قال محمد السياسي أستاذ القانون بجامعة محمد الخامس بالرباط وعضو المكتب السياسي لحزب "فدرالية اليسار الديمقراطي" إن مشروع المسطرة الجنائية لم يوضع عبثا، بل جاء في سياق فيه عدة اختلالات. وأوضح في ندوة نظمتها "فدرالية اليسار الديمقراطي"، حول مشروع المسطرة الجنائية، أمس الجمعة بالدار البيضاء، أن مشروع قانون المسطرة المدنية بدوره يحمل الكثير من العيوب، إلى جانب عيوب نظام المحاماة، وسحب قانون الإثراء غير المشروع، والمتابعات شبه اليومية ضد النشطاء والفاعلين الحقوقيين، والمدونين والصحفيين.
وتساءل الساسي عن الهواجس التي أملت وضع نص مشروع المسطرة الجنائية بهذا الشكل، مشيرا أنه في العلاقة مع بعض الهواجس ومنها القضايا الحساسة تنطلق الدولة من ترك يدها طليقة في التعامل، وهذا ما شهدناه في حراك الريف عندما رأينا معتقلين شبه عرايا. وتحدث عن تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول احتمال تعرض نشطاء حراك الريف للتعذيب الذي وضع في الرف، وتصريح محمد الدخيسي مدير الشرطة القضائية عندما سئل عن ممارسة التعذيب في حق معتقلي الريف، والذي أجاب بأن العنف الحقيقي هو الذي مارسه النشطاء أنفسهم عندما أحرقوا مقرات الشرطة ومنعوا سيارات الإسعاف من الوصول للجرحى، منتقدا كيف يصبح خرق الحقوق مبررا تحت مسمى بشاعة الجريمة. وأكد الساسي أن هذا المنطق تم القطع معه منذ قرابة قرنين من الزمان، والناس الذين كانوا يدافعون عن الإعدام، كان يقال لهم ليس المطلوب إزاء بشاعة الجريمة أن يتم الرد ببشاعة العقاب. واستغرب كيف أن التصريح الذي أدلى به الدخيسي كان مذاعا في التلفزيون ولم يخضع لأي نقاش لا في البرلمان ولا شيء من هذا القبيل، وكيف لمسؤول أمني كبير أن يبرر العنف الذي مورس ضد شباب حراك الريف بدعوى أنهم قاموا بكذا وكذا، لأنه لا يمكن بالمطلق أن نرد على بشاعة الجريمة ببشاعة العقوبة، وإلا سقطنا في بشاعة المجرم لأنه فرض علينا أن نتصرف كما يريد، مشددا على أن الدولة المتحضرة تحافظ على أعصابها. وتحدث الساسي عن الهواجس التي تحكم مشروع المسطرة الجنائية ومنها الخوف من الانتفاضة، فبعد حركة 20 فبراير تخاف الدولة من حراكات مشابهة، إلى جانب التخوف من سطوة الفضاء الأزرق، إذ أن هناك بحثا حثيثا لتجريم الديناميات التي يعرفها هذا الفضاء، ومحاولة إرجاع الهيبة للمخزن، لأن هناك من يعتبر أن هناك تطاولا قامت به المحاكم الإدارية، لأن الدولة لم تنسى أن مجموعة من القضاة أسسوا نادي قضاة المغرب في "الزنقة" بعدما ما منعتهم من قاعة عمومية، لذلك فإن المشروع يقوي النيابة العامة على حساب القضاة أنفسهم. وهاجس آخر ذكره الساسي هو الشعور بأنه أصبح لدينا مورد آخر في الصراع، من الصراع بين الشرق والغرب إلى منافع العلاقة مع إسرائيل (نتنياهو وأمريكا ترامب) والنظرة الاقتصادية الضيقة حول الكلفة الاقتصادية للمحاكمة العادلة التي تعتبر غالية، وهاجس الزمن أي أن نمرر أكبر عدد من القضايا في أسرع وقت ممكن وبأقل ما يمكن من القضاة، وبما أن التعليم والصحة تمت خوصصتها فماذا يمكن أن نفعل مع العدل، طبعا لا يمكن خوصصته لذلك وجب تخفيض الكلفة المادية والاقتصادية للمحاكمة العادلة. وسجل الساسي أن المشروع يحمل تصورا جديدا للمحامين ومساعدي القضاء، لأن المحامي لم يعد ضروريا، علما أنه في تاريخ المغرب كان هناك محامون دافعوا عن المشاركين في الانقلابات العسكرية، ولم يتعرضوا لأي تضييق، واليوم نرى أن المحامين يتعرضون للمضايقة لدرجة أن الصحفي توفيق بوعشرين أطلق سراحه ومحاميه اعتقل، ومحامي لنشطاء حراك الريف فر خارج المغرب.