لم أتحدث إلى الشاعرة اليمنية ابتسام المتوكل منذ أن غادرت الرباط قبل ثلاث سنوات. كانت تجمعني بها أيام إقامتها الطويلة بالمغرب سخريتها من الحياة وضحكاتها المدوية ونكتها التي لا تنتهي بكل اللهجات وقصائد شعرها ولحظات فرحها وحزنها واكتئابها . ابتسام التي كان أجدادها ملوكا صارت مغربية مثل يمني مغربي آخر هو عبد الكريم هائل سلام. لن أتحدث عن سلام لان الموضوع اليوم نسوانجي مائة بالمائة. نترك عبد الكريم هائل سلام الذي يعرفه الطلبة القدامى بالمعهد العالي للصحافة أيام زمان إلى فرصة أخرى. لقد هرمنا يا أبو زكرياء "قائد الفيلق الخامس". المتوكل شاعرة في حياتها قبل أن تكون شاعرة في كتاباتها. في 8 مارس حدثتها على الهاتف فأجابتني وكأننا افترقنا قبل ساعة فقط. قلت لهاّ: أش خبار الثورة ديالكم . فقالت: سافا بخير وخا عليكم كلكم نسيتوني... و قهقهت كعادتها قبل إتمام الكلام. دقيقتين أو ثلاث أنهينا حديث النوستالجيا وودعتني بالقول المغربي الفصيح:"واخا واخا .."، أي "أوكي أوكي"، للقارئ الذي لا يعرف أن "واخا" ماركة مسجلة مغربية. تذكرت في ثامن مارس ابتسام الشاعرة التي تملك موهبة خارقة في تعلم اللغات في خمسة أيام بدون معلم. وتلعب بجمل وكلمات بالريفية والسوسية وتخلطها مع لغات أخرى وتخرج بكوكتيل مولوتوف لغوي فصيح وساخر. تذكرت في ثامن مارس نساء من منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بعضهن خرجن من الاعتقال والمطاردة البوليسية في سنوات الرصاص ليؤسسن جريدة 8 مارس. كانت أفكار وآراء الجريدة النسائية مثل قنابل موقوتة موجهة ضد التخلف والرجعية والبؤس الفكري والتسلط الديني والإقطاع. في ثامن مارس أتذكر يطو بنت الأطلس الخنيفرية التي رفضت تعليمات قايد متسلط مستبد فأعتقلها ظلما وعدوانا ومرغ كرامتها في وحل القمع وحلق رأسها عقابا. في ثامن مارس تخطر على ذهني والدة صورة والدة مصطفى الحمزاوي الخريج الجامعي الذي فارق الحياة في كوميسارية. جاءت الأم من قرية من الأطلس تبكي حرقة والم فقيدها فلذة كبدها المقتول. لن أنس صوتها وهي تروي قصة ابنها في مقر المنظمة المغربية لحقوق الإنسان أيام إدريس بنزكري. كانت القاعة الصغيرة تفيض بالحاضرين من السياسيين والحقوقيين وكانت والدة الحمزاوي أقوى متدخلة لان بعضنا بكى تلك اللحظة حين كانت تتوجع بحرقةّ : "ولدي قتلوه ولدي قتلوه علاش قتلوه...". وقتئذ كتبت بورتريه عن المرأة ونشرته في "الصحيفة". نساء أخريات يحضرن في ذاكرتي وعقلي في ثامن مارس مثل فاضمة أحرفو التي يعرفها من نبشوا في أزمنة الرصاص.المرأة التي تقطن الجبال هناك في المغرب العميق تلقت تعذيبا وحشيا في عام 1973. الدولة تحمي نفسها من المعارضة بتعذيب النساء في ما وراء الجبال. هل هددت فاضمة أمن الدولة ؟ هل قادت حرب عصابات أو عصيانا مدنيا من أملشيل؟ لماذا عاقبوها بتلك الطريقة. هل كانت السلطة مريضة بوسواس قهري إسمه المعارضة إلى تلك الدرجة؟ في ثامن مارس أتذكر تاوغرات ايت شخمان المرأة التي نطقت الشعر والزجل لمقاومة المحتل. عيطة جبلية ضد الاحتلال الذي انتهى بالاستقلال المخطوف من قبل حركة وطنية قال فيها عبد النبي في أسواق الريف قديما أن المنجل ويقصد السلطة والدولة هو نفس المنجل لم يتغير فيه سوى القبضة. "المنجل ذوني نثا". بدأت أتعلم لغة أمي. تحضرني صورة فاضمة التي حاربت في بورديل عسكري في الهند الصينية. كانت فقيرة وآية في الجمال. جاؤوا عندها قرب شلالات أوزود في فم الجمعة وهجروها ا لتكون رفيقة الخندق لجنود محتاجين إلى"فيدانج"، حتى يقاتلوا في أحسن الظروف ولا تختلط عليهم الخنادق. التقيت فاضمة صدفة قبل ثلاثة أشهر في أزيلال وحكت لي عن ما كتبته عنها الصحافة. كنت مفلسا أعطيتها ما تبقى لي من دراهم معدودة. ورقم هاتفي إذا كان هاتفي يصلح لها لمواجهة غدر الدهر. تقفز إلى ذهني صورة مي حليمة والدة عبد السلام المودن. كان عبد السلام قد فارق الحياة في حادثة سير غامضة بعد أن قضى في السجن 15 سنة. خرج المودن ولم يتوقف عن الكتابة التي بدأها من داخل الزنزانة. كان يكتب في "أنوال" مقالات "ردشوسي" على الصفحة الأولى قوية مبنى ومعنى. ارجعوا إلى مقالات المودن ستجدون 20 فبراير قد سبقنا إليها الكاتب بعشرين سنة. لا أعرف الآن إلى أين انتهت مي حليمة. ما أعرفه أنها عاشت ظروفا صعبة في مواجهة الفقر والحاجة والتهديد بالطرد من السكن. أي النساء يمكن أن نضيف؟ كثيرات طبعا. سعيدة المنبهي التي حلمت بالثورة فماتت في أشهر إضراب عن الطعام في تاريخ المغرب السياسي. زوجة صلاح حشاد الطيار الذي خرج من تازمامارت سالما. والدة حسن السملالي وهي تناضل ثم وهي تحضر جلسات استماع هيئة الإنصاف والمصالحة. صونية ترزاز. نساء أنفكو المنسيات في الصقيع. فدوى العروي التي انتحرت في سوق السبت. ثريا الشاوي الطيارة التي ماتت مباشرة بعد الاستقلال في ظروف غامضة توضع عليها أكثر من علامة استفهام. الخليجيون يجهلون أن المرأة المغربية كانت ربان طائرة في عام 1956هم الذين يمنعون زوجاتهم وبناتهم من السياقة؟ لماذا يعتقد الخليجيون أن المغربيات جزء من حريمهم المتخيل المريض المكبوت؟ هل نضيف أسماء أخرى؟ للا فاضمة نسومر الملقبة جان دارك القبايل الجزائرية. لقد واجهت الفرنسيس بالسلاح والشعر في أواخر القرن التاسع عشر. كانت أمراه بطلة أسطورية. خرج الفرنسيون من الجزائر واحتل مكانه منجل عسكري متسلط فاسد. الثورات تسرق كما يسرق التوت. من قال أن الثورة لا تصنعها النساء أيضا؟ هاهي ثورة الياسمين و ثورة 25 يناير المصرية قد أنجبت نوارة نجم وأسماء محفوظ وسهام بن سدرين وأخريات. لقد غنى من زمان عبد الصادق شقارة أغنية :"عايلة وفرحتيني". صباح الخير يا أيتها النساء... صباح الحرية.