يسجل كاتب مصري أن القاهرة شهدت عام 1892 صدور مجلتي (الأستاذ) لعبد الله النديم الملقب بخطيب الثورة العرابية و(الهلال) لجرجي زيدان .. وفي حين واظبت الثانية على الصدور إلى الآن توقفت الأولى كما توقف كثير من المجلات الثقافية العربية طوال نحو 145 عاما. بدأت الصحافة الثقافية بمجلة (روضة المدارس المصرية) التي صدر عددها الأول في أبريل نيسان 1870 عن ديوان عموم المدارس (وزارة المعارف - التعليم حاليا) وكانت تصدر كل أسبوعين ثم توقفت عن الصدور عام 1877. وفي كتابه (المجلات الثقافية في العالم العربي) لم يضع محمود قاسم تفسيرا لثنائية التوقف والاستمرار ولكنه سجل أن مجلة (الأستاذ) التي صدر عددها الأول يوم 23 أغسطس آب 1892 أراد لها النديم أن تكون «منبرا للأدب والفكر... انتشرت إلى آفاق ما كان يتوقع لها أحد ذلك... وغطت على أي مطبوعة أخرى.» ولكن نفي النديم بسبب معارضته للاحتلال البريطاني عطل صدور المجلة. في حين صدر العدد الأول من مجلة (الهلال) في سبتمبر ايلول 1892 واستهدف بها زيدان (1861-1914) أن تكون «علمية تاريخية صحية أدبية» فأبعدها قدر الإمكان عن الهموم السياسية وأصبحت منذ ذلك الوقت المبكر منبرا جاذبا للمفكرين والأدباء المرموقين. ويقول محمود قاسم إن «قيمة الهلال ارتفعت بسبب الثقافة الجادة والسجال الأدبي الذي لم يتوقف يوما.» والكتاب الذي يقع في 211 صفحة كبيرة القطع أصدرته (دار البستاني للنشر والتوزيع) وهي من أقدم دور النشر العربية وتأسست في القاهرة عام 1900 على يد محقق التراث وخبير المخطوطات الشيخ يوسف توما البستاني. ويرصد الكتاب أيضا تحولات صناعة الصحافة الثقافية وانتقال مراكز الثقل من القاهرة إلى بيروت إلى الخليج. ويسجل قاسم أن مجلة (أبو نظارة) التي صدر عددها الأول في القاهرة عام 1876 لرائد المسرح والصحافة الساخرة يعقوب صنوع (1839-1912) ومجلة (التنكيت والتبكيت) التي صدر عددها الأول في السادس من يونيو حزيران 1891 للنديم من المجلات الفكاهية التي «يمكن اعتبارها مجلات ثقافية لما كانت تنشره من إبداع قصصي وشعري وأيضا من مسرحيات الفصل الواحد.» وفي القاهرة صدرت مجلات منها (الرسالة) عام 1933 لأحمد حسن الزيات الذي يصفه المؤلف بأنه «رجل يمثل العالم العربي في النصف الأول من القرن العشرين... كانت (الرسالة) أرضا خصبة لأبرز الرموز الثقافية لعدة عقود.» واستمرت المجلة 20 عاما. وصدرت في القاهرة عام 1957 مجلة (المجلة) تحت شعار «سجل الثقافة الرفيعة» ثم توقفت عام 1971 وعادت للصدور الشهري منذ أبريل نيسان 2012 على يد الشاعر أسامة عفيفي. وظلت القاهرة مصدر إشعاع ثقافي بتنوع مجلاتها إلى أن صدرت مجلة (الآداب) البيروتية الشهرية عام 1953 على يد سهيل إدريس العائد من فرنسا مسلحا بالثقافة الرفيعة. وأصبحت مجلة (الآداب) في وقت قصير «درة المنابر الثقافية العربية» إلى أن احتجبت عام 2013. وكتب رئيس تحريرها سماح إدريس بيانا عن صعوبة مواصلة الصدور بسبب «مشكلات مادية حقيقية تهددها بالتوقف النهائي أو الاحتجاب المؤقت أو الصدور غير المنتظم.» وفي الكويت أصدرت وزارة الإعلام مجلة (العربي) عام 1958 وترأس تحريرها الكاتب المصري الدكتور أحمد زكي. ومازالت (العربي) مستمرة في صدارة المجلات الثقافية العربية. ويقول المؤلف إن زكي «الذي كان رئيسا ناجحا (لتحرير مجلة) الهلال قد فكر بالفعل في عمل مجلة ناجحة على غرار الهلال.» واستقطبت المجلة أبرز المثقفين العرب. وفي الأردن صدرت مجلة (أفكار) عام 1966 ومجلة (الجديد) عام 1994 وفي قطر صدرت مجلة (الدوحة) في نهاية عام 1969 وتواصل الصدور الشهري إلى اليوم مع سنوات من التوقف. وفي ليبيا صدرت عام 1973 مجلة (الثقافة العربية). وفي تونس صدرت مجلة (الحياة الثقافية) عام 1976. وفي البحرين صدرت مجلة (البحرين) الفصلية عام 1994 ومجلة (ثقافات) عام 2002 ومجلة (أوان) من كلية الفنون الجميلة بجامعة البحرين عام 2003. وفي سلطنة عمان تصدر مجلة (نزوى) الفصلية منذ عام 1944 أما في الإمارات فشهدت السنوات القليلة الماضية صدور مجلات فاخرة الطباعة ومنها (دبي الثقافية) 2004. وفي العراق صدرت مجلة (الأقلام) الشهرية في سبتمبر أيلول 1964 وما زالت تواصل الصدور فصليا. كما صدرت مجلة (ألف باء) في يونيو حزيران 1968. ويقول قاسم إن العدد الأخير طبع في التاسع من ابريل نيسان 2003 وكان جاهزا للتوزيع وبسبب احتلال القوات الأمريكيةلبغداد في ذلك اليوم «لم يتم توزيعه.» ويقول المؤلف إن مجلة (آفاق عربية) التي صدرت في بغداد عام 1975 «واجهت متاعب الصدور عقب الحصار الاقتصادي على العراق». ولم يذكر أن (آفاق عربية) توقفت منذ 2003 ثم ظهرت قبل عامين بدلا منها مجلة (آفاق أدبية).