إن الكيان الإسرائيلي الذي لا مرتكزات له ، لا قانونية و لا سياسية أو اجتماعية ولا مواصفات له تمكنه للارتقاء لدرجة دولة أو حتى له مقومات الاصطفاف بجانب المجتمع المتجانس لولا التدخل العنيف لبريطانياوالولاياتالمتحدةالأمريكية بآلياتها الإعلامية وال "قانونية " وانتهاز فترة الهيمنة الاستعمارية لتضع هذا الكيان على خريطة المجتمع الدولي وتتحايل على العالم مقدمة أسباب نبيلة إنسانية ورفعا لظلم لحق "شعبا مختارا " كل ذلك من أجل ا، تمكنه مع الوقت ليحظى بالقبول والاندماج ضمن المجموعة الدولية ، وما حصل له منذ 76 ستة ما هو الا امتداد لمرحلة استعمارية مازالت تشكل جوهر سياسات الدول العظمى خاصة منها دول الغرب الأوروبي والولاياتالمتحدةالأمريكية ، التي تعتبر الحاضنة والمدعمة بكل الوسائل المادية والقانونية والعتاد الحربي والمعلومات المخابراتية لأنها من خلال هذا الكيان تحافظ وتحمي الدول الغربية مصالحها في الشرق الأوسط وتبقي على شعوبه في قبضة أنظمة محلية لا تعرف للديموقراطية سبيلا ، لذا فليس غريبا أن يكون هذا الكيان من صنع أمريكا والدول الغربية التي تتقاسم ذهنية الهيمنة والاستعمار ولم تتخلص من ذلك الطابع الفكري، بالرغم من كل المراحل التي مر منها تطورها الثقافي الذي كان في الواجهة شكلا وبلا ممارسة على أرض الواقع خاصة بالنسبة لتفعيل تلك المبادئ والقوانين التي تضمن الحريات والسلم العالمي ، غير أن ذلك لم يكن إلا بمثابة واجهة تستثمر خارجيا للاستمرار في نهب الشعوب المتخلفة والتي مازالت تغط في سبات عميق . لكن ما جرى ويجري في فلسطينالمحتلة فتح عيوننا وعقولنا على حقيقة ، قانونية وسياسية وواقعية تخص الكيان الصهيوني وتركيباته وبكل تفاصيله السيسيولوجيا والنفسية المرضية والاجتماعية المركبة والمتنافرة التي تنبعث منه من خلال نمط عيشه الذي يقوم على الكراهية والعنصرية وعدم اعتبار الأخر مهما كان واينما كان ، فالمسؤول الذي يؤمن بقتل الأطفال لأنهم فلسطينيون ويجوعهم ويغتال الرجال والنساء مباشرة ودون أي سبب وجيه ، دليل قاطع على ان الوحشية التي تأسست عليها هذا الدولية بمباركة الغرب وأمريكا ، هي عنوان تهديد دائم للسلام والتنمية البشرية في منطقة الشرق الأوسط وباقي العالم. لذا فإن من يعتقد أن الكيان الإسرائيلي شكل منذ 1948 دولة فهو لم يستوعب بعد فلسفة قيام هذا الكيان والمرجعيات الأساسية التي يقوم عليها. وهذا ما يستنتج من كل بنياته القائمة منذ ذاك الوقت الى الأن ، بحيث اننا نجد أنفسنا أمام ثكنة عسكرية متحركة تمتد في الزمان والمكان وأن السكان اليهود مجرد عناصر وقعت في شراك متين باسم الدين وباسم الشعب المختار وبكل الزخم الذي صنعته الصهيونية من أدبيات وأساطير آمن بها الغرب الذي مازال يعيش على عقدة الذنب اليهودي على إثر ما قيل أنها "محرقة اليهود " أيام حكم أدولف هتلر ، كما انتقلت تلك العقيدة لأمريكا الشمالية مع أفكار المستعمرين الأوروبيين لتراب أمريكا الذي أطلق عليه فيما بعد بالولاياتالمتحدة بعد إبادة أغلب سكانها الأصليين الهنود الحمر وتخصيص معاملة عنصرية لذوي الأصول الإفريقية و(اللاتينو – إسبان) . لدا أصحى واضحا وأكيدا عمليا ،أن بناء الدول واستقرارها لا يرتكز على الركن المادي الوحيد أي القوة العسكرية والبوليسية، بل إن بناء الدول عقد اجتماعي وتوافق للإرادات وتماسك للعيش المشترك والترابط الاجتماعي والتعاون ضمن مجموعة يطلق عليها الشعب بحيث تتم عمليات معقدة ووطيدة من شبكات التعاضد والتلاحم بين افراد الشعب بفضل التشارك في العادات والتقاليد والأعراف والقيم والثقافة والهويات والأصول ،والأكيد هو أن استمرارية الدولة وامتداد جذورها يكمن في تواجد تلك الإرادة العامة للشعب وانتمائه الفعلي وانخراطه في النشاط الوطني والإقليمي وتفعيل وطنيته من خلال مشاركته المباشرة في تحريك الآليات الديموقراطية وصيانتها عبر تحديثها وحمايتها من التراجع عن المكاسب الحقوقية والقانونية للرقي بها نحو دولة حضارية وديموقراطية يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات دون تمييز .كل ذلك من أجل إقامة وحدة بشرية لها مميزاتها وخصوصيتها من بين أمم العالم وشعوبها ، ولتساهم في التراث العالمي عبر ثقافاتها المختلفة وتراكمات نشاطاتها العلمية والعملية في بناء صرح عالمي يساهم في إرساء قواعد الأمن الاجتماعي والرخاء الاقتصادي والسلم العالمي . كل ذلك من شأنه أن يبلور ترابطا شعبيا ضمن منظومة اجتماعية واقتصادية مندمجة تشكل وحدة متناغمة بالرغم من اختلافات بين مكوناتها نطرا لاختلاف اللغات والثقافات والديانات والأعراق لكن ذلك لن يحول دون تماسك تلك المجموعات البشرية التي تحضنها القوانين ،وقبل ذلك الإرادات التي توحدت من أجل بناء الدولة بكل ما يترتب على دلك من التزامات بين كل الأطراف المتعاقدة والتي عبرت عن ذلك من خلال تصويتها عند كل استشارة قانونية للتعبير عن موقفها .ومن خلال كل هذا تتم عملية التبادل والترابط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ، مما يخلق اليات لصناعة ثقافية وفكرية ومناهج للبحث العلمي والأدبي وطرقا للاستكشاف العلمي ، وكل ذلك من شأنه أن يراكم أرصدة من المعارف والتجارب والخبرات تنصهر فيما بينها لخلق مجتمعات متميزة وهويات غنية تضيف قيما وتطورات لمسارات الدورة التاريخية للبشرية. وهذا ما يحصن مؤسسة الدولة منذ بداية نشأتها من كل الانحدار الذي قد يحصل خلال مسيرة تطور نموها ودلك من خلال احتضانها للحقوق والتزامها بالواجبات التي عليها وعدم التراخي في الوقوف على كل خلل قد يشوب مسارها ويحيد عن استراتيجيتها الأساسية في كونها آلية مستدامة ولاحمة لكل مكونات الشعب وحارسة وضامنة لكرامتهم ومعاملتهم بعن التساوي ووقوفها في موقع الحياد التام والتفعيل الحقيقي لدورها كألية لها الصلاحيات المخولة لها بموجب الدستور والاتفاقات الدولية التي وقعتها والتي تم التفويض لها باسم مكونات الشعب ضمن اختصاصاتها . إذن الدولة ليست" كيانا خشبيا "كما يقول أرسطو، بل كيان حي ومتفاعل ويتطور، ويضمن ممارسة الحقوق للأفراد والجماعات كل وفق ما تنص عليه القوانين وتحميها وتحفظها لهم كل على حدة دون تفرقة أو زيادة او نقصان. بدون النطر للون ولا الدين او العرق او اللغة التي يتحدث بها الشخص او الجماعة. لأن اعتماد مقياس وميزان الحق بالحجة والدليل واتباع العمل الديموقراطي في ذلك، يدعم التماسك للمواطنة ويمنحها بعدا عميقا وهو السبيل لتطورها وتحولها الى أساس مدعم لاستمرارية الوطن واستقراره على أرضية صلبة كل ذلك يساهم في كيفية توزيع الخيرات بسلاسة ودون نزاع او خلافات بين مكونات الشعب. إلا أن التطور الحاصل إثر العدوان على غزة من قبل الكيان الإسرائيلي، تقاطرت الأسئلة وطرحت إشكاليات عديدة، تخص مآل الكيانات الدولاتية التي تفبرك بالقطع المقسطة وتدعم من كل جانب لغرض في نفس يعقوب، حنى تصير قوة عسكرية لا غير، لأنها بالأساس مبنية من أجل غرض واحد ووحيد ألا وهو استعمال القوة ضد كل شعوب المنطقة التي تطمح للتحرر واسترداد خيراتها التي نهبت بفعل تواجد ذاك الكيان المصطنع والذي يتشكل جوهره من فكر عسكري عدواني وعنصري ولا إنساني. وهذا التطور كشف زيف كل المبادئ والمفاهيم والأسس الأخلاقية التي طلت لرده من الزمن مغطى بشعارات براقة أبهرت الكثير وصاروا يستشهدون بها على أساس أنها حقائق وجب تكريسها في بلدانهم، والحال أنها فعلا حقائق ولكنها لا تتعدى حدودها ، وفي أحيان كثيرة لا تطبق حتى بداخل من وضعوها كأسس لدول تدعي الحضارة والديموقراطية وحماتها عبر بقاع العالم . والحاصل كله هو اننا أخيرا عرفنا ان كل ذلك كان واجهة ظاهرها ديموقراطي وباطنه ديكتاتوري وعنصري ،وبالتالي فالعقلية الأوربية والأمريكية والتي طالما كانت مرجعية وقنوات واستدلالات فكرية لمبادئ وقيم وقوانين ومواثيق ومواقف تخص الإنسانية والمجتمعات والتنظيمات والمكتسبات الحقوقية وكرامة العيش والحفاظ على بيئة سليمة للعيش الكريم ورفاهية الإنسان ، عبارة عن تسويق إشهاري لسلعة لا وجود لها على أرض الواقع ، خاصة بالنسبة لأرض شعوب العالم المتخلف الذي عانى من الاضطهاد والاستغلال لعهود طويلة ومازالت الأمور كما هي وإن تبدلت السبل والأساليب . وعليه فإن سياق كل ما سبق كشفته في واضحة النهار، الأحداث والكوارث التي يقوم بها الكيان الصهيوني بالمنطقة ، عن اعتقاد خاطئ أو عن غير وعي ،أو بسبب تمركز الذهنية الصهيونية المبنية على الكراهية والتمييز العنصري لغير اليهودي ،لذا ساد اعتقاد خاطئ لدى مؤسسي الكيان الصهيوني أنه من الممكن استتباب الأمن والاستقرار لخليط من الناس لأنهم يعتنقون ديانة يهودية بالرغم من اختلاف أجناسهم والأرض التي ولدوا فيها وتربوا على عاداتها وتقاليدها ولغاتها وهم يحملون كل ما يملكون من هويات وذكريات وثقافات وعلاقات اجتماعية وعادات مختلفة ، جاؤوا من المانياوروسيا وبولندا وفرنسا وكندا والولاياتالمتحدةالأمريكية والمغرب وتونس ومصر ، وتقوم الحركة الصهيونية على اساس السيطرة اليهودية على العالم، كما وعدهم "إلاه يهوه "كما يعتقدون ، ومن هنا سعوا الى إقامة حكومتهم على أرض "الميعاد" فلسطين ،والتي حدودها من نهر النيل إلى نهر الفرات. ويعتقدون أن اليهود هم العنصر الممتاز الذي يجب أن يسود، وكل الشعوب الأخرى خدم لهم. كما أن هذه الحركة، كما جاء في كتاب "تيودور هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية ،"دولة اليهود" تقوم على ثلاثة مبادئ أولها توحيد القبائل اليهودية في شعب واحد وثانيها عدم السماح باستيعاب اليهود في أي شعب آخر ،ولتحقيق هذه الأهداف وجب إيجاد وطن يقيم فيه كل يهود العالم . وهكذا استقر اليهود المهاجرين من كل بقاع العالم في أرض ليست أرضهم بناءا على وعد من البريطاني اللورد بلفور الذي اعتمدت علية الدول ذات الماضي الاستعماري والتي مارست نفس النهج بالقضاء على السكان الأصليين في كل من أمريكا وكندا وأستراليا بل هجرت الأفارقة لبيعهم في أمريكا كعبيد للعمل في مزارع القطن لكبار الملاكين الفلاحيين. إن ما هو مؤكد في ها كله هو ان "إسرائيل" ككيان مصنوع بكل تفاصيله وبكل الأدبيات والتفسيرات لتاريخ مبني على التزوير والكذب، هي المقصودة بالأساس بل هي جسر سينتهي لما تنتهي المصالح الاستراتيجية التي تكمن في الطاقة بكل أنواعها والتي تتوفر عليها منطقة الشرق الأوسط بكميات هائلة تفي بالغرض لتكون الصناعات ومعامل الأسلحة تشتغل دون توقف لسنوات عديدة .فالمصالح الكبرى للدول الغربية والتي تمركزت في تلك المنطقة هي التي تفسر لنا السبب الذي جعلت تلك الدول كلها تتكتل من أجل حماية هذا الكيان الذي رغم عربدته وعجرفته وتجاوزه لكل القيم الإنسانية والدولية بل ، والقيام بممارسات تتناقض مع مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية في المدى البعيد ،بل وتعلنها جهارا وفي واضحة النهار ، لأنها تمتلك التواجد الفعلي المالي والفكري وداخل مكونات القوى السياسية للحزبين الحاكمين في أمريكا ومن خلال القوة الضاغطة للوبيات، الأمر الذي جعلها دولة فوف كل شيء ، فوق القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة وكل الأمم الساعية لاستتباب الأمن والسلم العالميين . وبعد اكتشاف النفط بالجزيرة العربية سنة 1926، كانت الخطط والاستراتيجيات مهيأة للوصول للهدف المحدد وهو مصالح الدول الغربية الاقتصادية والاستراتيجية من أجل إقامة قواعد عسكرية في دول الخليج وبالأساس من خلال الكيان الصهيوني ودعمه ليكون القاعدة الأساسية والمعول عليه استراتيجيا لإخضاع كل المنطقة للنفوذ الأمريكي والأوروبي ، كل ذلك يدخل في أطار التحلل من عقدة الذنب تجاه اليهود و"المحرقة والهولوكوست "، و"معاداة السامية " وكل الأسطوانة التي حفرت في الذهنية الغربية والأمريكية ، وصارت لازمة تتكرر كلما مس هذا الكيان أو وجه له أي مؤاخذة ولو في شكل عتاب. لذا تجندت كل القوى الاستعمارية والرأسمالية الباحثة من مصالحها في كل مكان، وجاءت بفكرة خلق كيان خاص باليهود لما تعرفه هذه المنطقة من شدة التدين والتاريخ القديم مليء بالصراعات بين المسلمين واليهود، ليكون الأساس الديني مرجعية لتأجيج الصراع وتحيينه على أساس انه صراع ديني والحال انه ليس كذلك بل هو صراع من أجل التحرر من الاستعمار البريطاني والذي تحول الى استعمار صهيوني من جهة وصراع سياسي واقتصادي من جهة أخرى من أجل السيطرة على الطاقة النفطية والغازية وعلى باقي الثروات التي تزخر بها المنطقة. . وهكذا وضعت هالة كبرى لهذه الدويلة المصطنعة واحاطتها بخصائص سياسية ومكنتها بقوة عسكرية واستخبارية قوية ومتطورة تفوق كل دول المنطق وقدمت لها كل الدعم المالي والاقتصادي والإعلامي وتعاملت معها على أساس انها واحة للديموقراطية وموطن احترام حقوق الإنسان ، في حين صورت الدول المحيطة بهذا الكيان على انها مستنقع من الاستبداد والهمجية. ولقد وظف الغرب كل جهوده وطاقاته الإعلامية والاقتصادية والمالية والفكرية والعسكرية، ليضع هذا الكيان الصهيوني والعنصري في مكانة مرموقة من حيث أنها موطن احترام حقوق الإنسان والأقليات والديانات والرأي والديموقراطية ، وفي المقابل عملت على تشويه صورة الأنظمة العربية رغم أن هذه الأخيرة في أغلبها من أقيمت على أثر تقسيم الخريطة الشرق الأوسطية إبان اتفاقات سايكس بيكو السرية سنة 1916 وأساسها العمل على تقسيم النفوذ بين روسياوبريطانيا وفرنسا على الأراضي التي كانت تحت نفوذ الإمبراطورية العثمانية . إلا أن الأنظمة المحيطة بفلسطينالمحتلة وضعت كل أوراقها السياسية والمالية والاقتصادية في يد الولاياتالمتحدة والدول الغربية وبالخصوص بريطانيا وفرنسا وألمانيا ، ومنحتها التميز والتفرد في معاملته بكل دلال .لذلك أطلق البعض على " إسرائيل "هي الولاية 51، وأنها أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط ،إن هذه الدولة المصطنعة أقيمت بمواصفات وأسس تجد مرتكزاتها لدى الدول الغربية وامريكا ، فتقدم لها كل ما تريده وبالكمية التي تحتاجها وفي المكان والزمان الذي تحدده ،فبالمقارنة مع اكرانيا نجد الغرب وامريكا هبوا كرجل واحد لانقاذ" الحليف الاستراتيجي " لإسرائيل كما يحب البنتاغون أن يسميها ، ولم يفعل ذلك في اكرانيا إلا بالحرب بالوكالة اما في إسرائيل فكانت البحرية الأمريكية وبوارجها والطائرات الحربية البريطانية والفرنسية متواجدة في المتوسط والبحر الأحمر وباب المندب للتصدي لصواريخ ايران ، بصفة مباشرة وبدون مواراة وقصف الحوثيين بدون أي تردد . وبالرغم من أن هذا الكيان أقام أقوى جهاز للمخابرات الذي يطلق عليه "الموساد " وهي المؤسسة من أجل الاستخبارات والشؤون الخاصة ، هذه المخابرات أنشئت سنة 1949 مباشرة بعد إقامة "دولة" الاحتلال على أرض فلسطين بعدما عرفته المنطقة من الاحتلال البريطاني والفرنسي ،وهدا الجهاز المخابراتي عرف بجرأة تدخلاته وعملياته الاستخبارية لدرجة أنه ينعت بالسكين السويسري المتعدد الاستعمالات، بحيث أن حصيلة عملياته تعد بالمئات منذ عملية ميونخ لتحرير رهائن إسرائيليين سنة 1972 ، كما أن هذا الجهاز عرف عنه أنه يقوم بعدد من المهام في نفس الوقت ، المخابرات والمخابرات المضادة ومكافحة "الإرهاب " يقصد به الفلسطينيين والمقاومة ، وأيضا الديبلوماسية السرية مع الدول العدوة رسمية لهذا الكيان ، إن هذا الجهاز الاستخباراتي ولد قبل ولادة دولة الكيان الإسرائيلي ويعتبر أحد الأعمدة الأساسية التي يرتكز عليه النظام الإسرائيلي المحتل بجانب الجيش الصهيوني "التساحل" القوة الدفاعية لإسرائيل .ولا يستبعد أن منجزات المخابرات الإسرائيلية خاصة في مجال الاغتيالات لقادة المقاومة الفلسطينية ولكل من يعارض قيام الكيان الإسرائيلي ، ذلك السجل الحافل بالقتل و"التحييد" من اغتيال أحمد ياسين المقعد في الكرسي ، ومرور باغتيال أبو نضال بتونس خارقة بذلك سيادة الدولة التونسية واغتيال العديد من العلماء الإيرانيين والعراقيين ، وتسميم ياسر عرفات ،واغتيال رئيسي رئيس الجمهورية الإيرانية وأخيرا اغتيال هنية في ايران، .كل ذلك دون أن يوقف أي أحد هذه الآلة الجهنمية التي صارت تحصد كل من ينادي بالحرية وتقرير مصيره . إلا أن عملية المقاومة بكل فصائلها في السابع من أكتوبر 2023 على الكيان المحتل، فاجأ الجميع، رجال المخابرات المهنيين ومراقبين ومحللين ومهتمين وطبعا فاجأ الاحتلال الذي أعتقد أنه سيظل القوة الضاربة في الشرق الأوسط . وهذا ما دفع الكل الى مراجعة المقولة المفترضة أن الأجهزة المخابراتية الإسرائيلية هي الأقوى، ف "الشين بيت "الاستخبارات الداخلية و"أمان "الاستخبارات العسكرية، و"الموساد" المخابرات الخارجية ، كل تلك الأجهزة فشلت في رصد استعداد المقاومة وتخطيطها وتوقيت عمليات الدفاع عن الأرض التي سلبت منهم .وما ذلك سوى بداية الطريق الى التحرير الشامل ، لأن إسرائيل لم تبن على أسس التعايش بين الشعوب المحيطة ،بل أسست على نبذ كل ما عربي ويسعى التشبث بهويته وكرامته ، كيان عمقه أسس على الكراهية والعنصرية واحتقار ونبذ العنصر العربي والمسلم ، وهذا ما نستشفه يوميا ومنذ اكثر من 70 سنة بحيث أسست السياسة الإسرائيلية على إذلال الفلسطيني وإهانته ، وما نقاط العبور للعمال الفلسطينيين يوميا وتفتيشهم إلا واحدة من ممارسات عنصرية مازالت قائمة وتتطور في ذهنية النخب السياسة والتربوية والشعبية التي تشكل هذا الكيان العنصري ، إن كل النظم والمؤسسات القائمة في هذا الكيان من مخابرات ومناهج تعليمية وأسس فكرية واقتصادية وبوليسية وعسكرية تعمل ضمن أسس استراتيجية وجودية لا محيد عنها في هذا الكيان وهي تحييد العنصر العربي ونزع فكرة قيام الدولة الفلسطينية والوجود الفلسطيني بالمرة ، ولحد الأن لم تستطع تحقيق ذلك الهدف بالرغم من الواطئ الذي أبان عنه بعض الحكام العرب المستفردين بالحكم بمساعدة إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية . عن هذا الكيان الدخيل يعرف عن الدول العربية وكل تفاصيل تحركاتها السياسية والاقتصادية والثقافية أكثر مما تعرف هي عن نفسها ، لأنه منذ البداية استطاع أن يؤسس أقوى أجهزة تجسسيه بالعالم، والتي حدد لها "دافيد بن كريون" أولوية عملها بالقول :"بالنسبة لدولتنا ، منذ نشأتها ،لم تتوقف من أن تكون محاطة بأعدائها ، فالمخابرات تشكل الخط الأول للدفاع، لذا وجب أن نتعلم لتحليل ما يجري حولنا" ومن هنا ومنذ ذلك الوقت لم تتوانى إسرائيل من أن تشكل خريطة عنكبوتية مخابراتية في جميع دول العالم، تستعمل جميع الوسائل الشرعية وغير الشرعية وغير الأخلاقية، من اغتيالات للمنضالين والعلماء العرب ولكل من يساند القضية الفلسطينية من قريب أو بعيد . إلا أن الإصرار الفلسطيني على تحرير وطنه رغم مرور أكثر من 76 سنة على احتلال أرضه، هذا في حد ذاته شكل مطلبا أسطوريا "سيزيفيا " قلب جميع أسس التحاليل الاستراتيجية والسياسية لكثير من الدارسين لنضالات الشعوب ومدى تشبثها بحقوقها وهوياتها. إن إسرائيل" هذا الفيروس الذي لم يصنف ويشخص بعد، تختزل كل تاريخ العنف والإبادة الجماعية التي عرفها التاريخ الحديث والقديم، منذ فرعون الى اليوم مرورا بالنازية والحروب التي عرفتها البشرية وكذا أساليب التنكيل والتعذيب والاحتقار والإهانة التي عرفتها الشعوب المستضعفة والمغلوبة على أمرها ، لأنها تتحرك في جميع الاتجاهات وتفعل بل وتعربد بنوع من الاطمئنان التام ، وكأنها على حق ، لأن هناك من يساندها ويصفق لكل عملياتها الإرهابية ، بل يمدها بكل ما تحتاجه وأكثر لتنفيذ عملياتها الخسيسة الإجرامية. وكل ما يمكن التأكيد عليه بهذا الصدد هو أن هذا الكيان ما كان ليتقوى لهذا الحد أو ليقوم على تلك الأرض الفلسطينية لو لم تكن هناك أنظمة عربية هي أيضا مصطنعة تقبل هذا الصنف من الكيانات التي قاعدها الأساسية للاستمرار في الوجود هي القتل والهيمنة والإبادة لكل معارضيها ولكل من يبحث عن الحرية والاستقلال للعيش بكرامة كإنسان له حقوقه وهويته ، لذا لا أفق للقضية الفلسطينية إلا ضمن مسلسل تغيير شاملا للمنطقة كلها وبالأساس تغيير يبدأ بالذهنيات والتشبع بالفكر التحرري ، وهذا عمل شاق وطويل يقع على عاتق كل الشعوب العربية وبالأساس القوى الحية والمناضلة من حقوقيين ومثقفين ومحامين وأساتذة وكل المتنورين ومحبي السلام والأمن عبر مساهماتهم الفعلية واليومية من أجل الوصول لقيام مشروع منطقة ديموقراطية تعتمد على ذاتها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ولم لا إقامة الحلم الذي طالما راود شعوب المنطقة وهو قيام اتحاد عربي ديموقراطي ؟