أحمد الشرعي ليس إلا أداة في أيدي أصحاب النفوذ، نصب نفسه مدافعا عن أرذل الجلادين في عصرنا. في مقال (منشور على صحيفة إسرائيلية بتاريخ 24 11 2024) مُشبع بالسفسطة والجبن الأخلاقي، يمتدح الظلم تحت ستار القانون. ولكن ما هو هذا النص، إن لم يكن تجسيدا لاستسلام القلم أمام الوحشية، وخيانة من طرف سلاح القلم الذي كان ينبغي أن يقف مدافعا عن المظلومين؟ يزعم أحمد الشرعي أنه يدافع عن سيادة الدول، لكنه يضفي الشرعية على الإفلات من العقاب فقط. وهو يهاجم المحكمة الجنائية الدولية لتغطية الجرائم التي تعتزم هذه المؤسسة الحكم على مرتكبيها. الحق في الدفاع عن النفس من طرف إسرائيل هذا هو التبرير الذي يلوّح به الشرعي، يصبح في منطقه ذريعة الطغاة. لأنه في عينيه لا يوجد أطفال تم تمزيقهم إلى أشلاء، ولا مستشفيات تعرضت للقصف بالقنابل، ولا أحياء تحولت إلى رماد. كلا، كل هذا يٌمحى خلف خطاب بارد ومحسوب: المذابح تصبح "أضرارا جانبية"، ويصبح الضحايا " أرقاما وإحصائيات". هل لا يزال بالإمكان التحدث عن الدفاع عن النفس عندما يتحول إلى إبادة جماعية لشعب بأكمله؟ هل يمكن للمرء أن ينظر إلى أنقاض غزة ويدعي أنه يرى شيئا آخر غير حقل من الأنقاض البشرية؟
السيد الشرعي يتهم المحكمة الجنائية الدولية بالتدخل في سيادة إسرائيل، لكنه لا يتذكر سبب وجود هذه المحكمة: ألا وهو أن تتحرك عندما تمارس العدالة الوطنية المراوغة حتى لا تؤدي مهمتها. إن المحاكم الإسرائيلية، التي يعتبرها نموذجا للنزاهة، لم تكن لديها أبدا الشجاعة أو المصلحة لكي تحاكم بجدية من ارتكبوا الجرائم ضد الفلسطينيين. ماذا تبقى بعد ذلك؟ صمت الإفلات من العقاب، الذي يشيد به الشرعي، من منطلق وضعه هو العبد المطيع لنظام عالميُّ القويّ يٌسحق فيه الضعيف دون انزعاج. وبما أنه لم يكن قادرا على دحض الحقائق، يسعى الكاتب إلى صرف الانتباه: ليست إسرائيل، ولكن إيران هي الجاني الحقيقي! آه، دائما تلك الحيلة المبتذلة! إلقاء اللوم على طرف آخر من أجل التملص من الدم على يديه بشكل أفضل. لكن العالم لم ينخدع. نرى، وراء هذا الستار من الدخان، جرائم دولة تقصف المدنيين وتحاصر شعبا وتسمي جريمتها بالمحافظة على الأمن. الشرعي يهاجم المحكمة الجنائية الدولية معتبرا إياها مسيّسة ومتحيزة. ولكن حتى لو كانت مجرد محكمة غير نموذجية، فإن وجودها هو شعاع نور وامض في عالم مظلم. إن الفضيحة الحقيقية ليست تسييس العدالة بل هي غياب العدالة أصلا. وما هو البديل الذي يقدمه السي الشرعي؟ لا شيء، باستثناء الخضوع لرغبات وقواعد الأقوياء وقبول ما هو غير مقبول. السيد أحمد شرعي ليس كاتب رأي بسيط. إنه قلم الجلادين وصدى صوت الطغاة. إن مقاله ليس مرافعة للدفاع بل هو تنازل عن الكرامة الإنسانية وخيانة لضحايا هذه الحرب. ما فائدة الكلمات إذا كانت تصلح لممارسة الدعارة في خدمة الاضطهاد؟ ما فائدة القلم إذا أصبح قلم الأقوياء؟ اختار السيد الشرعي أن يتملق للظالمين. فلتحكم عليه الأجيال القادمة كما هو على حقيقته: الرجل المدافع عن الشر وشريك للظلمات الحالكة. لن نصمت. العدالة لا تتميز بصفة الكمال، لكن يجب أن تكون موجودة. وإذا كان الشرعي يصر على تشويه صورتها وتشويه الحقيقة، فذلك لأنه يعلم أن أسياده يخافون من الحقيقة. لكن الحقيقة لا ترحم. إنها الضحايا، الأنقاض، دموع الأبرياء: كل هذا يصرخ بصوت أعلى من كلماته. فيا من قرأ هذه السطور لا تنخدعوا، إن التاريخ سيحكم. وفي محكمة التاريخ، لن يُنسى لا السيد الشرعي ولا أسياده ولا جرائمهم.