يلجأ المسؤولون المغاربة، الممزق وجدانهم بين السكان الذين يساندون في الغالب القضية الفلسطينية، وهي المساندة التي من المرجح أن ترفع من أسهم الإسلام السياسي، واتفاق التطبيع مع إسرائيل الموقّع في عام 2020 والذي لا يبدو أنهم يسعون إلى التخلص من تبعاته، إلى التستر خلف صمت ثقيل بشكل متزايد. بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على اندلاع الحرب على غزة، لم تضعف التعبئة المناهضة لإسرائيل في المغرب. يتظاهر آلاف الأشخاص في نهاية كل أسبوع تقريبا في المدن الرئيسية في البلاد، بما في ذلك الرباط والدار البيضاء. يهيمن مطلبان اثنان على الشعارات: وضع حد لمذابح سكان غزة على يد الجيش الإسرائيلي، وقبل كل شيء، إنهاء تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المملكة الشريفة و"الدولة الصهيونية"، كما يردد المتظاهرون. بدأت عملية التطبيع بين الدولتين في ديسمبر 2020، وهي تتخذ شكل صفقة ثلاثية: في مقابل الاعتراف ب "مغربية" الصحراء الغربية من طرف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تقوم المملكة "بتطبيع" علاقاتها مع إسرائيل. هذه مناورة ماكرة لأنها تنطوي على مقايضة "قضية مقدسة" لغالبية المغاربة (قضية الصحراء الغربية، التي يعتبرها المغرب "أقاليمه الجنوبية") إلى "قضية مقدسة" أخرى (القضية الفلسطينية). ومنذ ذلك الحين، أصبح التعاون، وخاصة التعاون العسكري، بين البلدين رسميا بعد أن كان غير رسمي لفترة طويلة، حتى لو كانت الدولة اليهودية حريصة على حصره في الأسلحة الدفاعية والخفيفة. لا يمثل هجوم حماس الواسع النطاق في قلب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 قطيعة في هذه العلاقات بل نقطة تحول ستؤثر بشكل عميق على شهر العسل الإسرائيلي المغربي، الذي أشادت به الولاياتالمتحدة ثم الاتحاد الأوروبي. في قلب هذه العملية، لجأ القصر الملكي إلى حيلة ذكية ومكيافيلية تهدف إلى الإجهاز على حزب العدالة والتنمية، الحزب الإسلامي في الحكومة في ذلك الوقت، والذي كانت شرعيته ومرجعيته الدينية تنافس شرعية الملك، أمير المؤمنين. ثم وقّع الأخير اتفاق التطبيع ليس من طرف وزير الخارجية ولكن من طرف رئيس الحكومة، الإسلامي سعد الدين العثماني (2017-2021)، الذي كان في الوقت نفسه الأمين العام لحزب العدالة والتنمية. إن العواقب على الهوية السياسية للحزب وصورته كارثية لأن النضال ضد التطبيع مع "الكيان الصهيوني" هو جزء من الحمض النووي عند الأحزاب الإسلامية. بعد هزيمته الانتخابية بعد عام من التوقيع في الانتخابات التشريعية لعام 2021 في البرلمان المغربي المؤلف من 395 مقعدا لأنه لم يحصد إلا 12 مقعدا، أصبح حزب العدالة والتنمية الآن ظلا لنفسه السابق، بل كيانا فارغا. في المسيرات المؤيدة للفلسطينيين التي جرت منذ 7 أكتوبر في الشوارع الرئيسية للمدن الكبرى، لم يجرؤ قادة حزب العدالة والتنمية ولا نشطاؤه على الخروج أنفسهم أو الاختلاط بالحشود الغاضبة. وفي محاولة لإصلاح ما دمره الأمين العام السابق بتوقيعه على معاهدة التطبيع، يضاعف الزعيم الجديد لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، وهو شعبوي ورئيس سابق للحكومة (2011-2016)، الظهور الإعلامي بشكل يائس. "نعم، لقد ارتكب حزب العدالة والتنمية خطأ في التوقيع على التطبيع، ونحن نعترف بذلك. لكن الحزب لم يكن أبدا مؤيدا لهذا التطبيع"، كما قال باكيا في يوم 19 نونبر 2023 أمام جمهور من أعضاء حزيه، بل إنه ذهب إلى حد استضافة زعيم حركة حماس خالد مشعل، الذي كان يزور المغرب، إلى منصة خطابية دعا فيها الزعيم الفلسطيني أمام النشطاء، المغاربة «لمخاطبة قادة البلاد (…) من أجل العلاقات ووقف التطبيع وطرد السفير… أثار هذا الكلام غضب الحاشية الملكية التي رأت فيه "تدخلا لا يطاق ودعوة مقنعة للانتفاضة". وفي محاولة لترميم صورة الحزب، ذهب عبد الإله بنكيران إلى حد الإدلاء بتصريحات معادية للسامية علنا: "كان لديهم علماء مثل أينشتاين، لكنهم لا ينظرون كثيرا نحو المستقبل. لهذا السبب فضلهم الله في البداية ولعنهم منذ 2000 عام لأنهم في الواقع أغبياء. إن حماقتهم تجعلهم يعتقدون أن القوة وحدها هي التي تحل المشكلة". لكن هذه المحاولات لم يكن لها تأثير كبير على صورة حزبه أو قادته، الذين لا يزالون من بين الأقل احتراما على الساحة السياسية المغربية. ومع ذلك، سرعان ما استفاد من غياب حزب العدالة والتنمية مكوّنٌ آخر من مكونات الإسلام السياسي المغربي: جماعة العدل والإحسان. هذه الحركة، المحظورة من طرف السلطة رغم تسامحها معها، والتي لا تعترف بالوضع الديني للملك وتتحدى سلطاته السياسية الواسعة، حاضرة جدا في المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين من خلال حشد معظم أفرادها ومؤيديها، لا سيما في الرباط والدار البيضاء. إن جماعة العدل والإحسان، المعروفة بتنظيمها على الطراز الروماني، وانضباط أعضائها والوسائل المستخدمة لضمان أقصى قدر من الحضور في الفضاء العام، لم تستطع تفويت فرصة 7 أكتوبر لترسيخ صورتها على أنها "الخيار الإسلامي الوحيد الممكن"، بعد الفشل الانتخابي والسياسي لحزب العدالة والتنمية. لا يتردد ناشطو هذه الجماعة ، الحاضرون بكثافة على الشبكات الاجتماعية، بمجرد إغلاق وسائل الإعلام الرسمية أمامهم، في استخدام القضية الفلسطينية وموضوع التطبيع كوسائل لإعادة الانتشار لحشد حتى أولئك الذين خاب أملهم من حزب العدالة والتنمية، ولكن أيضا كأدوات لتحدي النظام الملكي وشرعيته الدينية – الملك محمد السادس هو أمير المؤمنين ورئيس لجنة القدس للدفاع عن فلسطين-. وفيما يتعلق بالأحزاب السياسية الأخرى، يظل التناقض ملحوظا جدا مع المواطنين الذين من المفترض أن يمثلوهم ويشرفوا على تأطيرهم السياسي وفقا للدستور. بالنسبة لهذه الأحزاب، التي نجحت السلطة الملكية في تدجينها الكامل، أصبحت القضية الفلسطينية، منذ توقيع اتفاق التطبيع، خطا أحمر لا ينبغي تجاوزه، باستثناء الحزب الاشتراكي الموحد وحزب النهج الديمقراطي، وهما منظمتان يساريتان تعتبرهما السلطة من الأقلية المتطرفة. وبينما تتجرأ قلة قليلة على تحدي الهجمات الإسرائيلية على غزة واستنكار الحجم المرعب من الضحايا، فإن هذه القلة تتجنب بعناية الدعوة إلى إنهاء التطبيع. وينعكس ذلك على أرض الواقع عبر غياب الأحزاب السياسية في المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين. هل هي مسألة حكمة استراتيجية ورغبة من جانب قادتهم في عدم إثارة غضب الملك وحاشيته؟ لا يوجد رد على هذا التساؤل بل الجواب الوحيد هو صمت القبور بما في ذلك يوم 12 يناير 2024، في نفس اللحظة التي تدافع فيها دولة جنوب إفريقيا عن دعواها القضائية بسبب الإبادة الجماعية ضد إسرائيل أمام أعلى محكمة في الأممالمتحدة، محكمة العدل الدولية، التي يوجد من بين أعضائها الفقيه القانوني المغربي محمد بنونة. في غضون ذلك، أعلن مكتب الاتصال، وهو بعثة مغربية في تل أبيب، عن استئناف جميع الخدمات القنصلية اعتبارا من 22 يناير2024، بعد تعليقها بتاريخ 19 أكتوبر 2023، عندما قررت وزارة الخارجية الإسرائيلية إخلاء مكتب الاتصال التابع لها في الرباط كرد فعل أمام التعبئة القوية للمغاربة…. المصدر: موقع "أوريون 21 تعريب: أحمد إبن الصديق