في وقت تموت فيه الصحف الورقية المطبوعة وتحتجب، احتفت "الهلال" التي تصدر مجلة ثقافية من القاهرة هذا الشهر (شتنبر ) بالدخول الى عامها ال 124 من دون توقف . عدد مجله "الهلال" التي اسسها صاحبها اللبناني جورجي زيدان عام 1892 بعدما هاجر من بيروت الى القاهرة خصص 81 صفحة من اجمالي صفحاته البالغة 226 لهذه المناسبة تحت عنوان : " مصر والعالم سنة صدور الهلال". القسم الخاص الذي تصدر عدد المجلة بدأ بافتتاحية لرئيس التحرير الزميل "سعد القرش" بعنوان "جورجي زيدان .. المغامر ". قال فيها عن المثقف المؤسس: "كان ثمرة العقل الشامي". وهو عقل طليق يؤمن بأن أرض الله واسعة ولايميل الى التباكي على فرص ضائعة والتواكل وأوهام الاستقرار البليد .وهي سمات العقلية الزراعية . لذا كان أدباء المهجر اكثر قدرة على التجديد والتفاعل مع العالم الرحب وتفجير اللغة وطرح اشتقاقات صارت تراثا عاما نسينا أصحابه ". واشار "القرش" الى ان مجلة الهلال طرحت منذ عددها الأول اسئلة مثل هل للنساء ان يطلبن كل حقوق الرجال ؟..وهل تنفع الروايات اذا مثلت أكثر في مصر ؟. واضاف ان الهلال صدرت في سبتمبر 1892 عندما كان عدد سكان القاهرة نحو 347 ألفا منهم نحو 32 ألفا من الأجانب . وعلما بأن " الهلال " تصدر اليوم وقد بلغ عدد سكان القاهرة مايزيد على الخمسة عشر مليونا يقرأون العربية . ولا يعتقد مراقبون ان توزيع المجلة الآن يتناسب مطلقا مع هذه الزيادة في عدد السكان والقراء . كما نشرت المجلة مقالا للمفكر اللبناني الدكتور "خالد زيادة" . وهو في الآن نفسه سفير بلاده الحالي بالقاهرة. وقال في مقاله الذي حمل عنوان : " ظاهرة اللبناني في مصر " أن اللبنانيين لم يكتفوا بان أسسوا أبرز ثلاث مؤسسات صحفية مازلت مستمرة في مصر الى الآن .وهي دور الأهرام والهلال وروزاليوسف . بل أسسوا اتجاهات فكرية في الثقافة العربية. واشار الى اسماء كفرح انطوان و شبلي شميل ورشيد رضا و خليل مطران ومي زيادة . كما ذكر بان الطبعة الأولى من ترجمة "الإلياذة" لسليمان البستاني صدرت من القاهرة .وكذا الديوان الأول للشاعر إليا أبو ماضي أيضا . وفسر " زيادة " ظاهرة هجرة المفكرين والصحفيين والمثقفين الشوام اجمالا على مصر منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر قائلا : "اتاحت الاسكندريةوالقاهرة فرصه لهم كي يمارسوا نشاطهم الثقافي من خلال انشاء مؤسسات مستقلة". وهذا رغم طابع الدولة المركزي في مصر ومشروعات التحديث القائمة على سلطة الدولة في زمني الوالي محمد على والخديوي اسماعيل. ولقد تصادف مع عدد "الهلال" الاحتفالي هذا والاستعادي للدور اللبناني في الثقافة المصرية أن أصدرت قبل ايام أكبر دار نشر حكومية بالقاهرة "الهيئة العامة للكتاب " كتابا للمفكر اليساري اللبناني كريم مروة بعنوان : "الرواد اللبنانيون في مصر في الصحافة والفكر والأدب والفن ". وقد تناول فيه المؤلف ترجمات لسير نحو 80 شخصية لبنانية اثرت الحياة الثقافية في مصر منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين . عدد مجلة "الهلال" هذا اشتمل على مقالات تتعرض لأحوال العديد من البلدان العربية في عام اصدار المجلة لصاحبها ورئيس تحريرها الأول الأديب " جورجي زيدان "( 1861 1914) . ولقد عرجت هذه المقالات على منطقة المغرب العربي، فكتب الروائي التونسي حسونة المصباحي مقالا بعنوان : "تونس سنة 1982 صراع على الهوية بعد 11 عاما على الاحتلال الفرنسي " . كما أعادت المجلة نشر مقالات من العام الأول لإصدارها مثل مقال لمحمد درويش بعنوان : " بغداد .. فيضان دجلة ".
ويذكر أن مجلة "الهلال" وعدد من المجلات الثقافية التي تصدر من القاهرة كان قد بلغ توزيعها الهند شرقا وأمريكا اللاتينية غربا . ولم تقتصر فقط على البلدان العربية . أما أول مجلة ثقافية عامة صدرت في مصر فقد كانت " روضة المدارس عام 1870 للمصري "رفاعة رافع الطهطاوي" .لكن تعد "الهلال" من بين الجيل الأول للمجلات الثقافية المصرية الصادرة بعد الثورة العرابية 1881 1882 . وقد لعب الصحفيون والمثقفون الشوام دورا مهما في مجلات هذا الجيل على وقع هجرتهم من الاضطهاد العثماني في بلادهم الأصلية . وهكذا انتقلت مجلة "المقتطف" من بيروت الى القاهرة عام 1884 . وصدرت في القاهرة مجلات أخرى ك " الجامعة" و "الجوائب" و" الجنان" . إلا ان "الهلال" هي بحق أقدم مجلة ثقافية عربية مازالت تصدر من القاهرة من دون منازع . وهي تصدر من "دار الهلال الصحفية " التي قام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتأميمها وأتبعها بملكية الدولة مع كبريات الدور الصحفية الخاصة الأخرى. وهذا هو حالها حتى الآن . وبصرف النظر عن أرقام التوزيع او الحدود التي باتت تصل اليها المجله جغرافيا فقد احتفلت هذا الشهر بدخول عامها رقم 124.