صدر حديثا كتاب جديد للإعلامي المغربي، أحمد إفزران بعنوان "مهاجر إلى الصحافة.. مسيرة حياة". ويتناول فيه الكاتب بالكثير من التفصيل مسيرته التي انطلقت نهاية أربعينات القرن الماضي، ومعاناة أسرته والمغرب عموما مع المجاعة التي عرفتها البلاد، لأسباب منها الجفاف والأوبئة والهجوم الكاسح للجراد على المحاصيل الزراعية، ليتحول إلى أحد قيدومي الإعلام المغربي. المؤلف الذي جاء في 249 صفحة، يسلط الضوء في نصفه الثاني الكاتب على بعض من أحداث تاريخ الصحافة في المغرب ابتداءا من ستينيات القرن الماضي، التي عاشها أحمد إفزران، وما رافقها من نجاحات وإخفاقات، ومن أحداث منها المؤلم ومنها الطريف والمضحك، في مسيرة صحفي قضى أزيد من نصف قرن في مهنة المتاعب. ويقول عزيز إفزران الذي قدم للكتاب، أن سيرة والده لا تخص العائلة والمقربين فقط، هي أيضا للمهتمين بالشأن الإعلامي، مهنيين وأساتذة وطلبة، باعتبارها تلقي إضاءات على تاريخ الصحافة في المغرب، بل إنها موجهة لكل القراء، إذ ما أحوج أجيال اليوم للتعرف على أسماء تعكس حياتها قيم التضحية والنزاهة. وتضمن الكتاب، مجموعة من المعطيات والعناوين في فهرسته منها، (عام المجاعة، هؤلاء علموني، الهجرة إلى الرباط، صحافي وبائع للخضر، تدريب وطني للصحافة، جريدة الشعب، القمة العربية، عالم الطباعة، محمد شكري، إدريس البصري، الخط التحريري، المهدي المنجرة، أحمد بوكماخ، الحاجة الحمداوية، سور المعكازين، طرائف في مقر الجريدة، عملية جراحية، عائد من حرب كورونا، ملحق الصور، وغيرها)، حيث يتضمن الكتاب تفاصيل كل عنوان على حدة. مسيرة حافلة واشتغل أحمد إفزران، في تحرير عدة صحف وطنية، الأنباء الحكومية سنة (1965) وجريدة العلم سنة (1977) ولوبينيونسنة (1978)، سنة 1980 سيقوم بتدريب بأكبر الصحف والمؤسسات الإعلامية الفرنسية كجريدة "لوموند" و"وكالة الأنباء AFP"، وإذاعة "مونتي كارلو" كما مارس العمل الإذاعي من خلال إذاعة البحر الأبيض المتوسط (ميدي1) التي قضى فيها حوالي 10 سنوات (1981 / 1990، حيث اختير مقدما لنشراتها الرئيسية وسكرتيرا لهيئة التحرير العربية، كما مر من إذاعة طنجة المتوسط سنة 2015، بالإضافة إلى إصداره سنة 2005 مجلة "الإنسان الجديد"، لكن تبقى أبرز تجربة إعلامية خاضها أحمد إفزران حسب العديد من المراقبين، هي إصدارهفي يناير سنة 1992 جريدة "الخضراء الجديدة"، التي واصلت صدورها بانتظام وبشكل أسبوعي كل خميس لمدة 13 سنة . "الخضراء الجديدة" تجربة إعلامية فريدة من الأرقام الدالة على نجاح هذه التجربة الإعلامية التي غزت البيوت الطنجاوية طيلة 13 سنة، أن طاقمها بلغ في أوج عطائها 20 فردا بين صحفيين ومراسلين وكتاب وتقنيين، وكانت تطبع الجريدة في أرقام غير مسبوقة باعتبارها جريدة جهوية، أزيد من 20 ألف نسخة من كل عدد، وتوزع بطنجة التي كانت تأخذ النصيب الأوفر، وتطوان وشفشاون والعرائش، إضافة إلى بعض المدن خاصة العاصمة الرباط، أكثر من هذا كانت بمجرد وصولها إلى الباعة تنفد عن آخرها، فتضطر إدارة الجريدة يقول إفزرانإلى إصدار طبعة ثانية، وأحيانا ثالثة في اليوم التالي. وأفاد إفزران، أن أسبوعية الخضراء الجديدة تمكنت من الدخول لجل البيوت، وخاصة بعروس الشمال طنجة، بفضل المواضيع التي كانت تتناولها، والأفكار الجديدة التي كانت حريصة على ابتكارها، مضيفا أن القراء كانوا مهتمين بالموضوع التي كانت تنشرها، وهي مواضيع ساخنة، ناقدة، وتتميز بالقرب من الحياة اليومية للناس. وبخصوص فريق عمل الأسبوعية، يقول إفزران، الفريق استوعب رسالة الجريدة، وهي النقد البناء لكل ما يستوجب النقد، مبرزا أنها جريدة ناقدة بلا حدود، تنتقد كل ما يجب انتقاده، في مسار أية مؤسسة عمومية، أو مجلس منتخب، موضحا أن الجريدة كانت تمارس النقد البناء، بلا تحامل، بلا دخول في الحياة الشخصية، وكانت حريصة على البحث والتحقق من المعلومات، وإذا أخطأت لا تتردد في الاعتذار العلني. 13 شكاية ضد الجريدة أمام القضاء مسيرة الجريدة لم تخلوا من إكرهات، لعل أبرزها أن الجريدة وطيلة 13 سنة من الصدور، رفعت ضدها 13 شكاية أمام القضاء بمعدل شكاية كل السنة، يقول إفزران، تلقينا شكايات من برلمانيين ورؤساء جماعات محلية، ومراقب عام، وحتى من بعض الخواص، وانتهكت كلها بالبراءة، بالإضافة أن أحد الوزراء تراجع عن شكايته، لأنه كان يخلط بين مفهومي "السب والقذف" وحق انتقاد حزبه، كما أن ملياردير برلماني تنازل عن شكايته، بحيث أنه كان يبتز الجريدة ويريدها أن تكون في خدمته. من الأمور المثيرة التي نقلها أحمد إفزران، أن صحفيا مزورا من مدينة الرباط، أنشأ جريدة له بنفس الإخراج والشكل، وأسماها الخضراء السياسية، وأسس له شركة توزيع، وصار يوزع جريدته مجانا بشوارع مدينة طنجة، ولم يفلح في إقناع قرائنا، وهذه المعركة لم تزدنا إلا إشعاعا. "الخضراء الجديدة" والعلامة عبد العزيز ابن الصديق من الأمور التي كانت تثير انتباه المهتمين بالإعلام المحلي بطنجة، هي المقالات التي كان يكتبها أسبوعيا على شكل عمود بالخضراء الجديدةالعلامة عبد العزيز ابن الصديق تحت عنوان "ما يجوز وما لا يجوز في الحياة الزوجية"، حيث كانت تواجه ببعض الانتقادات، وهو ما علق عليه أحمد إفزران في الكتاب، بأن العلامة الراحل كان يتقبل بصدر رحب كل الآراء التي خالفته حول تناوله مواضع لها علاقة بالحياة الجنسية الزوجية، بحيث كان بطبعه منفتح على الجميع. ووصف إفزران، العلامة ابن الصديق بأنه رجل فاضل وشخصية لا تنسى، وأضاف أنه كان يتصل به بانتظام ليخبره بآخر مستجدات حالة من حالات المجتمع والسياسة والثقافة، وأحيانا أقترح عليه تعليقا في موضوع ما، ثم يأتيني الجواب مكتوب بخط نجله عبد المنعم ابن الصديق. وعن بداية كتابة العلامة ابن الصديق لمقالات حول المسألة الجنسية بالخضراء الجديدة، قال إفزران أنه كان في نقاش مع أحد أصدقائه بطنجة، وإذا بسؤال حول رأي الفقيه عبد العزيز ابن الصديق في المسألة الجنسية يقفز إلى الواجهة؟ فاقترح علي طرح الأمر على الفقيه، فاتصلت به وحدثته في الموضوع، وبعد أيام زارني نجله عبد المنعم في مقر الجريدة، وسلمني مقالا لفضيلة العلامة هو جواب عن سؤال لسيدة قارئة للجريدة، فوضعت له عنوانا هو "ما يجوز وما لا يجوز في الحياة الزوجية".