توقيف استاذ يتبنى فكر تنظيم "داعش" الارهابي    عائدات سوق الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء بلغت 177 مليون درهم خلال سنة 2024    الذهب يتجه نحو تحقيق مكاسب للأسبوع الثالث على التوالي    علماء: ارتفاع حرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة مئوية في 2024    محللون اقتصاديون: المغرب يشهد تأثر "ثقة الأسر" بالبطالة والادخار    إدانة رئيس وزراء باكستان السابق عمران خان بالسجن 14 عامًا بتهم الفساد    ترامب: فريقي وراء "اتفاق الهدنة"    نتانياهو: اتفاق للإفراج عن الرهائن    دوري أبطال إفريقيا: تحكيم من مدغشقر لمباراة الرجاء المصيرية أمام مانييما الكونغولي    المنتخب المغربي للجيدو للشبان يحرز 29 ميدالية بالدوري الدولي الإفريقي    الرجاء يطرح تذاكر مباراته المصيرية أمام مانيما الكونغولي    الدار البيضاء.. توقيف تسعة أشخاص يشتبه تورطهم في التجمهر وارتكاب أعمال العنف المرتبط بالشغب الرياضي    كيوسك القناة | وكالة "فيتش" تتوقع استمرار الربحية القوية للبنوك المغربية    الغزواني يدير مستشفى سانية الرمل    عائدات سوق الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء بلغت 177 مليون درهم خلال سنة 2024    الصين تؤكد على التزامها الدائم بتعزيز التحول العالمي نحو اقتصاد منخفض الكربون    اجتماع لمجلس الأمن الإسرائيلي للمصادقة على اتفاق إطلاق سراح الرهائن في غزة    الصين: حوالي 278 مليار دولار، حجم الاقتصاد الرقمي لبلدية بكين خلال 2024    منع الجمهور التطواني من التنقل لمتابعة مقابلة النادي المكناسي    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    تاوريرت.. توقيف أستاذ يتبنى الفكر المتشدد لتنظيم "داعش" الإرهابي    "كورفا سود" تحاصر رئيس الرجاء    نادي "لوكوس للفوتسال" يطلب الإنصاف .. وجهة طنجة تحث على الاجتهاد    ‬"فيتش": البيئة تدعم البنوك المغربية    قانون الإضراب في مجلس المستشارين .. الأغلبية تثمن "الشجاعة السياسية"    مجلس المنافسة يتواصل مع الإعلام    ‬خبراء يعددون المكاسب الأمريكية من موقف ترامب في الصحراء المغربية    استطلاع هسبريس: المغاربة يفضلون "الكاش" على البطاقات البنكية    سايس: لم أعتزل المباريات الدولية    أشغال بناء سدين تنطلق في تنغير    مشاريع توفر الدخل لسجناء سابقين    مزاد يثمن الفن التشكيلي بالبيضاء    حمودان يقدم لوحات فنية في طنجة    بوريطة يستقبل المديرة العامة لوكالة الاتحاد الإفريقي للتنمية    مجموعة مارتينيز أوتيرو الإسبانية تختار المغرب لفتح أول مصنع لها في الخارج    بعد الضجة التي أثارها وهبي.. سحب مهام صياغة مدونة الأسرة من وزارة العدل إلى لجنة وزارية موسعة    لقاء المخابرات الجزائرية مع الموساد! اللقاء مع ماكرون وجنرال المخابرات المغربية وتهديد شيراك»أسلم تسلم وإلا السلاح بيننا (4)    زخم ديبلوماسي متنام.. مالاوي تجدد تأكيد دعمها للوحدة الترابية للمغرب    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين (شان 2024).. المغرب في المجموعة الأولى إلى جانب كينيا وأنغولا والكونغو الديمقراطية وزامبيا    مسرح محمد الخامس يحيي ليلة "إيقاعات الأطلس المتوسط" احتفاءً برأس السنة الأمازيغية    تسجيل إصابة 79 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة موزعين على 13 مؤسسة سجنية    «نحو مغرب خال من السيدا بحلول 2030»: اليوم الدراسي للفريق الاشتراكي يسائل السياسات العمومية والمبادرات المدنية    تطورات الحالة الصحية للنجم سيف علي خان بعد تعرضه للطعن    إسرائيل تتهم حماس ب"التراجع عن أجزاء" من اتفاق الهدنة في غزة والحركة تنفي    منال بنشليخة تستلم جائزة "بيلبورد" عربية (صور)    رغم إعلان وقف النار.. استشهاد 73 فلسطينيا في غارات للعدوان الإسرائيلي    "حليميات".. رحلة موسيقية لإحياء روائع عبد الحليم حافظ    سيف علي خان يتعرض لاعتداء مروع في منزله    تناول المضادات الحيوية بدون استشارة الطبيب..مختص يفرد التداعيات ل" رسالة 24 "    حزب التقدم والاشتراكية يرحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة    خبيرة توضح كيف يرتبط داء السيدا بأمراض الجهاز الهضمي..    المغرب يدعو لتفاوض عربي موحد مع الشركات الرقمية الكبرى للدفاع عن القضية الفلسطينية    HomePure Zayn من QNET يحدد معيارًا جديدًا للعيش الصحي    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسن أوريد يكتب: الإغراءٌ الأخير للغرب
نشر في لكم يوم 02 - 11 - 2023

هل يستطيعُ الغربُ أن يحافظَ على "إغرائه" بعد الآن!، حسَب تعبير الأديب الفرنسيّ أندري مالرو. الغرب مفهومٌ حمّال أوجه، يفيد الرقعة الجغرافية التي انتسجت فيها الحضارة الغربيّة، ويُحيل إلى القيم التي قامت عليها تلك الحضارة، ويعني كذلك السياسة التي تأخذ بها دول الغرب، بل كان يفيدُ ما سبق أن سمّاه "سون يات سين"- أوّل رئيس لجمهورية الصين- "بالإنسان الأبيض..."، بَيدَ أنَّ مفهوم الغرب تطوّر عبر الزمن، وتحدَّد من خلال "آخر". فقد كان يعني الأنوار والعقل، في القرن الثامنَ عشرَ ضد التقاليد، وما كان يُسمّى بالظلامية، وكان يعني "المهمة الحضاريّة" في القرن التاسعَ عشرَ، إبّان الحِقبة الاستعماريّة، وأضحى يعني "العالم الحر" ضد الفاشية والنازية، واقترن بالديمقراطيّة والسوق ضد الشيوعية، إلى أن أضحى هدفًا مطلقًا، وبروفة صالحة لكل زمان ومكان، بعد أن انتفى أي خَصم محتمل، حينما بلغ التاريخ منتهاه، حَسَب زعم فوكاياما.
على العالم وَفق النظرة التبشيرية التي سادت عقب سقوط حائط برلين، أن يأخذ بقيم الغرب، وهي القيم التي تحملها الولايات المتحدة، وعلى العالم بالتبعية أن يسير في ركابها. لكن ما لبث أن عاد التعريف يتحدّد من خلال آخر، بعد أحداث 11 سبتمبر، هو الإرهاب، أو على الأصحّ الفاشية الإسلامويَّة.. ظاهرًا، وضد الإسلام باطنًا، مثلما جهرَ بذلك بعض السياسيين وأصحاب الرأي، إذ يعلنون ما قد يسرُّه البعض.
سادَ الاعتقاد لدى كثيرٍ من النخب الفكرية والسياسية بإمكانية "التصالح"، أو التقاء الضفتَين، حسَب تعبير جاك بيرك، ولكن التّصالح والالتقاء لم يتمّا بسبب مواعيد مُخلفة. في الفترة الاستعماريّة بسبب الغطرسة، وبعدها بسبب التمزيق، والتدخل، وها نحن أولاء نشهد مرّة أخرى موعدًا مُخلفًا مع المجزرة التي تتعرّض لها غزّة، في صمتٍ مريبٍ من قِبل ساسة الغرب، وفي تواطؤ فاضحٍ من قِبل الولايات المتحدة، التي لم تضع لإسرائيل خطوطًا حمراءَ، وتأثُّم مَشين من قِبل بريطانيا، وازدواجيّة مفضوحة من قِبل فرنسا، وانصياع مطلق لساسة الغرب وأصحاب الرأي ضد "البرابرة"، وماكارثية مفضوحة ضد مَن يجهر بالحق، وينهض ضد إبادة شعب.
أذكر ها هنا ما كان كتبه القيادي التاريخيّ الجزائري الحسين آيت أحمد، عقب حرب الخليج الثّانية في مقال له ب "لوموند" بتاريخ 10 مارس 1991، حول أنَّ تاريخَ الضفتَين تاريخ مواعيد مُخلفة، وهو يعيب على الغرب تمييزه في المواقف، أو كيله بمكيالَين، ويستشهد بهذا التاريخ الذي يعتبره ليس فقط موعدًا مُخلفًا، بل جرحًا في تاريخ الضفتَين، حينما أقدمت السلطات الفرنسية على تقتيل المتظاهرين في سطيف وقالمة بتاريخ 8 مايو 1945، في الوقت الذي كان فيه الحلفاء ينتشون بالنصر. لم يكن آيت أحمد – رحمه الله- للتذكير، منظرًا إسلاميًا.
اكتشفت النخب حينها أنّ الحرية "تنصرف" في الشمال، وأنها "ممنوعة من الصرف" في الجنوب.
ما أشبه اليوم بالبارحة!. ما الذي نراه اليوم؟ انعدام التمييز لدى الغرب. ضحايا يُصوَّرون بوجوه إنسانية، تستدرُّ العطف وتحظى بالتعاطف، وآخرون يُستكثر عليهم وضعهم الإنساني، ولا يؤخذ بوضعهم المدني، لا يشفع لهم أنّهم نساء أو أطفال أو شيوخ، ويُشكك في عدد ضحاياهم، ويعتبرون ضمنيًا- حسَب مصطلح سبق أن استعمله الجيش الأميركي في حرب الخليج- ضحايا جانبيين.
تُغتال الحقيقة، بشأنهم، أي أنهم يُغتالون مرتَين، كما الزعم بأن من قذَفَ مستشفى المعمداني هو الضحيّة نفسه؛ غسلًا ليد الجاني. يُهزأ بأرواحهم، حين تقديم العزاء لطرف، والامتناع حتى عن المطالبة بوقف التقتيل، باسم "حقّ الرد" والدفاع عن النفس.. وصمت مريع، لدى النخبة الفكرية الغربية، وسُبّة للذكاء ومنطق الأشياء الدفع بتأمين "المساعدات الإنسانية" والامتناع في الوقت نفسه عن وقف العدوان، كمن يمُنّ عليك بأنه يضمد جرحك، وهو من جرحك، أو أمر بجرحك، أو تغاضى عمن يجرحك. يضاف إلى هذا القيامةُ ضد الأمين العام للأمم المتحدة؛ لأنه قال: إن "طوفان الأقصى" لم ينهمر من عدم. ولغة مزدوجة كما في عالم جورج أورويل، إذ يُضيَّق على قناة الجزيرة، ثم يُثنى عليها من البيت الأبيض، في كلام فضفاض للتمويه عن مقتل أسرة الصحافي وائل الدحدوح.
إلى عهد قريب، فوجئنا بما كشف عنه المخبوء -عقب الحرب على أوكرانيا- عن النازحين الأوكرانيين الذين يشبهوننا، مثلما قال معلق صحافي غربي، ولا يشبهون في شيء ما اعتدناه من صور النزوح والمآسي، لدى الأفغان والعراقيين والسوريين..؟
كيف نستطيع أن نُقنع الجيل الجديد بعالميّة القيم الغربية، مثل القول الذي قدّمه أكاديمي من موريتانيا صرف جهده طوال مسيرته العلمية ليعلم طلبته النهضةَ الغربية، وفلسفة الأنوار، وقيم الحرية والمساواة، والعدالة التوزيعية، ولربما المجتمع اللائق عند ماركاليت أفيشاي، وما لا أدري من المفاهيم المجلجلة "العالمية"، على اعتبار الإنسان مفهومًا مطلقًا، لا يسوغ التعامل معه على أنه آلة، أو بضاعة، أو إنسان غير مكتمل الإنسانية..
والحقيقة أن الحرية والمساواة والكرامة والمجتمع اللائق لا تحق إلا لمن هو في الضفة الأخرى، لمن "سحنته تشبه سحنتنا، ومرجعيته تطابق مرجعيتنا"، كما في هذا القول التي نضحت به سريرة غربية.
نعود إلى ما كدنا ننساه، إلى صرخة فرانز فانون، في كتابه: "معذبو الأرض"، الذي صاغ مخيال جيلي على أرائك الجامعة، حول ازدواجيّة الغرب، أو حسب تعبيره عن أوروبا (أو الغرب) التي تتحدث عن حقوق الإنسان، وتخنقه عند أول منعرج.. كدنا ننسى هذه الحقيقة، باسم إخفاقات متتالية، وباسم الواقعية، لكن هل نستطيع أن نتمادى في التناسي أو النسيان؟ أليست أمريكا التي بشّرت بحقوق الإنسان في العراق، هي من انتهكَ حقوق الإنسان في أبي غريب وغير أبي غريب؟! أليست هي الغطاء، بل اليد، لما يُقترف ضد المدنيين، والأطفال والنساء، والصحافيين، وأسر الصحافيين، في غزة والضفة الغربية؟!
مَنْ ذا يرفض السِّلم؟! ولكن السلم من منظور واحد، أو إملاء من طرف هو دعوة للاستسلام، وهو إمعان في الإذلال. هو وصفة لحروب ألف عالم، ولو تخللتها هدنة، أو مرحلة هدوء، وما كان يحمله الغرب، أو الولايات المتحدة هو ديكتات، من أجل "عالم مزدهر"، باسم وسيط نزيه، وباسم الأرض مقابل السلام، وباسم ما بشّرت به في العراق، وباسم اتفاقات أبراهام. والواقع أصدق أنْباء من الكتب.
لكن لا يكفي أن نعيب الآخر ونذهل عما كسبته أيدينا. من سذاجة بعض من حَمَلة الرأي، وما أبرّيء نفسي. ومن تواطؤ بعض منهم، ممن أمعن في التماهي مع الجاني. نحن أمام ظاهرة مريبة من نخب مدخولة، من غير نُسْغ، صنيعة ماكينة إعلامية وأيديولوجية. نخب مصاغة في مختبرات، ينفخ فيها الإعلام، وتمدّ بالجوائز لكي تصبح معبّرة عن "الوجدان".
نحن مطالبون بإعادة النظر في كل شيء. في الآخر، ودعوته "العالمية"، وفي أنفسنا، وفيمن يُعتبرون "ضمائر حية"، وهم كائنات مختبرية، في حقيقة الأمر.
فقد الغرب بريقه أو إغراءه. أرادنا من غير نسغ، ولا هُوية، ولا قضية. مجرد سوق لبضائعه ورؤاه، مع وسطاء ووكلاء، نتاج توليد مختبري.
الآن حصحص الحقّ.
*أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط وببوردو
*عن موقع "الجزيرة نت"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.