بعد إطلاع الملك محمد السادس على دراستين للبنك الدولي واللتين تحدثتا عن تطور ثروة المغرب، تساءل، في خطاب العرش، سنة 2014، قائلا: أين هي هذه الثروة وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط؟ الملك وفي نفس الخطاب جاء مُثنيا على مشاريع قطاعية أشرف عليها هو شخصيا بالقول "على المستوى الاقتصادي، فقد عرفت نسبة النمو ارتفاعا ملحوظا، بفضل اعتماد مخططات قطاعية طموحة، كمخطط المغرب الأخضر، ومخطط الإقلاع الصناعي، وغيرها". قُدِمَ مخطط المغرب الأخضر في خطاب الملك، كما في كل التظاهرات التي يشرف عليها وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، كنقطة ضوء في السياسات القطاعية المنتهجة من طرف الدولة و كمنتج لثروة توزع بشكل عادل بين منتجين كبار، يستفيدون من برنامج موجه للأنشطة الفلاحية ذات القيمة الإضافية الكبرى، وفلاحين فقراء، مقصيين مد لهم مخطط أخنوش يد العون من خلال برنامج موجه للفلاحة التضامنية. مرت سبع سنوات على تقديم أكبر استراتيجية فلاحية ، توصف بالمندمجة، في تاريخ المغرب المستقل، والبدء في إنجازها، فهل كان مخطط المغرب الأخضر، فاتحة خير على الفلاحة والفلاح المغربي أم أن الميزانية الفلكية المرصودة له تحولت الى فرصة ل"زيادة الشحم في ظهر المعلوف"؟ كما يقول المثل المغربي الدارج. أمام تشعب هذا البرنامج "الغول" و كثرة الأرقام والمتدخلين والسياسات الفرعية المرتبطة به فإن هذا التحقيق يحاول مساءلة نتائج برنامج المخطط الأخضر من خلال موضوع واحد هو "نظام التجميع"، الذي يعد عمودا فقريا للمشروع، ثم جغرافيا وحيدة حدودها هي جهة سوس ماسة، التي تعد سلة غداء المغرب. ميكرو من أجل فهم الماكرو للوهلة الأولى يخيل للباحث عن معطيات دقيقة عن المخطط الأخضر أنه بصدد البحث في "مخطط أبيض" لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه. محاولة فهم عبارات الثناء التي تتخلل كل حديث عن هذا المخطط تقتضي البحث في طبيعة وتاريخ الوزير الواقف وراء المشروع الملكي قبل كشف المساحات السوداء المتوارية وراء مخطط يراد له أن يبقى أخضرا و الاطلاع على بعض من نتائج المخطط يقتضي النزول من العام الى الخاص لتقريب الصورة و تبسيط الأشياء. محاولة فهم نتائج المخطط، على بعد خمس سنوات من خط النهاية المرسوم في سنة 2020، تقتضي ترك مدينة الرباط ومعها التصريحات الحذرة لمسؤولي وزارة الفلاحة و وكالة التنمية الفلاحية وسط العاصمة والانتقال إلى جهة سوس ماسة، مسقط رأس وزير الفلاحة و الصيد البحري عزيز أخنوش، وسلة غداء المغاربة التي تحوي 540636 هكتارا من الأراضي الفلاحية والتي يفترض، حسب المخطط، أن يتطور رقم معاملات القطاع الفلاحي فيها من 11838 مليون درهم سنة 2010 الى 17669 مليون درهم سنة 2020. بالنسبة لهرو أبرو، مدير المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بالجهة، فالمخطط الأخضر قادر على تحقيق وعوده رغم الصعوبات. المدير الجهوي حذر جدا ومتقشف حد الشح في شرح هذه الصعوبات التي لم يفصل فيها وفضل الحديث عن معطيات عامة شبيهة بتلك التي تقدم ب"الباوربوانت" إبان اللقاءات الرسمية. هرو أبرو، الموشح بوسام الاستحقاق الملكي من الدرجة الممتازة، بمناسبة عيد عرش 2013، قال، إبان الحوار، أنه نزع قبعة المسؤول وتكلم بلسان المواطن الغيور على الوطن. غير بعيد عن المكتب الجهوي للاستثمار توجد بناية زجاجية لشركة "ماطيشا". سيارة الدفع الرباعي من نوع "بورش كايين"، المركونة على باب العمارة، وحداثة البناية و فريق العمل تنم عن رفاهية تشهدها هذه الشركة، التي تعد من أهم مصدري الطماطم في العالم والحاصلة على أكثر من جائزة دولية في المجال. تقي الدين الشرادي، صاحب الشركة يعد من المستفيدين في إطار دعم المخطط الأخضر وتحديدا في شقه المتعلق بنظام التجميع الذي يعد ركيزة من ركائز المخطط الأخضر و نموذج تنظيم لربط فلاحين صغار بفلاح كبير أو فاعل من الخواص يتلقى دعما ماليا من الدولة لإبرام شراكة تبتدأ بالانتاج و تنتهي بالتسويق. ينتج هذا الرجل الوافد على قطاع الفلاحة 15000 طن من الطماطم سنويا و 4000 طن من خضروات و فواكه مختلفة. داخل إحدى ضيعاته، المجاورة لمدينة بويكرة، توجد محطة تلفيف متطورة و عمال يشتغلون بنشاط مع كل شروط العمل التي تحفظ النظافة والأمن غير أن الفلاح الكبير لا يحب الحديث عن مشروع نظام التجميع الذي استفاد منه، في إطار المخطط الأخضر، و آثاره على المُجَمِعين، أي الفلاحين الصغار الذين يمدون وحدته بإنتاجهم الضئيل، بقدر ميله للحديث عن مشاكل التصدير التي يواجهها عدد من الفلاحين الكبار وضرورة تدخل المخطط الأخضر لحل ما يعتبره المستثمر معضلة كبرى. لماذا لا يتحدث كبار الفلاحين عن الميزانية التي رصدت لهم في إطار نظام التجميع؟ الجواب عند مهندس فلاحي، الذي كان يرأس قسما بإحدى الإدارات الفلاحية المهمة على مستوى الجهة. يعتبر المهندس، الذي طلب عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع، أن أموال التجميع المرصودة هي أشبه بهدية توضع في جيب الفلاحين الكبار على حساب فكرة نبيلة تهدف نظريا الى تحسين دخل الفلاحين الصغار، عبر تثمين منتوجهم بفضل تحسين جودة الإنتاج وتسويقه في اطار مضمون من خلال المُجَمِع، أي الفلاح الكبير، الذي يتمكن بدوره من الولوج إلى قاعدة إنتاجية دون رصد موارد مالية، وتأمين التموين المنتظم لوحداته التحويلية بالمواد الأولية مع ضمان جودتها. خيرنا ما يمشي لغيرنا.. كلام المهندس تؤكده وثيقة استطعنا الوصول اليها من داخل المركز الجهوي للاستثمار بأكادير و التي تبين أن Les Domaines Agricoles، و هي شركة تابعة للهولدينغ الملكي، استفادت من تمويل مهم جدا في إطار المخطط الأخضر عبر مشروع لتوسعة محطة تبريد للحوامض تابعة لها تسمى "سوسية" ببلدية الدشيرة مع إنشاء محطة جديدة في أفق 2016. خيط البحث عن استفادة الشركة الملكية، التابعة لهولدينغ الشركة الوطنية للإستثمار SNI، أوصلنا الى وثيقة أخرى تظهر أن نفس الشركة رضعت من ثدي المخطط الأخضر هذه المرة عبر فرعها Les Aromes du Maroc، بقلعة مكونة والمتخصص في الورود والعطور. هدية المخطط هي عبارة عن ميزانية سخية وضعت رهن إشارة الشركة لتوسعة وحدة تحويل خاصة بتسويق النباتات العطرية و مشتقاتها. أموال التجميع المرصودة هي أشبه بهدية توضع في جيب الفلاحين الكبار على حساب فكرة نبيلة تهدف نظريا الى تحسين دخل الفلاحين الصغار المهندس الفلاحي، الذي كان يرأس قسما بإحدى الإدارات الفلاحية بالجهة، علق على الموضوع بالقول أن هناك شركات أخرى استعملت نظام التجميع كذريعة للحصول على أموال الدعم بينما توجد تجارب قليلة استطاعت تحقيق الأهداف النبيلة لهذا الشق من المخطط الأخضر. غير أن المهندس اعتبر استفادة شركة من حجم وطبيعة les domaines agricole مسألة غير سليمة "لقد استفادت الشركة التابعة لل SNI من تمويل آخر خاص بالمستنبتات والذي يعتبر الأهم بعد مستنبت مجموعة طارق القباج، رئيس المجلس البلدي لأكادير المنتمي إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي استفاد بدوره من دعم المخطط الأخضر". ليلى خويمي، مديرة شركة "مستنبت" SAPIAMA، التابع لمجموعة القباج أكدت خبر حصول صاحب "مستنبت" القيادي الاتحادي على تمويل المخطط الأخضر واعتبرت الموضوع مشروعا بل ومطلوبا لأنه ضاعف عدد الأشجار وجدد المزروعات مما أدى إلى زيادة الإنتاج وهي مسألة محمودة تحسب لهذا المخطط الحكومي، حسب المتحدثة. عن سؤال شبهة الفساد التي قد تتخلل مشروع المخطط الأخضر أجابت مديرة مشتل القباج أن شبهة الفساد قد تكون موجودة في بعض المشاريع لكنها لا تملك دليلا ماديا على ذلك. الحسين أضرضور، رئيس أكبر فدرالية بيمهنية في القطاع، غير متفائل تماما بنظام التجميع الذي جاء به المخطط ليس على مستوى التدبير والحكامة بل على مستوى الفلسفة والمنطلق أولا. "لقد اقْتُرِحَ علي مشروع للتجميع في إطار المخطط الأخضر و رفضته لسبب بسيط هو تركيز المشروع على الإنتاج وإهماله للتسويق". أضرضور يرى أن ذاكرة الفلاحين في سوس مازالت موشومة بسياسة مكتب التسويق والتصدير، الذي كان مؤسسة عمومية احتكرت تصدير المنتجات الفلاحية منذ سنة 1965. الرجل السبعيني يقول إن هذا المكتب، السيئ الذكر، قد بعث من جديد، بمناسبة إطلاق مخطط المغرب الأخضر، وذلك عبر مشروع قانون حوله الى شركة مجهولة الاسم SA تحمل اسم الشركة المغربية للتسويق والتصدير. الرجل يضيف أن عدد المصدرين بالمغرب، سنة 1965، كان يبلغ 5900 فلاح لم يبقى منهم سوى 176 مصدر سنة 1985 بسبب السياسات الكارثية لل OCE يختم المتحدث الذي لم يبدي ثقة كبيرة في هذا النظام الذي بشر به مخطط المغرب الأخضر. تقي الدين الشرادي صاحب "ماطيشا" يتقاسم نفس الفكرة مع أضرضور معتبرا أن غياب مواكبة سياسات التسويق على مستوى الخارج من طرف المخطط الأخضر يجعل جزء كبيرا من التمويل غير ذي جدوى. زراعة الجشع هناك مثل يقول أن "من يزرع الريح يحصد العاصفة" غير أن ما وقع في إقليمتارودانت، قد تنطبق عليه العبارة القائلة أن "من يزرع الجشع يحصد الخسارة" وحالة العاصمة التاريخية والثقافية لسهل سوس الخصيب تبين بشكل واضح تلك النتائج الكارثية الممكن حدوثها مع مخطط المغرب الأخضر الداعم للإنتاج والمغيب للتسويق. المكان دار الشباب بولاد تايمة والمناسبة لقاء تواصلي عقدته جمعية منتجي الحوامض بالمغرب مع فلاحي منطقتي هوارة وتارودانت. أمام علي قيوح، رئيس الغرفة الفلاحية لجهة سوس ماسة، وحسن ليوسي رئيس جمعية منتجي الحوامض، صرخ الفلاحون بأعلى صوتهم محتجين على ما وصفوه بالكارثة ومطالبين بإيجاد حلول لتسوية وضعيتهم قبل دخول أنشطتهم الفلاحية مرحلة التصفية والإفلاس. ما الذي دفع بفلاحي المنطقة الى هذا الضيق؟ الجواب عند (ن.ب) وهو أحد الفلاحين المتضررين الذي قال إن مخطط المغرب الأخضر هو السبب في هستيريا الفلاحين. كيف يمكن لمخطط جاء لدعم الفلاحة أن يتحول إلى سبب في بوارها؟ المسألة بسيطة، حسب الفلاح دائما، لقد وضع المخطط دعما سخيا للفلاحين الكبار مما زاد من مساحات أشجار الحوامض المغروسة و رفع من نسبة الإنتاج بنسبة 50 بالمائة وأغرق السوق الداخلية فأضحى ثمن بيع الليمون في السوق أرخص من كلفة إنتاجه. الفلاح الروداني لجأ إلى حل رديكالي بعد هذه التجربة، حيث اجتث مئات من أشجار الليمون في ضيعته، التي حاز بغرسها دعم المخطط الأخضر، فقرر استبدالها بمغروسات قادرة على المنافسة في السوق الداخلية أو تسويقها نحو أوروبا. بالنسبة لمولاي مهدي الراوي، المسؤول بالمديرية الجهوية للفلاحة بسوس ماسة، فإشكالات التسويق مطروحة " ويجب التفكير بشكل جماعي من أجل إيجاد حلول لها" غير أن ما قيل من طرف الفلاح الروداني فيه تهرب من المسؤولية، حسب المسؤول. مولاي المهدي الراوي يرى أن الجشع كان وراء سعي عدد من الفلاحين للحصول على دعم المخطط الأخضر دون دراسة قبلية لتسويق منتجاتهم كما أن بعضهم أقدم على تشكيل مجموعات تسويق عشوائية وسارعوا الى تسويق المنتوج قبل نضجه دون مراعاة للجودة وهو ما أدى الى الإساءة لسمعة الحوامض المغربية وعدم قدرتها على منافسة منتوجات جنوب إفريقيا و مصر مثلا، يختتم المسؤول الجهوي بمديرية الفلاحة. بعيدا عمن يملك الحقيقة في تحليله لما حدث في تارودانت، مابين شكوى الفلاح وتفسيرات المسؤول، فإن النتيجة تبقى واحدة وهي وصول الفلاحة هناك إلى حالة عجز لم يعد من الممكن معها تسديد فاتورة الماء لسد أولوز التي تعتبر الأكبر كلفة على الصعيد الوطني. دعم خارج القانون يحتاج نظام التجميع الفلاحي الى قانون يحدد العلاقات التعاقدية التي تنشأ بين المجمع، أي الفلاح الكبير، والمجمعين، أي الفلاحين الصغار، لإنجاز مشاريع التجميع الفلاحي، وذلك بهدف تأمين المعاملات، وخاصة التجارية منها، بين الأطراف المتعاقدة. و قد فكرت الحكومة بالفعل في قانون من هذا النوع يحدد الإطار المنظم من طرف الدولة لمشاريع التجميع الفلاحي، وذلك بتحديد البنود الإلزامية الواجب تضمينها في عقود التجميع الفلاحي ووضع الآليات الكفيلة بحل النزاعات التي تنشأ خلال تنفيذ عقود التجميع الفلاحي، غير أن المثير في الأمر هو استفادة بعض المحظوظين من دعم مخطط المغرب الأخضر، في إطار التجميع، قبل إقرار القانون نفسه. يوم 17 يونيو، من سنة 2012، وقع عبد الاله بنكيران بالعطف ونيابة عن الملك على ظهير شريف رقم 1.12.15 و القاضي بتنفيذ القانون رقم 04.12 المتعلق بالتجميع الفلاحي. منطقيا فالقانون هو صفارة الانطلاق من أجل مباشرة المساطر للتقدم بمشاريع التجميع والحصول على دعم الدولة في هذا الباب غير أن قليلا من البحث يضع الباحث أمام حالة غريبة وهي حالة بعض الشركات التي وقعت عقود البرنامج مع الدولة قبل إقرار القانون.ssdالنموذج الصارخ في هذا الباب هو دعم وكالة التنمية الفلاحية لثلاث شركات كبرى سنة 2009، قبل إقرار قانون التجميع بثلاث سنوات، وهي مطاحن المغرب، شركة "ثريا" المتخصصة في المعجنات والكسكس وشركة "فرتيما و شرف كوربورايشن"، المتخصصة في الاسمدة، وذلك عبر تجمع اقتصادي لهذه الشركات سمي ب"التنمية الفلاحية" أعلن عن ضمه ل 1100 فلاح وعن أهداف طموحة متمثلة في تمكين الفلاحين الصغار من وسائل لتحسين الإنتاج ورفعه ومضاعفة ا.نظام تجميع الشركات الثلاث قُدِمَ كمشروع نموذجي في تقرير داخلي لوزارة الفلاحة والصيد البحري، يغطي من سنة 2008 إلى سنة 2011، أنجزه خبير يدعى زكرياء الحوبي، غير أن مشروع الشركات المرتبطة بقطاع الحبوب كان كارثيا و وصل إلى النفق المسدود، مشاكل في التمويل وأعطاب في البحث العلمي وعطل تام في نظام التجميع. في حديثه بمناسبة الدورة الرابعة من الأيام التقنية لمعهد التكوين IFIM رسم أحمد أوعياش، رئيس الفدرالية البيمهنية لفلاحة الحبوب، صورة قاتمة للقطاع. نظام تجميع الشركات الثلاث قُدِمَ كمشروع نموذجي في تقرير داخلي لوزارة الفلاحة والصيد البحري، يغطي من سنة 2008 إلى سنة 2011، أنجزه خبير يدعى زكرياء الحوبي، غير أن مشروع الشركات المرتبطة بقطاع الحبوب كان كارثيا و وصل إلى النفق المسدود، مشاكل في التمويل وأعطاب في البحث العلمي وعطل تام في نظام التجميع. في حديثه بمناسبة الدورة الرابعة من الأيام التقنية لمعهد التكوين IFIM رسم أحمد أوعياش، رئيس الفدرالية البيمهنية لفلاحة الحبوب، صورة قاتمة للقطاع. هكذا يظهر إذن أن المشروع الأول، الذي وصف بالنموذجي والذي دعم في إطار نظام التجميع، قبل إقرار قانون التجميع نفسه، لم يستطع النهوض من كبواته المتتالية في حقل الحبوب الذي يلعب دورا اجتماعيا واقتصاديا مهما حيث تحتل هذه الزراعة 70 بالمائة من الأراضي الصالحة للفلاحة بالمغرب كما يشغل 40 بالمائة من ساكنة العالم القروي. أمام هذه الحالة الحرجة سارعت الإطراف الموقعة على العقد البرنامج إلى محاولة تدارك الوضع من خلال تكوين خمس لجان هدفها تشخيص المشكل ووضع خطة لتجاوز العقبة، غير أن عددا كبيرا من المحللين رأوا أنه من الصعب تحقيق رقم معاملات 20 مليار درهم، في قطاع الحبوب، التي بشر بها مخطط المغرب الأخضر في أفق 2020. خطوة الى وراء ! قُدِمَ نظام التجميعة ذهبية للفلاحين الصغار من أجلإلى أسواق خارجية عبر التصدير الذي يضمنه المُجَمِع، أي الفلاح الكبير صاحب العلاقات المتشعبة في الأسواق الدولية، ومع بداية تنفيذ مخطط المغرب الأخضر وضع ستة عشر عقدا فلاحيا جهويا يمثل التكريس الخاص بكل جهة في هذه الاستراتجية الفلاحية والاستثمارات وفرص العمل وإمكانيات التصدير، غير أن إمكانيات التصدير بقيت محدودة بل وبتقدم سنوات تنفيذ هذا المخطط تراجعت معدلات التصدير بشكل مهول. قدسية المخطط النابعة من قدسية الملك كمشرف أول عليه، جعلته غير خاضع للمساءلة التشريعية ولا للتناول الإعلامي المهني سنة 2012 سجلت صادرات المغرب في المجال 490000 طن و في سنة 2013 سجلت 385000 طن بتراجع يقدر ب 3,9 بالمائة أما بالمقارنة مع سنة 2008، سنة الإعلان عن إطلاق المخطط الأخضر، فإن الرقم يظهر تقهقر الصادرات مع توالي السنوات بنسبة تصل الى 24,5 بالمائة. تُعلق الدولة هذا التراجع الكبير على شماعة الأزمة المالية التي مست أوروبا وتربط تحسنه بتحسن القدرة الشرائية للمواطنين في القارة العجوز وروسيا غير أن الثابت هو فشل المخطط الاخضر في الوصول الى نتائجه المرجوة داخل قطاع التصدير الذي ابتلع 4,9 مليار درهم التي صرفت على 22 مشروعا سنة 2013، على سبيل المثال، و التي قيل أن عدد المستفيدين فيها وصل 3131 فلاح. المثال الصارخ والذي يُمَكِّنُ من فهم هذه المفارقة المتمثلة في زيادة الدعم الذي يعطي نتائج عكسية هو قطاع الزراعة البيولوجية، وهي زراعة تحترم مسارا طبيعيا من مرحلة الغرس إلى مرحلة التسويق وفق دفتر تحملات مضبوط. ففي سنة 2011 صدر هذا القطاع 9000 طن نحو الأسواق الخارجية، منها 8300 طن من المواد الطازجة و 700 طن من المواد المصنعة. غير أن الصادرات تراجعت سنة 2012 الى 8000 طن بمعدل 11 بالمائة و سنة 2013 زاد التقهقر إلى أن وصل 6600 طن بمعدل 27 بالمائة وهو ما يجعل هدف المغرب الأخضر المتمثل في رفع الإنتاج في هذا المجال الى 60000 طن، سنة 2020، أشبه بنكتة.
إن القراءة المتأنية و الموضوعية لمخطط المغرب الأخضر تظهر أن المغرب أمام مشروع هيكلي كبير يعبر في ديباجته عن أهداف نبيلة غير أن هذه الاستراتيجية الفلاحية الطموحة، ولأسباب مرتبطة بالتسرع في الإعداد و سوء الحكامة في التدبير وقدسية المخطط النابعة من قدسية الملك كمشرف أول عليه، جعلت منه مشروعا غير خاضع للمساءلة التشريعية ولا للتناول الإعلامي المهني كما جعلته يقدم بشكل دائم كخطة ناجحة قادرة على نقل قطاع الفلاحة الحيوي من حال إلى حال وهو ما لا تؤكده النتائج المحصل عليها، للأسف، بعد سبع سنوات عجاف عانى فيها الفلاح المغربي من جفاف المناخ أحيانا وجفاف السياسات المتبعة في القطاع أحايين أخرى.