أوقفت الحكومة الإسبانية، يوم الخميس، العمل بما يُعرف ب"جوازات السفر الذهبية"، وهو البرنامج الذي أتاح للأجانب من خارج الاتحاد الأوروبي الحصول على تصاريح إقامة مقابل استثمارات عقارية لا تقل عن 500 ألف أورو. ويأتي هذا القرار بعد عشر سنوات من بدء العمل بهذا النظام، الذي أُطلق عام 2013، وأسفر عن منح أكثر من 14,500 تصريح إقامة، كان أغلبها نتيجة شراء عقارات في مدن ومناطق مثل برشلونة، مدريد، مالقة، أليكانتي، جزر البليار، وفالنسيا، والتي استحوذت وحدها على 90 بالمائة من هذه التصاريح.
وقد مثل المواطنون الصينيون والروس الشريحة الكبرى من المستفيدين من هذا البرنامج، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتصاعد الحرب في أوكرانيا، ما زاد من الإقبال على التملك العقاري في إسبانيا. ويُعد هذا القرار جزءا من إصلاحات أوسع تقودها حكومة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز لمعالجة أزمة الإسكان في البلاد، والتي تُعتبر من أبرز التحديات التي تواجه المواطنين الإسبان، خصوصا فئة الشباب والأسر ذات الدخل المتوسط. وأكد سانشيز، في تصريحات سابقة خلال أبريل 2024، أن برنامج "التأشيرات الذهبية" ساهم في تعقيد الوصول إلى سكن لائق، بسبب تسارع وتيرة شراء الأجانب للعقارات، ما أدى إلى ارتفاع حاد في الأسعار وتضييق فرص التملك أو الإيجار أمام السكان المحليين. وقد اعتبر أن إنهاء هذه الآلية هو خطوة ضرورية لضمان أولوية المواطن الإسباني في سوق العقار، خاصة في ظل وجود اختلالات حادة في العرض والطلب داخل المدن الكبرى والمناطق السياحية. ويتضمن القرار الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ، إلغاء المواد القانونية التي كانت تتيح للأجانب الاستفادة من تصاريح الإقامة مقابل استثمارات، سواء كانت في العقار أو في أدوات مالية مثل الودائع البنكية أو الديون السيادية أو صناديق الاستثمار أو المشاريع التجارية ذات الطابع العام. كما أن التعديلات جاءت ضمن مراجعة شاملة لقانون دعم رواد الأعمال وتدويل الاقتصاد الإسباني، حيث تم حذف الفصول المتعلقة بتأشيرات المستثمرين بالكامل. إلى جانب ذلك، تدرس الحكومة الإسبانية إجراءات إضافية للحد من تملك الأجانب للعقارات، خصوصا من خارج الاتحاد الأوروبي، وذلك عبر فرض رادع ضريبي، ما يزال في طور النقاش، وقد يتخذ شكل رفع ضريبة القيمة المضافة إلى 100 بالمائة أو تطبيق ضريبة خاصة على نقل الملكية العقارية. يأتي هذا التحول في السياسة الإسبانية متماشيا مع قرارات مماثلة اتخذتها دول أوروبية مجاورة، أبرزها البرتغال، التي ألغت بدورها برنامج "التأشيرات الذهبية" في يوليوز 2023، ضمن ما يُعرف بخطة "المزيد من المنازل"، التي هدفت إلى كبح ارتفاع أسعار السكن. وقد دخل هذا الإلغاء حيز التنفيذ في وقت لاحق من العام نفسه، مع الإبقاء فقط على تجديد التصاريح الممنوحة مسبقاً، دون قبول طلبات جديدة. وتأتي هذه التوجهات في إطار سعي الدول الأوروبية لمعالجة الاختلالات المتفاقمة في سوق السكن، والتي تؤثر بشكل مباشر على فرص الشباب والعائلات المحلية في إيجاد سكن مناسب بأسعار معقولة. وتتسم الأزمة السكنية في إسبانيا والبرتغال بكونها أزمة مركبة، تتداخل فيها عوامل اقتصادية واجتماعية وسياحية، حيث أدّى الإقبال الواسع من الأجانب على شراء العقارات، خاصة في المناطق الساحلية والمدن التاريخية، إلى تحول كثير من الوحدات السكنية إلى أماكن للإيجار السياحي قصير الأمد، ما زاد من الضغط على السوق ورفع من معدلات المضاربة العقارية. ومع تراجع المعروض وارتفاع الطلب الخارجي، أصبحت الأسعار بعيدة عن متناول المواطنين العاديين، وهو ما دفع الحكومات إلى اتخاذ قرارات تُعيد التوازن للسوق وتعطي الأولوية للحق في السكن على اعتبارات الجذب الاستثماري الخارجي. المصدر: يورو نيوز