- منذ بداية الأزمة السورية بتاريخ 15 مارس/آذار 2011 في شكل احتجاجات شعبية ضد مشروعية النظام السياسي القائم، وتحولها تدريجيا إلى حرب أهلية بين الجيش النظامي والجيش السوري الحر الذي يشكل الجناح العسكري لأغلب فصائل المعارضة، ظل الحلف الأطلسي اختصارا الناتو يؤكد القول، خاصة من خلال تصريحات أمينه العام، السيد أندرس راسموسن، بأن سوريا لا تدخل في جدول أعماله، وأنه لا ينوي التدخل العسكري، وإنما سيكتفي بمتابعة الوضع هناك باهتمام. وهذا الموقف المبدئي من عدم التدخل العسكري تحكمه حسابات عسكرية وسياسية، لكنه يعكس بالأساس العقيدة الأمنية الجديدة لحلف الناتو فيما يتعلق بتدبير الأزمات خارج الحدود الجغرافية لأعضائه. فماهي مرتكزات هذه العقيدة؟ وكيف يمكن أن نقرأ تطبيقاتها على نزاعات الشرق الأوسط؟ ولماذا يمتنع الناتو عن التدخل في سوريا على خلاف ما قام به في ليبيا؟ وهل هناك تناقض بين موقفه بعدم التدخل العسكري ونشره صواريخ باتريوت على الحدود السورية التركية؟ مفهوم التدخل العسكري في العقيدة الأمنية لحلف الناتو منذ نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي (العدو التقليدي للحلف الأطلسي)،عرف هذا الأخير تحولات وظيفية من منظمة تهتم فقط بالدفاع المشترك -ضمن المجال الجغرافي الذي يحدده الفصل الخامس من معاهدة واشنطن لسنة 1949- إلى منظمة تعطي اهتماما متزايدا لقضايا الأمن الجماعي، حيث أصبح يشارك في تدبير الأزمات وعمليات حفظ السلام، ويطور علاقات شراكة مع عدد من الدول غير الأعضاء. وخلال العشرين سنة الماضية تحول الناتو من حلف يرعى الحدود وفق نظام محدد للدفاع المشترك إلى حلف ينظر خارج الحدود الجغرافية لأعضائه out of area حيث تكمن الأخطار الصاعدة التي لها تأثير مباشر على مصالحه. وهذا الأمر يبدو جليا من خلال مشاركته في عدد من عمليات تدبير الأزمات وحفظ السلام مثل عملية IFOR و SFORبالبوسنة والهرسك، عملية KFOR بكوسوفو، عملية ISAF بأفغانستان، عملية NTM.1 بالعراق التي اكتست طابعا تدريبيا، عملية Operation Allied Harmony بمقدونيا، عملية Active Endeavour بالبحر الأبيض المتوسط ثم التدخل العسكري في ليبيا في إطار عملية Unified Protector إلى جانب الدور الإنساني المتزايد في عدد من المناطق مثل دارفور وباكستان... وكل هذه العمليات تتطلب من الناتو مجهودا سياسيا وعسكريا، واستنفرت اعتمادات مالية مهمة. لكنها في نفس الوقت طرحت عدة إشكاليات على مستوى مشروعيتها القانونية، وتبين أن النجاح لم يكن دائما حليفا للناتو. هذا التطور الوظيفي دفع الحلف الأطلسي الى مراجعة عقيدته المرتبطة بتدبير الأزمات خارج الحدود، حيث عرف المفهوم الإستراتيجي الجديد -المختصر الرسمي لهذه العقيدة- ثلاث مراجعات بعد الحرب الباردة: خلال قمة روما عام 1991، وخلال قمة واشنطن عام 1999، وخلال قمة برشلونة عام 2010. ويؤكد هذا المفهوم الإستراتيجي الجديد على أن هناك مشاكل فيما يتعلق بتدبير النزاعات الدولية. غير أن الدور الذي يقوم به الناتو لبناء إستراتيجيات السلام لا يجب أن يفهم منه أنه سيتحول إلى شرطي العالم بدون أية ضوابط أو محددات لمفهوم التدخل خارج الحدود. وبناء على هذه التجارب والمراجعات، أضحى مفهوم التدخل العسكري في العقيدة الأمنية للناتو ينبني على ثلاثة مرتكزات: المرتكز الأول: وجود علاقة بين النزاع والأمن الأطلسي. وهذا معناه أن أي تدخل عسكري لحلف الناتو في نزاع ما، يجب أن يقاس بمدى تأثيره على مصالحه وطبيعة الأطراف المتدخلة في هذا النزاع: هل هي دول أعضاء أم شريكة. فإذا تعلق الأمر بالدول الأعضاء، فإنه في هذه الحالة سيتم تفعيل مقتضيات الفصل الخامس من معاهدة واشنطن، وفي حالة ما إذا تعلق الأمر بالشركاء من غير الأعضاء، فإنه سيتم مراعاة مصالحهم دون إعطائهم أية ضمانة للتدخل العسكري المباشر. ويتبين من خلال هذا المرتكز أن الناتو لا يزعم أو يدعي أنه سيتدخل في جميع نزاعات العالم في جميع القارات بدون محددات.. فهو لايملك الإمكانيات المادية والعسكرية اللازمة لمثل هذه المهمة. كما أن هذا الأمر لا ينسجم مع طبيعته وبنيته كحلف تشكل أساسا لتأمين أعضائه وليس لحماية الدول غير الأعضاء. ومن هذا المنطق، يمكن تلخيص هذا المبدأ في كون الناتو لايتدخل عسكريا إلا في إطار ما يمكن أن يقوم به انسجاما مع طبيعته كحلف عسكري، أي في المجال الذي يملك فيه قيمة مضافة. المرتكز الثاني: وجود شرعية قانونية للتدخل العسكري، بمعنى أن الناتو لا يسعى لأن يكون بديلا عن الأممالمتحدة، وإنما يشترط مسبقا ضرورة التعاون مع المنظمات الدولية، خاصة الأممالمتحدة، وأيضا المنظمات الجهوية كالجامعة العربية من أجل بناء تصور شامل للتدخل العسكري للحلف. وبناء على هذا المرتكز، يشترط الناتو وجود تفويض واضح من مجلس الأمن الأممي حتى يكون التدخل في إطار قواعد القانون الدولي، كما حدث في ليبيا بعد تبني القرار 1973) 2011 ( بناء على مبدأ مسؤولية الحماية responsability to protect. المرتكز الثالث: توفير الشروط السياسية والفعالية الميدانية للتدخل العسكري. ترتبط الشروط السياسية بوجود طلب لتدخل الناتو من جهة الأطراف المتدخلة مباشرة في النزاع، وأيضا توفر دعم إقليمي وجهوي. أما على مستوى الفعالية الميدانية، فإن الناتو لايطمح إلى للتدخل من أجل التدخل، ولكن يطمح لربح المعركة على المستوى الميداني. فهو في نهاية المطاف يبقى حلفا عسكريا يسعى إلى تحطيم القدرات الدفاعية للعدو وفرض إرادته السياسية عليه. وهذا أمر يتطلب إمكانيات مادية وأسلحة وعتادا بالمستوى الضروري والمناسب لإنجاح التدخل العسكري بالشكل الذي ينعكس إيجابيا على صورة الحلف الأطلسي. ويمكن لهذه الشروط أن تمتد إلى مرحلة ما بعد النزاع Post-conflict أي مرحلة إعادة البناء. الناتو وتدبير نزاعات الشرق الأوسط بناء على ما تقدم يتبين أن الناتو لا يرفض، من الناحية النظرية، مبدأ التدخل العسكري في تدبير نزاعات الشرق الأوسط -التي كانت خلال الحرب الباردة ولا تزال- منطقة نفوذ ومركز المصالح الحيوية بالنسبة له ولعدد كبير من أعضائه، خاصة الولاياتالمتحدة الأميركية. فالحلف الأطلسي يرتبط بعدد من دول هذه المنطقة بمبادرتين للتعاون والشراكة بمبادرة منه: الحوار المتوسطي الذي يعود إلى عام 1994 والذي يشمل إسرائيل وست دول عربية (المغرب، الجزائر، تونس، موريتانيا، مصر والأردن)، ومبادرة اسطنبول لسنة 2004 التي تشارك فيها أربع دول خليجية (قطر، الكويت، الإمارات العربية المتحدة والبحرين). ويرتبط نجاح هذه المبادرات في جزء كبير منه بالمساهمة بشكل مباشر أو غير مباشر في حلحلة نزاعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فخلال زيارته لإسرائيل في فبراير/شباط 2005، صرح الأمين العام السابق للحلف الأطلسي هوب شيفر بأن الحلف «يمكن أن يتدخل في النزاع العربي الإسرائيلي إذا كان هناك اتفاق سلام بين الأطراف المتنازعة، وإذا كان هناك طلب مقدم من هذه الأطراف، ثم إذا كان هناك تفويض من الأممالمتحدة». هذه الشروط الثلاثة -إلى جانب المرتكزات سابقة الذكر- تفسر بشكل جلي ملابسات قبوله التدخل في ليبيا وتشبثه بعدم التدخل في سوريا. وفي الحالة السورية هناك ثلاثة اعتبارات لاتنسجم مع الرؤية السابقة وهي: أولا: وجود انقسام داخل مجلس الأمن بسبب المعارضة الشديدة لأي تدخل عسكري من طرف روسيا والصين. فالوضع مختلف تماما عما كان عليه الحال في ليبيا، حينما لجأ الناتو لاستعمال قواته الجوية لتطبيق قرار مجلس الأمن 1973 ) 2011( لحماية المدنيين وإقامة حظر جوي، لأن روسيا والصين لم يستخدما حق الفيتو في مجلس الأمن ضد أي قرار يدين نظام القذافي على عكس مناصرتهم الدائمة للنظام السوري. وإضافة إلى هذا، فإنه ليس هناك أي أفق لتجاوز هذا الانقسام رغم توفر كل الأدلة القانونية لتدخل عسكري في سوريا بناء على مبدأ «مسؤولية الحماية» وإحالة ملف الجرائم ضد المدنيين إلى المحكمة الجنائية الدولية. ثانيا: عدم توفر الدعم الإقليمي لأي تدخل عسكري يقوده الناتو أو أية جهة أخرى. فعلى سبيل المثال تعارض مصر أي تدخل أجنبي في سوريا، فيما طالبت قطر بإرسال قوات عربية لحفظ السلام، بينما ترفض الجزائر مبدأ التدخل جملة وتفصيلا باعتباره يتعارض مع مبدأ السيادة، أما المغرب فهو يؤكد من جهته، على أهمية الحل السياسي وإعطاء أهمية أكبر للدور الإنساني داخل سوريا وفي مخيمات اللاجئين... وقد أدى هذا التضارب في المواقف إلى فشل الجامعة العربية في القيام بدور يذكر في تدبير هذا النزاع... فإذا كانت هذه الأخيرة قد اتخذت موقفا واضحا من خلال تأييد قرار مجلس الأمن المتعلق بالأزمة الليبية، وطالبت بتدخل عسكري لحماية المدنيين في ليبيا، وأن دولا عربية، خاصة قطر، ساهمت ميدانيا في العملية العسكرية لحلف الناتو.. فإن هذه الشروط غير متوفرة في الحالة السورية. ثالثا: لايوجد هناك ترحيب من طرف المعارضة السورية للتدخل الخارجي الأجنبي. هذه المعارضة التي بدأت منقسمة وغير مجهزة وفاقدة للخبرة في مواجهة أحد أهم الجيوش العربية تسليحا وتدريبا.. أضحت الآن رقما أساسيا في معادلة النزاع بعد تسليحها من طرف قوى إقليمية وغربية، واعتراف عدد من الدول بالإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية كممثل للشعب السوري، والتقدم الميداني الذي حققه الجيش السوري الحر... وعليه، فإن التوجه العام داخل فصائل المعارضة السورية يميل إلى معارضة أي تدخل أجنبي خارجي، خاصة من طرف الناتو. وبعبارة أخرى، فإن الدعم الإقليمي لتدخل أجنبي خارجي عسكري قد تغير، وأن المعارضة التي طالبت به في وقت كان يبدو فيه الانتصار مستحيلا على الجيش السوري، قد تغير موقفها اليوم. استبعاد التدخل العسكري في سوريا يتبين من خلال الاعتبارات سالفة الذكر أن الشروط التي يضعها الناتو لتدبير النزاعات في الشرق الأوسط غير متوفرة في الحالة السورية، وأكثر من هذا، فهناك حسابات أخرى لعدم التدخل ذات طبيعة داخلية وخارجية، عسكرية وسياسية بالنسبة للحلف أهمها: الانقسامات الداخلية: فكرة التدخل في النزاع السوري مطروحة للنقاش على مستوى الهيئات السياسية والعسكرية بحلف الناتو. فهناك اتجاه تقوده الولاياتالمتحدة وبريطانيا وتركيا والأمين العام يميل ليس إلى التدخل على شاكلة النموذج الليبي، ولكن باعتماد خطة عسكرية لتأمين الأسلحة الكيماوية التي يمتلكها النظام السوري، والحيلولة دون وصولها كاملة أو أجزاء منها إلى حزب الله بلبنان. وفي المقابل، هناك توجه آخر محافظ تقوده ألمانيا وهولندا يرفض التدخل في هذا النزاع ويشكك في إمكانية استعمال النظام السوري السلاح الكيماوي. وفي الحقيقة، فإن هذه التوجهات هي استمرار للانقسامات الداخلية حول هوية الناتو بعد الحرب الباردة وانعكاسا لطبيعة التكتلات الجغرافية داخل الحلف، فالدول التي ترتبط جغرافيا بالشرق الأوسط والدول المغاربية تميل دائما إلى إعطاء دور أكبر للحلف الأطلسي في هذه المنطقة، بينما توجد دول أخرى مثل ألمانيا وبولونيا تفضل تقوية شراكة الحلف وتعاونه مع دول أوربا الشرقية. انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية: إن سياسة التقشف التي اعتمدتها أغلب دول الناتو انعكست بشكل مباشر على ميزانيات الدفاع، وبالتالي على الاعتمادات المخصصة للحلف الأطلسي. فأغلب ميزانيات الدفاع الأوربية تتجه نحو الانخفاض: على سبيل المثال، فإن ألمانيا ستقلص ميزانيتها الدفاعية بنسبة الربع خلال السنوات الأربع القادمة، وسيتم تقليص ميزانية الدفاع البريطانية إلى أكثر من 8 بالمائة من قيمتها الحالية بحلول عام 2015. وهذه الاعتبارات تضعف من قدرة الناتو على التدخل العسكري الخارجي. فخلال قمة شيكاغو الأخيرة دعا الحلف إلى التركيز أكثر على تأثير السياسات التقشفية على قدراته العسكرية.. وعليه، فإن التدخل في سوريا يطرح من جديد إشكالية التمويل، خاصة وأن الدول الأعضاء لا تتقاسم الأعباء المادية والعسكرية التي يتطلبها التدخل العسكري بشكل متساو. تآكل النظام السوري من الداخل: يدرك الناتو أنه بعد أكثر من سنة ونصف من النزاع لم يعد النظام السوري قادرا على الاستمرار، خاصة بفعل الانشقاقات داخل الجيش النظامي وتنامي قوة الجيش السوري الحر. فالتدخل في مثل هذه الظروف يزيد من المشاكل، ولن يشكل قيمة مضافة لحسم المعركة التي ستكون نتيجتها لصالح القوى الإسلامية كما حدث في ليبيا، وهذا ما لا يريد تكراره. خاصة وأن المعارضة -في نظر الناتو- يتجاذبها عدد من تيارات الإسلام الجهادي المعادية لإسرائيل. وبالتالي، فإن البيئة السياسية التي سيفرزها التدخل العسكري للناتو لا تتقاطع مع مصالحه. التوازن الإستراتيجي في الشرق الأوسط: مما لاشك فيه أن الناتو ينظر إلى النزاع السوري بناء على التوازن الإستراتيجي بين إسرائيل ودول المنطقة. فإحجام الناتو عن عدم التدخل ينطوي على رغبة أكيدة لإخراج سوريا من دائرة التوازن الإستراتيجي مع إسرائيل بحكم قدرتها العسكرية. وهذه المدة الطويلة للنزاع، سواء انتهت بسقوط نظام الأسد أو عدم سقوطه، فإنها بالتأكيد سوف تخرج سوريا من محور التشدد الإقليمي، أو ما يسمى بمحور الممانعة، وسيفقد التحالف الإستراتيجي الثلاثي: إيران، حزب الله، وسوريا أحد أركانه الأساسية، وهذا ما يصب في مصلحة إسرائيل، حيث ستنشغل سوريا أكثر فأكثر بدوامة قضاياها الداخلية. تعدد جبهات الصراع: يرتبط هذا الاعتبار أساسا بكون الناتو حديث عهد بالخروج من النزاع الليبي، ولا يريد أن يتورط في نزاع إقليمي آخر يأخذ من طاقته كما حصل في ليبيا ويحصل في أفغانستان، وإضافة إلى هذا، فإن هناك التدخل الفرنسي في مالي، حيث لا يمكن للناتو أن يعول على الدعم العسكري الفرنسي في هذه الظروف، بحكم تركيز النخب العسكرية الفرنسية على نجاح العملية العسكرية في منطقة الساحل. وهنا يجب التذكير بأن الناتو لا يمتلك جيشا خاصا، وإنما مركز قيادة عسكرية، ويباشر عملياته العسكرية من خلال القوات التي تساهم بها الدول الأعضاء في الحلف. نشر صواريخ باتريوت في تركيا من نافلة القول التذكير بأن الناتو لن يتدخل في سوريا، لكن إقدامه على نشر صواريخ باتريوت بتركيا على الحدود السورية التي تبلغ 877 كيلومتر يثير علامات استفهام عديدة. ففي نظرالنظام السوري وحلفائه، تعتبر هذه الخطوة إيذانا للتدخل العسكري في سوريا، بحيث يمكن استعمال صواريخ باتريوت في حالة تغير موقف الحلف كجزء من العملية الجوية، كما يعتبرونها تصرفا استفزازيا في إطار استعراض القوة، وأنها لا تقدم دليلا على حسن النية والرغبة في تشجيع الحل السلمي للأزمة السورية، إلى جانب اعتبار هذه المناورة تحفيزا للمعارضة السورية على حربها ضد الجيش النظامي... غير أنه من وجهة النظر العسكرية وبناء على مقتضيات الدفاع المشترك، فإن نشر هذه الصواريخ يدخل في إطار الاعتبارات التالية: تفعيل الفصل الخامس من معاهدة واشنطن الذي ينص على مبدأ التضامن في حالة تعرض أحد أعضاء الحلف للاعتداء أو التهديد الذي يمس بأمنه وسيادته ووحدته الترابية. وللإشارة، فإن هذا الفصل لم يتم تفعيله في تاريخ الحلف الأطلسي إلا مرة واحدة سنة 2001 بعد أحداث 11 سبتمبر. وضمن هذا الإطار تدخل استجابة الناتو لطلب تركيا بنشر بطاريات من صواريخ الباتريوت على حدودها المحاذية لسوريا، من أجل صد أي عدوان محتمل من طرف هذه الأخيرة ضد معارضي نظام الأسد الذين تحتضنهم تركيا. وفي ارتباط مع ما تقدم ذكره، فإن الناتو يتعامل مع الأزمة السورية بناء على عضوية تركيا في هذا الحلف، وهو ما يستوجب حمايتها ضد أي تهديد حقيقي أو محتمل، خاصة بعد حادث تدمير قاذفات قنابل تركية من طرف الدفاعات الجوية السورية.. ومن جهة أخرى، فإن هذا النظام من الصواريخ لا يعتبر بأي حال تمهيدا للتدخل العسكري بسوريا، لأنه لن يستخدم خارج الحدود التركية، ولايحقق أية حماية للمدنيين السوريين أو الثوار على حد سواء. فهو نظام دفاعي بحت، الغرض منه هو ردع سلاح الجو السوري ومنعه من قصف الحدود الشمالية السورية التي يسيطر عليها الثوار... وللتذكير، فإنه سبق للحلف أن نشر هذا النوع من الصواريخ على التراب التركي خلال حروب الخليج سنة 1991 و2003، غير أنه لم يستعملها، وتم جمعها بعد انتهاء الحرب بشهور قليلة. وخلاصة القول، فإن التوجه العام للحلف الأطلسي يتجسد في عدم التدخل العسكري في النزاع السوري سواء بتفويض أم عدم تفويض من الأممالمتحدة. وحتى في حالة استعمال النظام السوري للسلاح الكيماوي -وهو أمر مستبعد جدا- فإن هذا الأمر لن يؤدي إلى تغيير موقف الحلف الأطلسي. بعبارة أخرى مسألة استعمال السلاح الكيماوي يمكن أن تدفع بعض أعضاء الحلف في إطار تحالف تقوده الولاياتالمتحدة الأميركية وبريطانيا Coalition of the willing إلى التدخل وليس الحلف الأطلسي كمنظمة. *أستاذ بجامعة أوتاوا بكندا ومتخصص في شؤون الحلف الأطلسي والسياسات الدفاعية والأمنية بالعالم العربي عن مركز الجزيرة للدراسات