاجي على تحقيق مطلب محوري في وجهة نظرها، يتمثل في: "إسقاط التعاقد والإدماج في الوظيفة العمومية الأساسية"؛ علما أن "التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد" مددت الإضرابات بعد إدانة 45 من الأساتذة المحتجين بالرباط، والحكم عموما على كل واحد منهم بعقوبة حبسية مدتها شهرين موقوفة التنفيذ، ومقرونة بغرامة مالية قدرها 1000 درهم بالنسبة لبعضهم، مع تأكيد مواصلة حركتها النضالية المفتوحة على كل الاحتمالات الممكنة. وفي سياق السعي الحكومي الجاري إلى مراجعة النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية وإحداث نظام أساسي موحد يشمل جميع فئات المنظومة التربوية، تم توقيع اتفاق في هذا الشأن بين الوزارة الوصية والنقابات التعليمية بتاريخ 18 يناير 2022، ووعدت الحكومة باعتماد "حلول مبتكرة" لمعالجة وضعية الأساتذة، مع اعتبار إضراباتهم "غير مبررة" لأن "الحوار مفتوح" مع مختلف الفاعلين الاجتماعيين بالنسبة لها. وبهدف المساهمة في إغناء النقاش القانوني حول وضعية أساتذة الأكاديميات، موازاة مع واقع حال الاحتقان المستمر في قطاع التربية الوطنية، وما يثيره من تفاعل وتباين وجهات النظر بشأن تقييمه وجدية تبريره، مع استحالة نكران كلفته وأثره المباشر على تلاميذ المدارس العمومية ومستوى تحصيلهم الدراسي، سنحاول الإحاطة بمضمون إشكالية المرجعية القانونية والتنظيمية لأساتذة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين (أولا)، قبل عرض بعض الاقتراحات في سياق التفاعل الإيجابي مع أي مقاربة جدية ومبدعة تروم معالجة هذه الإشكالية، وتدفع في اتجاه تثمين مجهود الأساتذة لخدمة المتعلمين وتجنب الاحتقان واللجوء المتكرر إلى الإضراب (ثانيا). أولا: المرجعية القانونية والتنظيمية لأساتذة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كما هو معلوم، فمن خلال الرجوع إلى الوثائق المتعلقة بالأنظمة الأساسية الحالية الخاصة بأطر الأكاديميات الاثنتى عشرة، الموقعة سنة 2018 وغير المنشورة في الجريدة الرسمية، يتبين أن سند الارتكاز القانوني لهذه الأنظمة لا يكمن في القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، بل في القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى، والقانون رقم 07.00 القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين؛ وذلك خلافا للأنظمة الأساسية المشتركة وللأنظمة الأساسية الخاصة ببعض فئات الموظفين التابعين لقطاعات حكومية، وحتى للأنظمة الأساسية للعاملين في الغرف المهنية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، إذ تستند جميع هذه الأنظمة في بنائها القانوني المرجعي على القانون الأساسي للوظيفة العمومية. والملاحظ أن الأنظمة الأساسية المتعلقة بأساتذة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تثير، من زاوية قانونية موضوعية صرفة، بعدا معيبا بالنظر إلى فحص ملاءمتها وشكلية اعتمادها، إذ نجد أن المشرع في إطار سنه قانونا خاصا يقضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، كما صدر في الجريدة الرسمية بتاريخ 20 ماي 2000، التفت إلى خصوصية الطابع الإداري لهذه المؤسسات العمومية والوضعية الاعتبارية لتوظيف العاملين بها، فأحال بموجب المادة 11 من القانون المذكور على اعتماد نص تنظيمي بمرسوم يحدد بموجبه النظام الأساسي الخاص بهم. وحيث إن اعتماد الأنظمة الأساسية المذكورة بموجب قرارات مشتركة للوزيرين المكلفين بالتربية الوطنية والمالية لئن كان يمكن جبر تعليله القانوني، بالإحالة على المادة 7 من القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى، التي تبرز شرعية موافقة الوزير المكلف بالمالية على تلك الأنظمة، باعتبارها مقررات للمجالس الإدارية للأكاديميات الجهوية، فإن ذلك لا يمكن تأويله إلا بالتفاف غير مفهوم على سند قانوني خاص ومقيد، ويكمن في القانون رقم 07.00 المتعلق بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين؛ وبالتالي فإن تلك الأنظمة الأساسية تثير مخالفة جوهرية لقاعدة تقييد الخاص للعام. إن حجية اعتماد الأنظمة الأساسية الخاصة بأساتذة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بموجب القرارات المشتركة للوزيرين تثير من جهة أخرى إشكالية الدفع بعدم ملاءمتها مع القانون، فضلا عن مضمونها المعيب، من زاوية اقتصارها البين على إدراج بعض المقتضيات الضامنة لحقوق وواجبات الموظف العمومي، كما هو الشأن على سبيل المثال في تلك المتعلقة بالراتب الشهري والترقية والرخص الإدارية والاستثنائية ولأسباب صحية والتغطية الصحية والتقاعد. وحيث إنه بإسناد النظر إلى محدودية المرجعية التشريعية للأنظمة الأساسية لأساتذة الأكاديميات، لاسيما في ظل الالتزام الحكومي باعتماد نظام أساسي جديد في مستقبل الأيام، يتعين الإقرار بضرورة استبعاد القبول الصريح والضمني بفكرة اعتبار هذه الفئة في وضعية تعاقدية "اختيارية" أو "إجبارية" من خلال استمرارية ترويج مقولة "الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد"، لأن تلك الأنظمة تنص على حق الترسيم الذي لا يتحقق إلا في وظيفة قارة ودائمة، ولأن التشغيل بالأكاديميات بموجب عقود لا يمكن أن يتحقق بموجب أنظمتها الأساسية إلا في حالات ضيقة جدا تهم الخبراء الذين يتوفرون على شواهد عليا وتجربة مهنية لا تقل عن 5 سنوات، وفي حدود 3 عقود (المادة 5 من الأنظمة الأساسية لأطر الأكاديميات). وبمنطق الترجيح الموضوعي، تجدر الإشارة إلى عدم القبول بالدفع المثير لخضوع هذه الفئة لجميع المقتضيات التشريعية العامة السارية بموجب القانون الأساسي للوظيفة العمومية، أو الترويج لفكرة وجود مساواة بينهم وبين فئة أساتذة التربية الوطنية الخاضعين لمرسوم مستقل. وفي هذا الصدد يمكن إثارة تسجيل التمييز البين في مجال الحرمان من الحق في الإلحاق أو الوضع رهن الإشارة أو الانتقال من الأكاديميات لمرافق عمومية أخرى، بما فيها الإدارات التابعة للقطاعات الحكومية أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية والجامعات؛ وكذا التمييز الوارد بشأن مسطرة التوقيف في حالة ارتكاب هفوة خطيرة ناجمة عن إخلال بالتزامات مهنية أو متابعة بتهمة جنحة ماسة بالحق العام. فإذا تم توقيف أستاذ من لدن الأكاديمية لارتكابه خطأ فادحا فإنه يتم توقيف أجرته في الحال، باستثناء التعويضات العائلية (الفقرة الأولى من المادة 100 من الأنظمة الأساسية لأطر الأكاديميات)، في حين ينص قانون الوظيفة العمومية على مقتضى تشريعي مرن يخول لسلطة التأديب إمكانية تمتيع الموظف بأجرته أو قسط منها طيلة مدة توقيفه (الفقرة الثانية من الفصل 73 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية). كما نشير إلى التنصيص المثير على إعفاء أستاذ الأكاديمية في حالة عدم نجاحه في امتحان التأهيل المهني (المادة 106 من الأنظمة الأساسية لأطر الأكاديميات). ودون أن ننسى التأكيد كذلك على غياب مقتضيات تنظيمية نوعية محفزة لأساتذة الأكاديميات، بما يجعل للتوظيف والإدماج في أسلاكها عنصر استقطاب حقيقي محقق لتثمين الموارد البشرية. ومن بين تلك المقتضيات المفقودة، على سبيل المثال لا الحصر، الحق في الاستفادة من منح المردودية والحق في المشاركة في مباريات توظيف أساتذة التعليم العالي، والحق في تعويض إضافي ملموس عن أعباء التدريس بمناطق معينة. ثانيا: التفعيل الإيجابي للمقاربة الجديدة لوضعية أساتذة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين إذا كان ضعف حجية السند القانوني للأنظمة الأساسية المتعلقة بأساتذة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ومحدودية مراعاتها لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، ما أثير إثباته وأولى ترجيحه في تقدير أحقية الدفع في اعتماد مرسوم موحد يتعلق بالنظام الأساسي لأساتذة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، فإنه من باب التفاعل الإيجابي الإفادة ببعض الاقتراحات لتفعيل مقاربة جديدة ومنصفة لهذا الموضوع، بما يحقق الملاءمة بين الاستفادة من كافة الحقوق والامتيازات التي يضمنها القانون الأساسي للوظيفة العمومية كحد أدنى من جهة، وبين المسؤولية التدبيرية المنوطة بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين؛ مع الإقرار بأهمية التوظيف بها وتجاوزه ما حققته المنظومة التعليمية قبله طيلة 20 سنة وفي مدة لا تتجاوز 6 سنوات من جهة ثانية. وذلك كما يلي: 1-إن حرية أساتذة الأكاديميات في الاحتجاج والتظاهر السلمي لتجويد وضعيتهم القانونية والنظامية تعد من الناحية الدستورية والقانونية والموضوعية مبدأ أساسيا محددا لتفاعلات السلطات العمومية مع مختلف الحركات الاحتجاجية السلمية بصفة عامة، بما لا يعني استبعاد إمكانية منعها للتظاهر والاحتجاج المعرقل لحركة السير والجولان أو المهدد للأمن والأمان والنظام العام في إطار حرصها الضروري على التقيد بالمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل دون مساس بالحقوق والحريات. 2- تتعين إثارة النظر الموضوعي إلى أهمية السعي إلى تحقيق التوازن المطلوب بين حق الأساتذة في الإضراب والاحتجاج للدفاع عن مطلب تجويد وضعيتهم المهنية النظامية والإدارية من جهة، وحق تلاميذ المدارس العمومية في التعليم من جهة ثانية؛ بما يدفعنا إلى ملاحظة أن المسؤولية المشتركة في تثمين حقوق الجميع تقتضي، في الوقت الحالي على الأقل، عقلنة السلوك الاحتجاجي وتأمين السلم الاجتماعي والزمن الدراسي، وفي الوقت نفسه التعجيل بمبادرة الحكومة لإنتاج حلولها المبدعة لتصحيح وضعية أساتذة الأكاديميات في أقرب وقت ودون تسويف أو تمطيط للزمن. 3-إن اقتراح الخيار الملائم لمعالجة الوضعية القانونية والنظامية لأساتذة الأكاديميات لا بد أن يراعي تقدير أي كلفة تراجعية عن سياسة التوظيف الجهوي ورهانات تنزيل اللاتمركز الإداري الحقيقي، والسعي نحو تفويض اختصاصات التدبير المركزي لفائدة المصالح الإدارية الجهوية، كما أنه لا بد أن يستوعب أحقية تأثيره الموضوعي في إمكانية دفع فئات واسعة من العاملين بمختلف المؤسسات والمرافق العمومية الأخرى للمطالبة بالمماثلة والإدماج في الإدارات العمومية التابعة للقطاعات الحكومية. 4-لنصل إلى أن الخيار القانوني والتنظيمي الملائم يمكن أن يتحقق من خلال إصدار مرسوم موحد يتعلق بأساتذة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، يستند في مرجعيته القانونية إلى النظام الأساسي للوظيفة العمومية، ويتضمن الإحالة على استفادة هذه الفئة من جميع المقتضيات التشريعية الواردة فيه، مع إضافة مقتضيات مالية وإدارية واجتماعية نوعية محفزة ومتجاوزة للتمييز الذي عانت وتعاني منه، كما عانت وتعاني منه فئات مهنية إدارية أخرى. وهو ما يحيل في نهاية المطاف على إثارة إشكالية العدالة وتكافؤ الفرص في منظومة التوظيف، والحقوق الإدارية والمالية بالقطاع العمومي وشبه العمومي بصفة عامة، لاسيما إذا علمنا أن تفعيل مسؤولية الانكباب على فك تعقيداتها من شروط تثمين الرأسمال البشري باعتباره محددا حاسما لإنجاح النموذج التنموي الجديد. (*) باحث في القانون الدستوري والبرلماني