لم تكد تنقضى أربعة ايام على مصادرة السلطات في مصر لصحيفة "صوت الأمة " لنشرها خبرا عن أحزان الرئيس "عبد الفتاح السياسي" جراء مرض والدته إلا وانفجرت صحف القاهرة يوم ( الثلاثاء 18 غشت 2015) وبلا استثناء تقريبا بأخبار عن السيدة نفسها. وببساطة لأنها توفيت الى رحمة الله يوم الإثنين 17 غشت. ولأن "شر البلية ما يضحك" فقد كالت الصحف ومختلف وسائل الاعلام الأوصاف للسيدة التي كان ممنوعا قبل أيام فقط الاشارة اليها بكلمة. وسبحت بسجايا الراحلة. وابتعدت لها لقب "أم البطل". إلا ان أيا منها لم ينشر اسم السيدة ولم يتحد على الاطلاق رواية وصفت بالمتهافته نسجها إعلام الإخوان ومؤيدوهم فور انقلاب الفريق "السيسي" وقتما كان وزيرا للدفاع على رئيسه المدني المنتخب "محمد مرسي"، ومفاد الرواية أن "أم البطل" تنتسب الى يهود المغرب . إجراءات دفن والدة "السيسي" أحيطت بالكتمان. ولم يعرف عموم المصريين بجانب محدود من تفاصيل الوفاة الا اليوم. وبالكاد علموا من صحف الصباح بأن الصلاة على الجثمان جرت بمسجد المشير طنطاوي شرقي القاهرة، وبعدما قطع رئيس الوزراء "ابراهيم محلب" وعدد من الوزراء جوله في "الأقصر" جنوبي مصر وعادوا لحضور الجنازة . كما لم تنقل أي من كاميرات التليفزيونات في مصر لا صلاة الجنازة هذه ولا مراسم الدفن في المقابر. وقالت مصادر مطلعة بالقاهرة ل "لكم 2" ان مقبرة جديدة تتميز بالفخامة جرى الانتهاء من بنائها سريعا قبل أيام من الوفاة، كما عبدت شركات مقاولات تابعة للدولة طريقا خاصا اليها. ولم تخلو صفحة أولي من صحيفة مصرية مطبوعة صدرت اليوم في القاهرة من خبر الوفاة، مع تخصيص مكان بارز للخبر. وقد جرى اعطاؤه الأولوية والأهمية عن اخبار جماهيرية مثل أنباء الموجة الحارة التي حصدت الى حينه نحو مائة توفوا تحت ضربات الشمس. كما كالت الصحف أوصاف المديح لوالدة السيسي. وقد وصفتها غير صحيفة ب "أم البطل ". وأعادت صحيفة "الأخبار" التابعة للدولة و التي يرأس تحريرها الزميل "ياسر رزق" اقرب الإعلاميين للسيسي تصريحات سابقة للرئيس المصري خلال حملته الانتخابية وهو يتحدث باجلال عن امه وخصالها . إلا ان ايا من الصحف المصرية لم يذكر اسم السيدة المتوفاة أو عمرها او المرض الذي عانته قبل الوفاة. ووحدها صحيفة "الدستور" التي يمتلكها رجل أعمال نافذ نشرت صورا لوالده "السيسي" بصحبها ابنها، وإن كانت هذه الصور جرى التقاطها جانبيا، وعلى نحو يصعب معه تبين ملامح وجه السيدة. وكانت وسائل إعلام الإخوان ومناصريهم قالت فورانقلاب السيسي على رئيسه الإخواني مرسي في 3 /7/2013 ان السيدة تدعي "مليكة تيتاني" .وزعمت انها تنتمي من ناحية والدتها الى اسرة من يهود المغرب وأن خال "السيسي" يدعي "عوزي صباغ" ممن هاجروا الى اسرائيل. لكن السلطات المصرية لم تعر وقتها كثير إهتمام بهذه الادعاءات. واستبعد مراقبون محايدون هذا النسب على ضوء ان "عبد الفتاح السيسي" تم السماح له بدخول قبيل معاهدة الكلية الحربية في مصر قبيل معاهدة السلام مع تل أبيب عام 1979. كما ذهب هؤلاء المراقبون الى اتهام وسائل الإعلام المؤيدة لمرسي بعد الاطاحة به بالنفاق نظرا لأن الإخوان بانفسهم أشاعوا فور اختيار الرئيس مرسي للسيسي في اغسطس 2012 ليشغل مناصب وزير دفاعه الى انه متدين ورع و من اسرة إخوانية عريقة.كما روجوا لأن عمه على نحو خاص كان من قيادات الاخوان بمدينة الاسكندرية الساحلية ويدعي "عباس السيسي". واللافت مع وفاة والدة "السيسي" أن مواقع مصرية الكترونية قالت ان اسم السيدة هو "سعاد ابراهيم محمد" وان عمرها يناهز الثمانين عاما. كما يلفت النظر ايضا انه حتى مساء اليوم لم ينشر موقعا "الإخوان أون لاين" الناطق الرسمي باسم الجماعة في مصر او "الحرية والعدالة" لسان الحزب الاخواني المحظور قانونا ايضا أي شئ عن والدة السيسي او وفاتها. ولم يكررا ادعاءات تتعلق بأصول يهودية مغربية له . ومن جانبها، صدرت اليوم صفحات الوفيات الشهيرة في جريدة "الأهرام" خالية من اي نعي لأسرة "السيسي" يمكنه ان يكشف عن اسم والدته ونسبها .لكن الصفحة الأولى علاوة على خبر الوفاة نشرت في أهم موقع لها مقالا افتتاحيا لرئيس التحرير الزميل "محمد عبد الهادي علام" تحت عنوان: "الرئيس.. ومشاعر البسطاء"، استهله بمقدمه طويلة عن مكانة الأم . ويستفاد من نص المقال الذي استفاض في الحديث عن مشاعر المصريين التي تحيط برئيسهم في لحظة احزانه أن رؤساء الصحف والعديد من الشخصيات المتنفذة في البلاد حضروا مراسم الجنازة والدفن. لكن "الأهرام" كغيره من الصحف المصرية على اختلاف انماط ملكيتها خرج بدون أي صورة لهذه المراسم او تفاصيل مكتوبة عنها. كما ركزت مختلف الصحف على نقل تصريحات لرئاسة الجمهورية برغبة السيسي بأن يقتصر العزاء على "الأسرة " وأن تتجه الأموال المزعم انفاقها على اعلانات المجاملة من مواساة ومشاطرة للرئيس واسرته الى اعمال الخير ولصندوق استحدثه الرئيس منذ حملته الانتخابية بعنوان "تحيا مصر". مصادر في اعلانات صحيفة "الأهرام" قالت ل "لكم 2" أن الالتزام بهذه الرغبة وكما جري في عدد اليوم بالصحيفة سيضيع على ادارتها فرصه حصد ما يقدر بمائة مليون جنيه مصري (نحو 13 مليون دولار امريكي). واضافت المصادر ذاتها ان ادارة المؤسسة الصحفية الأكبر والأعرق في القاهرة قد تضطر الى التحول عن امتناعها نشر مثل هذه الاعلانات تحت ضغط المعلنين .وأيضا نظرا لأن صحيفتين اثنيتين لم تلتزما اليوم، ونشرتا اعلانات مواساة وهما: "المساء" التابعة للدولة و"الوطن" الخاصة . وعلى كل حال فان طلب رئيس الجمهورية الامتناع عن نشر اي اعلانات مجاملة له في احداث شخصية وعائلية ليس بدعة من "السيسي" سادس رئيس لمصر. فقد درج الرؤساء السابقون على هذا النهج بمن فيهم الرئيس الخلوع "حسني مبارك" نفسه، والذي أطاحت به ثورة شعبيه كان من بين اسبابها التوجس من توريث نجله " جمال " الحكم. لكن دائما كانت الأقوال في واد والأفعال شئ في واد آخر.