حقق الشعب السوري، يوم 8 دجنبر من هذه السنة، هدف ثورته، التي تواصلت بين مد وجزر على مدى 13 سنة، منذ انطلاق ما سمي بثورات "الربيع العربي" سنة 2011، بإسقاط نظام استبدادي ديكتاتوري، يده ملطخة بدماء السوريين، استعمل في حقّهم كل أنواع الاعتقالات والاختطافات والتعذيب والتنكيل والقتل خارج إطار القانون والإعدامات الجماعية والتهجير، بل واستعمال أسلحة محرمة دوليا ضد مدنيين، وقد كان مطلب الشعب هو تحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة. وبغض النظر عن الأسباب الظاهرة أو الخفية وراء هذا السقوط المدوّي للنظام، الذي يطرح، بالأساس، إشكاليات بناء الدولة السورية "الجديدة"، خاصة وأن مشكلة النظام السوري السابق أنه كان مرتبطا بشخص وعائلته وبقبضات عسكرية عنيفة، وبالتالي فسقوط بشار أدى إلى سقوط النظام ككل، أي انهيار المؤسسات والأجهزة المرتبطة بشخصه، وهنا الحديث بشكل مباشر عن انهيار الجيش والمخابرات والأمن الداخلي ونظام العدالة والنظام المالي… باعتبار أن كل هذه الأجهزة كانت جزءا من الفساد والتقتيل والظلم… أي أننا أمام دولة صفر… دولة صفر معنى أن الشعب سيكون عليه بناء مؤسساته من جديد… فهل سيكون الحل عبر القرار 2254 الصادر سنة 2015، والذي بموجبه تجري مباشرةُ العملية السياسية في غضون 18 شهرا، يتم، خلالها، وضع دستور جديد وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية ومحلية… تسيّرها الأممالمتحدة، وذلك عبر إنشاء ألية رصد ومراقبة وقف إطلاق النار… وبالتالي، فالحديث عن الآلية، وفق القرار، يشير إلى الأطراف المعنية، أي عبر دول مسار أستانا بشأن سوريا، والتي لا يمكن التكهن بتركيبتها، هل المجموعة الثلاثية المكونة من تركيا وايران وروسيا، أم وفق البلاغ الصادر بتاريخ 7 دجنبر لوزراء خارجية الدول الثلاث بالإضافة إلى المجموعة العربية الخمسة (وهي مصر، العراق، الأردن، قطر، السعودية)؟ ولا يقف المسار إياه عند هذا الحد، بل هناك أسئلة أخرى ملحة: هل يمكن أن تدخل الولاياتالمتحدة في إطار هذه المجموعة، وأيضا إسرائيل، خاصة وأن هذه الأخيرة أعلنت، في خرق للقانون الدولي بوقف اتفاقها مع سوريا لسنة 1974 بشأن فض الاشتباك، وهو عمل مخالف للقانون الدولي، باعتبار أن تغيير الأنظمة أو رؤساء الدول لا يلغي الالتزامات الدولية، بل لقد أقدمت إسرائيل على التوغّل داخل المنطقة العازلة في الجولان، والهدف الأساسي وهو إيجاد موقع قدم داخل رقعة المفاوضات الدولية بخصوص الوضع الجديد لسوريا… وتزداد العملية تعقيدا وتشابكا، بكون فصائل المعارضة المسلحة لا يمكنها وحدها أن تشكّل جيشا نظاميا، لعدة أسباب، تتعلق بكونها فصائل إما قومية أو دينية، أو عشائرية، ومنها من هي مصنفة، وفق الأممالمتحدة وعدد من الدول، بكونها منظمات إرهابية، ومن جهة أخرى، أنها لا تمتلك خبرات ضباط سامين لتسيير وحدات جيش نظامي كبير، بالإضافة إلى طلب قيادات الجيش السوري السابقة من كل أعضائه بنزع البذلة والسلاح والتسريح من الخدمة… وهنا قد تبدو معالم إعادة بناء نموذج جديد للمنطقة خالٍ من السلاح، وهو المشروع، الذي دفعت به الولاياتالمتحدةالأمريكية وعدد من الدول بخصوص غزة، أي أنها تقدّم نماذج عدد من الدول الناجحة والمتقدمة، وهي دول منزوعة السلاح، وفيها جيش محدود جدا، نتحدث عن اليابان وموناكو وكوستاريكا، وليختنشتاين، وإيسلندا… تقريبا 30 دولة، ولكنها تكون محمية في إطار اتفاقية مع دولة أخرى أو منظمة أخرى لعدم المساس بها… وقد كان مطلب إسرائيل، لإنهاء الحرب في غزة، اعتماد هذا النموذج في علاقة إسرائيل مع غزة، بأن تكون منطقة منزوعة السلاح، وأن إسرائيل تتولى هي حمايتها عسكريا، مع ترك مجال أمني داخلي للسلطة الفلسطينية، وهو المقترح الذي رفضته عدد من الدول العربية، وأيضا الفصائل الفسلطينية. بالعودة إلى التجارب الدولية بخصوص نزع السلاح، فإن أغلبها، باستثناء موناكو والفاتيكان، لأسباب تاريخية لا مجال لذكرها، اعتمدت دساتير جديدة تلغي فيها وجود جيوش، وذلك إما لأنها عانت من نظام عسكري وتعرضت لجرائم من قبله كأندورا وهايتي… أو أنها عاشت حربا أهلية طاحنة ككوستاريكا وجزر سليمان وبناما… وتختلف كل تجربة عن أخرى، ولكن القاسم المشترك أن لها قوات داخلية (قد تصل إلى كونها عسكرية، ولكن في إطار محدود جدا كقوات الدفاع الذاتي اليابانية لسنة 1954)، هدفها حماية الأمن وإنفاذ القانون، ولكن لا تمتلك أي قوة عسكرية دفاعية خارجية. إن الشعب السوري، وفق التجارب الدولية، عاش كل الويلات، من جرائم مرتكبة من قبل النظام العسكري، وصولا إلى حروب أهلية. إن الدول التي صرفت المليارات من الدولارات خسرت عددا من جنودها، لا يمكن أن تنسحب بسهولة، إلا في إطار صفقة رابح رابح، ويبقى للشعب السوري الحق في اختيار نظامه السياسي ونظامه العسكري، في إطار احترام الإرادة الحرة له.