"نفضت الإحباط واليأس وقررت بوعي حاد مبكر أن تعمل على المساهمة في تحسين الأوضاع بجماعتها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا" كانت هذه العبارة جزء من مقال كتبته وكالة المغرب العربي للأنباء ، سنة 2009، عشية إنتخاب فاطمة بوجناح رئيسة لجماعة تزغت القروية. غير أن ما كتبته الوكالة لم يكن صحيحا فوحدها الصدفة قادت تلك الشابة الفقيرة لتكون أصغر رئيس جماعة في المغرب. هنا إطلالة على مسار شابة قررت الاستمرار في تدبير الشأن المحلي مع تقديمها لترشيحها برسم انتخابات 2015. ثأر قديم 1992 أنشأت جماعة تزغت بإقليم طاطا، بعد تقطيع إنتخابي جديد. كانت فاطمة بوجناح تبلغ من العمر ثلاث سنوات وتتعلم المشي داخل بيت بسيط وسط قرية "تكنارت" التابعة لنفس الجماعة. في نفس التاريخ إنتخب محمد صفار، فيما يشبه التعيين، رئيسا للجماعة. كان هذا الرجل الأمي من أعيان المنطقة كما كانت له حظوة خاصة مردها موقع أخيه الأكبر الذي يشغل منصب عامل إقليمالصويرة آنذاك. دبر الحاج صفار شؤون الجماعة لعقد كامل وعند حلول انتخابات 2003 الجماعية سقط الرجل من صهوة تدبير الشأن المحلي أمام حماس شاب موجز يدعى محمد الوافي اختار حزب الإستقلال قنطرة للمرور الى رئاسة الجماعة. لم يستسغ الشيخ هزيمته أمام الشاب فظلت عينه على الجماعة الى سنة 2009 تاريخ الاستحقاقات الجماعية التي قرر فيها صفار للثأر من غريمه بكل الطرق. سنة 2009 صعدت الحركة النسائية من نبرتها ودفعت بالفاعل الحزبي الى تبني قانون يتم الرفع بموجبه من نسبة تمثيلية المرأة في الجماعات المحلية من 127 مستشارة على المستوى الوطني الى 3300 بإعتماد نسبة 12 بالمائة كحد أدنى. هنا التقى صفار بفاطمة بوجناح في رحلة بحثه عن وكيلة للائحة النسائية على مستوى جماعة تزغت. مصائب قوم.. قبل الانتخابات غادرت فاطمة ثانوية علال بن عبد الله للتعليم الأصيل بمركز طاطا واختارت أن تمضي جل أوقاتها بمركز مدينة طاطا في حضن "أهل بلال" أو عائلتها الثانية كما كان يحلو لها أن تسمي هذه العائلة. لم تكن الشابة مهتمة بالشأن السياسي لكنها كانت تنشط بين الفينة والأخرى في صفوف جمعية تدعى "شباب تكنارت". مع الطلب المتزايد على النساء للترشح توجهت فاطمة نحو محمد الوافي، رئيس الجماعة الذي لم يكن سوى ابن خالتها، طلبت منه تزكية للترشح لكن الرئيس الشاب اعتذر لقريبته كما صرحت فاطمة ل"لكم". في هذه الفترة كان محترفو الانتخابات يبدلون جهدا جبارا لإكمال لوائحهم النسائية في بيئة محافظة بنت حول المرأة جدرانا كثيرة. إلتقت فاطمة بالحاج صفار الذي ركب توا جرار الأصالة والمعاصرة فتقدمت كوكيلة للائحة الحزب حيث حازت 600 صوت التي كانت أعلى نسبة أصوات حصلت عليها لائحة نسائية في الاقليم. بدأت معركة تشكيل المكتب الجماعي بين قطبين الأول يرأسه محمد الوافي الرئيس الحاصل على شهادة جامعية و محمد صفار الرئيس الأمي السابق الذي رجع لاستعادة أمجاده الانتخابية. كان فريق صفار مشكلا من الأعيان الذين لم يتمكنوا من ولوج المدرسة العمومية وأمام حاجز القانون الذي يفرض على المترشح لرئاسة الجماعة شهادة إبتدائية على الأقل اضطر الشيوخ أن يولوا على رأس الجماعة فاطمة بوجناح التي تبلغ من العمر 21 سنة فكانت بذلك أصغر رئيس جماعة في تاريخ المغرب. كانت مصيبة أمية القوم فائدة عند فاطمة بوجناح. فاطمة اليوم تستعد لخوض تجربة الانتخابات من جديد في الدائرة 10 التي تشمل ثلاث دواوير وهي تفتخر بتغطيتها لحاجيات الساكنة في مجال الماء والكهرباء والأنشطة المدرة للدخل، حسبما صرحت ل"لكم". فاطمة تبلغ من العمر 27 سنة اليوم وقد تغيرت لغتها و أغنت قاموسها بمصطلحات تقنية تدبيرية وإنتخابية خلافا لواقع الشابة التي اضطرت سنة 2009 للإتصال بأحد معارفها في الرباط حتى يجيب على الأسئلة التي أرسلها، عبر البريد الالكتروني، صحافي من وكالة المغرب العربي للأنباء لرسم ملامح "بورتريه" فتاة قادتها أمية حلفائها لرئاسة واحدة من أفقر جماعات المغرب الترابية.