تحت شعار"ضمانا للحق في التقاضي" وبشراكة مع هيئة المحامين بتازة، نظم فرع تازة لنقابة المحامين بالمغرب يوم الخميس الأخير 15 يونيو الجاري، ندوة علمية مهنية قانونية وطنية ارتأت سؤالا موسوما ب"أي مسطرة مدنية نريد؟. ولعل ندوة تازة هذه التي أثارت ما أثارت من جدل ونقاش وتفكيك وتركيب وطرح ورأي ومقترح، جاءت في إطار مواكبة مخطط وزارة العدل التشريعي، الذي تروم عبره إحالة مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية على مؤسسة البرلمان من أجل المناقشة والمصادقة خلال الدورة التشريعية الربيعية. وقد توزع موعد تازة العلمي القانوني، على مداخلات توجهت بعنايتها وانصاتها لإشكالات بقدر كبير من الأهمية المهنية، باعتبارها جسورا مسطرية جوهرية في منظومة العدالة وعمل التقاضي. من قبيل"قانون المسطرة المدنية والحاجة الى تأمين الولوج المستنير للعدالة"، ما تناوله بنهج وعرض علمي وطرح رفيع المستوى الأستاذ خالد المروني رئيس نقابة المحامين بالمغرب ومحام بهيئة القنيطرة. مستحضرا في مقاربته لهذه الاشكالية، كون الحق في التقاضي مبدأ دستوري لن يتحقق إلا برفع ما هناك من معيقات، تحول دون وصول فئات عريضة إلى العدالة ومن ثمة استحصال حقوقها، وهي معيقات متعددة ومتنوعة تتحدد أساسا في إلزامية أداء الرسوم القضائية ومصاريف الدعوى، كشرط للاستفادة من خدمات المرفق القضائي كمرفق عمومي من المفروض أن يكون بولوج مجاني، تكريسا لمبدأ مجانية العدالة وضمانا للحق في التقاضي. فضلا عن معيقات أخرى تخص تضييق مجال المساعدة القضائية الممنوحة بشروط تعجيزية، وعدم استفادة الفئات الهشة وذات الدخل المحدود منها، بالإضافة أيضا لِما يتطلبه تأمين الولوج من ضرورة توفير لموارد بشرية كافية وكفأة ومتخصصة وتجويد للأنظمة القانونية والقضائية. وفي مداخلة ثانية بعنوان"الأجال وطرق الطعن"، قارب الأستاذ على الحدروني عضو سابق بالمكتب التنفيذي لنقابة المحامين بالمغرب ومحام بهيئة فاس، وفق مدخل قانوني رفيع المستوى معرفيا وبيداغوجيا، حيث استحضر موضوع الآجال وطرق الطعن للوقوف على الآثار القانونية للآجال في إجراءات الدعوى، وعلى الإشكالات العملية التي تثيرها هاته الآجال وانعكاساتها على حقوق المتقاضين، خاصة عندما يتعلق الأمر بنزاعات تكون فيها الدولة أو الإدارات العمومية طرفا في مواجهة خواص، حيث يسود التمييز القانوني على حساب مبدأ المساواة أمام القانون، مع استحضار ضرورة اعتماد مبدأ التقاضي على درجتين وتعميمه على جميع الأحكام، باعتباره واحدا من مبادئ القضاء وضمانات تحقيق العدالة. وضمن تكامل مداخلات هذا الموعد العلمي القانوني المهني الذي جمع بين فرع نقابة المحامين وهيئة المحامين بتازة، بسط الأستاذ حسن النوالي عضو المكتب المحلي بتازة لنقابة المحامين بالمغرب وعضو مجلس هيئة المحامين بتازة، لاشكالية "اجراءات التبليغ" وكانت مداخلة رفيعة في مستواها واشاراتها الاجرائية المهنية الواقعية. وقد تمت مقاربتها باعتبارها إجراءات أساسية في التقاضي، ولأن المخطط التشريعي يتوجه نحو حصرها وحصر وسيلتها في فئة المفوضين القضائيين، رغم أن مشكلة التبليغ لن تجد حلها الناجع إلا عبر إحداث مصالح خاصة بالتبليغ، تضم موارد بشرية مؤهلة لهذا الغرض على مستوى بعض الإدارات العمومية ذات الارتباط بالسكان، مع ضرورة تفعيل دور مأموري التبليغ على مستوى المحاكم. أمااشكالية "اجراءات التنفيذ" فهو ما ناقشه الأستاذ النقيب عبد الوهاب مطيش عضو هيئة المحامين بتازة، من خلال مداخلة رصينة بعيون خبير عارف. مستحضرا موقع ومكانة التنفيذ في عمل التقاضي وكذا علاقته باستيفاء الحقوق، وباعتبار ايضا أن الثقة في القضاء مرتبطة بتنفيذ الأحكام الصادرة عنه. وهو ما يستوجب الوقوف على التعثرات التي تطال عمليات التنفيذ، وإبراز الحلول الكفيلة لتجاوزها وتفعيل الإجراءات الادارية المتعلقة بالتنفيذ، مع توسيع مهام المسؤولين الاداريين والمكلفين بالتنفيذ بمصلحة كتابة الضبط. وقد استهدفت ندوة تازة القانونية الترافعية حول سؤال قانون"المسطرة المدنية"، التي أشرف على تدبير وتأطير جلستها وفقراتها وزمنها بخبرة واحترافية وشجاعة أدبية قانونية، الأستاذ عبد اللطيف جنياح عضو هيئة المحامين بتازة وعضو المكتب التنفيذي لنقابة المحامين بالمغرب. استهدفت ندوة تازة هذه إبراز تصور المحامين للإصلاح مع إبداء مقترحاتهم من منطلق الواقع وممارستهم المهنية، وإلمامهم بما هناك من اشكالات عملية يطرحها تطبيق هذا القانون، وإطلاعهم على المستجدات التي تحملها مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية المعد من طرف وزارة العدل. علما أن "قانون المسطرة المدنية" بحسب ورقة الندوة العلمية، يعتبر أكثر القوانين تطبيقا والتصاقا بالحياة العملية للمواطنين، وهو ما يتطلب ويقتضي ايضا توفير نص تشريعي جيد يتحقق معه الأمن القانوني للتحقيق الأمن القضائي. هكذا كانت ندوة "أي مسطرة مدنية نريد؟"، بأهمية وقيمة مضافة عالية أثثت قاعة الندوات بهيئة المحامين بتازة على امتداد حوالي خمسة ساعات. وقد جاءت مداخلاتها وطروحاتها بتدرج وتنوع وتكامل وتبصر وتطلع واستشراف ونسق علمي معرفي قانوني اسطري، بعيون كفاءات مهنية وعلمية وبحثية راكمت الكثير على مستوى الممارسة المهنية والبحث العلمي والعمل التنظيمي والحقوقي. وكانت ندوة تازة بمساحة نقاش مفتوح تفاعلي رفيع وعميق، أبان عن وعي واسع ورؤى وكفاءات مهنية قانونية وتطلعات وقدرات اقتراحية عالية المستوى، أغنت بما اغنت به هذا الموعد. الذي بقدر ما جمع حضوره بين أسرة قضاء ومحاماة وتفويض قضائي وباحثين ودارسين وإعلام ومجتمع مدني…، بقدر ما انتهى الى جملة توصيات ذات أهمية مهنية، ستقوم نقابة المحامين بالمغرب الجهة المنظمة للندوة برفعها الى الجهات المعنية من خلال مذكرة ترافعية.