كان الصعود السياسي لدونالد ترامب في عام 2016 غير متوقع بقدر ما كان مثيرًا للجدل، حيث هزّ المشهد السياسي الأمريكي من جذوره. فبعد أن أتى من خلفية لا تمتّ للسياسة بصلة، بل ترتكز على العقارات وتلفزيون الواقع، تمكن ترامب من الوصول إلى سدة الرئاسة متجاوزًا كل القواعد التقليدية. لقد أسرت خطبه الجريئة وأسلوبه غير المنمّق في التواصل ونزعته الشعبوية قلوب الملايين، بينما أبعدت عنه في الوقت ذاته ملايين آخرين. أصبح فهم ظاهرة دعم ترامب محور اهتمام علماء النفس وعلماء الاجتماع والسياسة، الذين يسعون إلى فك رموز الولاء الشديد الذي يحظى به بين أنصاره. فما هي العوامل النفسية التي تفسر هذا الدعم الراسخ لزعيم كسر باستمرار الأعراف السياسية؟ في هذا السياق، نستعرض بعض الأبحاث التي حاولت الإجابة عن هذه التساؤلات.
لم يكن طريق ترامب إلى البيت الأبيض تقليديًا بأي شكل من الأشكال. فعلى مدار التاريخ، كان الرؤساء الأمريكيون يكتسبون خبراتهم من خلال العمل السياسي أو الخدمة العسكرية قبل الترشح لأعلى منصب في البلاد. لكن ترامب لم يكن له باع في أي من المجالين، بل استمدّ خبرته من عالم الأعمال والترفيه، مما جعل صعوده إلى الرئاسة خطوة غير مألوفة وغير مسبوقة. اشتهر ترامب بصفته قطبًا في مجال العقارات ونجمًا في تلفزيون الواقع، مما منحه مستوى غير مسبوق من التعرف على اسمه، وهو الأمر الذي استغله بمهارة في حملته الانتخابية. فقد تخلى عن الاستراتيجيات السياسية التقليدية، معتمدًا بدلًا من ذلك على التجمعات الحاشدة، والتغطية الإعلامية المكثفة، وحضوره القوي على وسائل التواصل الاجتماعي. علاوة على ذلك، لاقت خطاباته الشعبوية، التي تضمنت وعودًا مثل "تجفيف المستنقع" و"أمريكا أولًا"، صدى واسعًا لدى شريحة كبيرة من الناخبين. غير أن أسلوبه كان شديد الاستقطاب، إذ غالبًا ما تجاهل الأعراف السياسية واتخذ موقفًا تصادميًا ضد المؤسسة السياسية. لقد تحدى صعوده توقعات المحللين السياسيين واستطلاعات الرأي على حد سواء، مما جعل فوزه في انتخابات عام 2016 حدثًا استثنائيًا بكل المقاييس. أثار الطابع المفاجئ لصعود ترامب موجة من الأبحاث التي سعت إلى فهم جاذبيته والتداعيات الأوسع لرئاسته. ومنذ ذلك الحين، استكشف الباحثون مجموعة واسعة من العوامل النفسية والاجتماعية التي قد تفسر الدعم الحماسي الذي يحظى به بين أنصاره. وفيما يلي 20 دراسة تسلط الضوء على سيكولوجية مؤيدي ترامب وتأثير صعوده السياسي. تصاعد الانقسام والعدوانية السلطوية وجدت دراسة نُشرت في مجلة "بوليتيكال سايكولوجي" أن الشعور بوجود انقسام أخلاقي في المجتمع يعزز الدعم للقادة السلطويين. أجرى الباحثون استطلاعًا شمل مشاركين من الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، وخلصوا إلى أن الأفراد الذين يرون أن القيم الأخلاقية للمجتمع تنهار كانوا أكثر ميلًا لدعم قادة مثل دونالد ترامب، الذين يعتقدون أنهم قادرون على استعادة النظام. تشير الدراسة إلى أن إدراك الاستقطاب الأخلاقي يدفع الناس إلى تفضيل القادة الأقوياء، حتى لو كانوا يخرقون القواعد، طالما أنهم يعدون بمواجهة الوضع القائم. حلل بحث نُشر في مجلة "سوشال سايكولوجيكال آند برسوناليتي ساينس" السمات النفسية لمؤيدي ترامب خلال الانتخابات التمهيدية لعام 2016. ووجدت الدراسة أنه رغم أن النزعة السلطوية اليمينية بشكل عام لم تميز مؤيدي ترامب عن أنصار المرشحين الجمهوريين الآخرين، فإن مؤيدي ترامب تميزوا بشكل فريد بالعدوانية السلطوية وتفضيل هيمنة الجماعة. تجلت هذه السمات في قبول أكبر للتسلسل الهرمي الاجتماعي واستخدام تدابير عدوانية للحفاظ عليه. وتشير النتائج إلى أن جاذبية ترامب كانت، جزئيًا، متجذرة في هذه النزعات السلطوية والتوجهات القائمة على الهيمنة. انعدام الأمن الذكوري والتحيز والسعادة كشف بحث نُشر في مجلة "برسوناليتي آند سوشال سايكولوجي بوليتين" عن ارتباط بين انعدام الأمن الذكوري ودعم السياسات السياسية العدوانية، بما في ذلك تلك التي أيدها ترامب. وجدت الدراسة أن الرجال الذين يشعرون بأن رجولتهم مهددة كانوا أكثر ميلًا لتأييد السياسات العدوانية ودعم قادة مثل ترامب، الذين يجسدون شخصية مهيمنة وحازمة. يُفسَّر هذا الظاهرة جزئيًا من خلال مفهوم "الرجولة الهشة"، حيث يسعى الرجال إلى إعادة تأكيد رجولتهم من خلال تبني مواقف سياسية عدوانية. حللت سلسلة من 13 دراسة، شملت أكثر من 10,000 مشارك ونُشرت في مجلة "نيتشر هيومان بيهيفيور"، التغيرات في التحيز العنصري والديني بين الأمريكيين خلال رئاسة ترامب. ووجد الباحثون أن التحيز الصريح ازداد بين مؤيدي ترامب، بينما انخفض بين معارضيه. تشير هذه النتائج إلى أن خطاب ترامب ربما أعاد تشكيل المعايير الاجتماعية، مما جعل التعبير عن التحيز أكثر قبولًا بين أنصاره. كما جدت دراسة نُشرت في مجلة "سوشال سايكولوجيكال آند برسوناليتي ساينس" أن مؤيدي ترامب يميلون إلى استخدام لغة أكثر إيجابية ويُظهرون تعقيدًا معرفيًا أقل مقارنةً بمؤيدي بايدن. تشير النتائج إلى أن مؤيدي ترامب قد يعتمدون على تفكير أكثر تبسيطًا وتصنيفًا، وهو ما قد يكون مرتبطًا بمستويات أعلى من السعادة والرضا عن خياراتهم السياسية. الجمود المعرفي والتردد تجاه ترامب نُشرت دراسة في "مجلة علم النفس الاجتماعي والسياسي" وجدت أن مؤيدي ترامب يميلون إلى أن يكونوا أكثر جمودًا معرفيًا وأقل دفئًا اجتماعيًا مقارنةً بمؤيدي المرشحين الديمقراطيين. وحتى بين الليبراليين المتطرفين، أظهرت الدراسة أن الجمود المعرفي كان أقل وضوحًا مقارنةً بمؤيدي ترامب، مما يشير إلى وجود ملف نفسي فريد بين قاعدة أنصاره. وأظهرت دراسة نُشرت في مجلة "بلوس ون" أن العديد من الناس يشعرون بالتردد تجاه ترامب. حيث وجدت الدراسة أن حوالي 40% من الطلاب الجامعيين أظهروا ترددًا في مواقفهم تجاه ترامب، مما يشير إلى أن استطلاعات الرأي السياسية قد تتجاهل في كثير من الأحيان تعقيد مواقف الناخبين. قد يكون هذا التردد قد لعب دورًا في النتيجة غير المتوقعة للانتخابات الرئاسية في 2016. أيضا، كشفت دراسة نُشرت في مجلة "العلوم النفسية السريرية" أن الناخبين الأمريكيين، بغض النظر عن ميولهم السياسية، رأوا أن ترامب يعاني من صفات مرتبطة باضطرابات الشخصية السادية والنرجسية. وقد قيم أنصاره ومعارضوه ترامب كأحد الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية بشكل كبير، مع وجود اختلاف في درجة الاضطراب المدرك. أبرزت الدراسة أن الناخبين لم يكونوا منقسمين بشأن صفات ترامب الشخصية، بل كان الاختلاف في كيفية تأثير هذه الصفات على حكمهم بشأن مدى صلاحيته كقائد. النرجسية ودعم ترامب استكشفت دراسة نُشرت في مجلة "علم النفس الاجتماعي" العلاقة بين النرجسية ودعم ترامب. ووجد الباحثون أن النرجسية كانت مرتبطة بزيادة دعم ترامب، وكان ذلك عبر مواقف معادية للهجرة وميول نحو السلطة اليمينية. تشير النتائج إلى أن جاذبية ترامب قد تكون مرتبطة جزئيًا بمحاذاته مع النزعات النرجسية لدى بعض مؤيديه. على نفس المنوال، كشفت دراسة نشرت في مجلة "بلوس ون" أن مؤيدي ترامب يميلون إلى إظهار صفات نرجسية مشابهة لتلك التي يظهرها ترامب نفسه. وحددت الدراسة التهجم واللامبالاة تجاه الآخرين كسمات نرجسية رئيسية توقعت دعم ترامب في انتخابات 2020، مما يشير إلى أن مؤيديه قد ينجذبون إلى شخصيته المتعالية والعنيفة. وأظهرت دراسة نُشرت في مجلة "علم النفس السياسي" أن حملة ترامب في 2016 كان لها تأثير استقطابي على المواقف العنصرية بين الأمريكيين البيض. أولئك الذين دعموا ترامب كانوا أكثر عرضة لخفض قيمة الأشخاص السود بعد الانتخابات، في حين أصبح المعارضون أكثر تعاطفًا. يُبرز هذا الاستقطاب الفجوة العرقية العميقة التي زادها خطاب ترامب. فعالية استراتيجية الألقاب أكدت دراسة نُشرت في مجلة "علم النفس السياسي" أن الناخبين يميلون إلى تعديل آراءهم الأخلاقية لتتماشى مع آراء مرشحيهم المفضلين. ووجدت الدراسة أن مؤيدي ترامب، على وجه الخصوص، كانوا أكثر احتمالًا لتعديل معتقداتهم الأخلاقية لتقليل التناقضات مع مواقف ترامب. ويُشير هذا إلى أن القيادة السياسية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على معتقدات الناخبين الأخلاقية. وبحثت دراسة نُشرت في مجلة "تسويق السياسة" في فعالية استخدام ترامب للألقاب لتوصيف منافسيه السياسيين، مثل «جو النائم» لجو بايدن. ووجدت الدراسة أن العديد من الناس تذكروا الألقاب، لكنها لم تؤثر بالضرورة على مدى تصديقهم للدلالات السلبية المرتبطة بها. تبرز هذه الدراسة حدود استراتيجية الحملة هذه في التأثير على آراء الناخبين. كما وجدت دراسة نُشرت في مجلة "السياسة والدين" أن المسيحيين الإنجيليين البيض الذين يرون أنفسهم أقلية دينية هم أكثر عرضة للاعتقاد أن انتخاب ترامب كان جزءًا من خطة إلهية. وتشير الدراسة إلى أن مشاعر تهديد الهوية الدينية قد لعبت دورًا كبيرًا في الدعم الثابت لترامب بين الإنجيليين البيض. الشعبوية والسلوك الإجرامي وجدت دراسة نُشرت في مجلة "مناقشات الأكاديمية الوطنية للعلوم" أن الأفراد الذين يحملون معتقدات شعبوية قوية، خصوصًا أولئك الذين يواكبون أجندة «أمريكا أولًا» لترامب، كانوا أكثر عرضة لأن يكونوا قد تم القبض عليهم في حياتهم. وتشير الدراسة إلى وجود علاقة بين المعتقدات الشعبوية والإحباط الاجتماعي والسلوك الإجرامي، مما يبرز العلاقة المعقدة بين المعتقدات السياسية والسلوك الشخصي. وكشفت دراسة نُشرت في مجلة "بلوس ون" أن الجمهوريين المؤيدين لترامب، وهم فصيل من أنصاره، كانوا أكثر احتمالًا من المجموعات الأخرى لتأييد العنف السياسي. وأظهرت الدراسة أن هذه المجموعة تحمل معتقدات متميزة بشأن العرق والديمقراطية تميزها عن باقي الجمهوريين وغير الجمهوريين. ومع ذلك، ظل استعدادهم للمشاركة في العنف الشخصي منخفضًا عبر جميع المجموعات. وأشارت دراسة نُشرت في مجلة "سلوك سياسي" أن مؤيدي ترامب الذين حصلوا على درجات مرتفعة في مقاييس الشعور بالضحية الأنانية كانوا أكثر احتمالًا للإحساس بالود تجاهه. في المقابل، كان أولئك الذين شعروا بأنهم ضحايا نظاميين أكثر عداءً لترامب. *(المصدر: مجلة "بسي بوست") إريك دولان هو مؤسس وناشر ومحرر موقع "بسي بوست" الذي يعد واحداً من أبرز المواقع المتخصصة في علم النفس والسلوك.