سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان تضمن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب لمجموعة من المقتضيات التي تعيق وتقيد هذا الحق الدستوري، وتعطي امتيازات للمشغل على حساب الأجير وحقوقه، وأوصى بحذفها أو تعديلها. وقال المجلس في مذكرة حول المشروع إنه ومنذ البداية تم تقديم تعريف للإضراب مغاير لتعريف منظمة العمل الدولية، وهو تعريف قد يؤدي إلى تقييد غير مباشر لممارسة هذا الحق الدستوري، ويمنع فئات كبيرة من الأجراء منه.
وأضاف أن هذا التعريف سمح ضمنيًا بالإضراب الجزئي، إلا أنه منع بعض أنواع الإضرابات مثل الإضراب التضامني والإضراب بالتناوب، فضلاً عن احتلال أماكن العمل، منبها إلى أن القيود التي تُفرض على أنواع الإضراب تكون مبررة فقط في حالة ما لم تكن سلمية. وأوصى المجلس الحكومة بتوسيع تعريف الحق في الإضراب ليشمل الدفاع عن المصالح المعنوية والمهنية الفردية والجماعية للعمال، والإقرار بمشروعية كافة أشكال الإضراب، مادامت تحترم مبادئ التنظيم والسلمية وعدم عرقلة حرية العمل، مع توسيع دائرة الجهات التي يحق لها ممارسة هذا الحق لتشمل فئات الأجراء الذين لا يخضعون بالضرورة لمدونة الشغل أو لقانون الوظيفة العمومية. وشدد المجلس الوطني على وجوب التنصيص على حق الإضراب للنقابات التي ليست من الأكثر تمثيلية، خاصة حينما يرتبط الإضراب بحقوق أفراد أو مجموعات صغيرة على صعيد المقاولة أو المؤسسة، مع حصر لائحة الفئات التي لا يحق لها ممارسة الحق في الإضراب بما يتلائم مع مبادئ منظمة العمل الدولية، ناهيك عن التوصية بخفض النصاب القانوني للإضراب الذي تحدد في ثلاثة أرباع الأجراء. وبخصوص القطاعات التي تستلزم الحد الأدنى من الخدمة، أكد المجلس على ضرورة تمتيع هذه الفئة التي تعمل على توفير هذا الحد الأدنى بالضمانات البديلة للتفاوض الجماعي تعويضا عن هذا القيد، مشددا على ضرورة ألا يصل المنع إلى كافة الفئات العاملة بالوزارات أو القطاعات المذكورة، وأن يقتصر المنع على فئات محددة منها فقط، ممن يتحملون مسؤوليات باسم الدولة على النحو الذي تحدده مبادئ منظمة العمل الدولية. ولاحظت المذكرة أن المشروع لم يعط تفاصيل محددة حول شرط توفير الحد الأدنى من الخدمة وكيفية التفاوض عليه، إضافة إلى أن دائرة المرافق الحيوية قد شملت بعض القطاعات التي لا تعتبرها معايير منظمة العمل الدولية خدمات أساسية يشكل انقطاعها خطرًا على صحة وسلامة المواطنين. وبخصوص منع الإضراب لأهداف سياسية، اعتبر المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن هذه الصيغة واسعة، وقد لا يسمح بالتأطير القانوني لبعض الحالات التي يصعب فيها الفصل بين النقابي والسياسي، حينما يتعلق الأمر بدفاع الأجراء والموظفين عن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، وأوصى يحذف هذا المنع أو استبداله بالصياغة التالية "يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية بحتة محضة ممنوعا". وارتباطا بتعليق الإضراب خلال الأزمات الوطنية والكوارث، سجل المجلس ان المشروع لم يعط بدائل وآليات لضمان حصول توافقات سلمية في مرحلة المفاوضة الجماعية بين الأجراء والمشغلين، كما لم يتم تحديد مفهوم الأزمة الوطنية، ونبه إلى أن هذه المقتضيات لا تستحضر مبدأي الضرورة والتناسب في فرض قيود على الحق في الإضراب، وأوصى بأن تتولى جهات مستقلة ومحايدة تحظى بثقة جميع الأطراف المعنية هذه المهمة. و انتقد المجلس المادة 7 من المشروع التي نصت على عدم إمكانية اللجوء إلى ممارسة حق الإضراب إلا بعد انصرام أجل 30 يوما من تاريخ توصل المشغل بالملف المطلبي من الجهة التي يمكن لها الدعوة إلى الإضراب. ولفت إلى أن هذه المادة لا تنص على الحلول التي قد يتم اعتمادها في حالة رفض المشغل تسلم الملف المطلبي أو إجراء مفاوضات، كما لاحظ طول الآجال الزمنية وتعددها، وأوصى باستبدال كافة الاجال في المشروع بمادة واحدة توضح الإطار الزمني في مدة معقولة دون تعقيدات مسطرية. وفيما يخص اللجوء إلى قاضي المستعجلات في حالة عدم الاتفاق على مفهوم ضمان استمرار الخدمات الأساسية لتفادي اتلاف الممتلكات والتجهيزات والآلات في أماكن العمل، نبه المجلس إلى أن المشروع أعطى حق هذا اللجوء إلى المشغل فقط، حيث لا يمكن ممارسة الإضراب إلا بعد صدور أمر قاضي المستعجلات، وبذلك لا يتضمن مقتضيات تسمح بتحقيق التوازن المطلوب في اللجوء إلى الحماية التي يوفرها القضاء الاستعجالي لكلا طرفي نزاعات الشغل، وأوصى بالتنصيص على إمكانية اللجوء إلى قاضي المستعجلات من طرف العون المكلف بالتفتيش أو الأجير، لتحقيق التوازن. وعلى مستوى الشكل، دعا المجلس إلى إضافة ديباجة أو مادة فريدة تذكر بالأسس والمبادئ التي تستند عليها مقتضيات القانون التنظيمي فيما يتعلق بممارسة الحق في الإضراب، خاصة فيما يتعلق بحماية الحرية النقابية وضمان التوازن بين حقوق والتزامات مختلف الأطراف، وحماية حقوق المواطنين من خلال استمرار المرفق العام والخدمات الأساسية.