سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في انتظار مقترحاتهم.. مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية تنذر بوقوع جدل جديد بين المحامين ووزارة العدل تتكون من 626 مادة ومحامون وصفوا مقتضيات مشروع القانون بكونها "دون روح" وبمثابة "دولة بلا دفاع"
تنكب جمعية هيئات المحامين بالمغرب حاليا على إعداد مقترحاتها بشأن مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية الذي توصلت به في الأيام القليلة الماضية من طرف وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، لكن يبدو من خلال ردود أفعال محامين حول مضمون المسودة "المحينة" أن الوضع ينذر ببوادر سجال وجدل جديد يلوح في الأفق بين الوزير والمحامين. فإن كان وزير العدل قدم المسودة أمام جمعية هيئات المحامين للاطلاع على مضمون المشروع وإبداء الرأي بشأنه، على اعتبار أنه "نص إجرائي يكتسي أهمية بالغة ويرتبط في مقتضيات كثيرة منه بدور المحامي كفاعل أساسي في إجراءات التقاضي وفي منظومة العدالة" فإنه بالمقابل حدد أجل 20 يوما فقط لذلك مبررا ذلك ببرنامج النصوص التشريعية والتنظيمية المدرجة في المخطط التشريعي للوزارة، وفق ما اطلعت عليه "الصحراء المغربية" في مراسلته. ومع اقتراب موعد تقديم جمعية هيئات المحامين بالمغرب لرأيها بخصوص مضمون المسودة، التي وجهتها بدورها إلى هيئات المحامين بالمملكة لاستجماع الآراء بخصوصها، ما دفع بعضها إلى الدخول في اجتماعات استمرت لساعات متأخرة من الليل، فإن الآراء الطافية على السطح حاليا خاصة على المنصات المهنية ومجموعات أصحاب البذلة السوداء على مواقع التواصل الاجتماعي، أبدت "عدم رضاها سواء على صياغة المسودة المحينة أوالتعديلات المدخلة على قانون المسطرة المدنية الساري النفاذ، أو بخصوص المهلة التي حددها الوزير لإبداء الرأي بخصوصها"، مشددين على أن "قانون المسطرة المدنية هو العنصر الأساسي في إطار المحاكمة العدالة لكونه قانون الإجراءات"، مستغربين "إسراع الوزارة الوصية في تقديم هذه المسودة قبل مناقشة قانون مهنة المحاماة، وذلك لوجود مقتضيات كثيرة واردة في قانون المسطرة المدنية كثيرة مرتبطة بمهام المحامين ويجب أن تتلاءم مع قانون المهنة".
مسودة مشروع قانون من 626 مادة
مسودة المشروع "المحينة" التي اطلعت "الصحراء المغربية" على نسخة منها تتكون من 800 صفحة ومن 626 مادة، وشملت مجموعة من المقتضيات، التي اعتبرها محامون "تقلص من مهامهم في المساطر المدنية، وتضيق على حريتهم، وتجعلهم محل متابعة قضائية، بل وتضرب عرض الحائط مطالب إطاراتهم المهنية الموجهة سلفا إلى الوزارة الوصية". مما اقترحته المسودة من تعديلات نجد المادة 8 التي جاء فيها "يمكن للمحكمة أن تعرض الصلح على الأطراف، أو بناء على طلب أحدهم، ولها في هذه الحالة أن تأمر بحضورهم شخصيا أو من يمثلهم بتوكيل خاص .كما يمكن للمحكمة أن تسند إجراء الصلح إلى دفاع الأطراف، أو المساعدين الاجتماعيين أو الأشخاص الذين تقدر المحكمة أنهم مؤهلون لهذه الغاية. تسجل المحكمة الصلح الذي تم بين الأطراف بمقتضى حكم غير قابل لأي طعن". ونجد المادة 9 التي تنص "يمكن للمحكمة أن تدعو الأطراف إلى حل النزاع عن طريق الوساطة، فإذا قبلوا منحتهم أجلا معقولا للإدلاء بنتيجة هذه الوساطة. تسجل المحكمة الاتفاق الذي تم بين الأطراف بمقتضى حكم غير قابل لأي طعن". وهو ما اعتبره المحامون "خروجا واضحا للقضاء عن التجرد والحياد وهو يدعو الأطراف بالتوجه نحو الوساطة". من تعديلات المسودة، هناك المادة 82 التي جعلت التبليغ يجري عن طريق المفوض القضائي، في الوقت الذي ينص القانون الساري على أن من يقوم بالتبليغ كتابة الضبط، تاركة للمحكمة تبليغ الاستدعاء، عند الاقتضاء، بواسطة أحد موظفي كتابة الضبط أو بالطريقة الإدارية. ونجد أيضا المادة 75، التي نصت على كون المقال المكتوب يجب أن "يوقعه محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب، ويحمل رقمه الوطني"، في حين أجازت في بعض الحالات "للمدعي والمدعى عليه الترافع شخصيا دون مساعدة محام". وبالاطلاع أكثر على مواد مسودة المشروع، نجد هناك غيابا ل "التبليغ الإلكتروني" مقتصرة على اعتماد التبليغ على البيانات الواردة في بطاقة التعريف الوطنية، في الوقت الذي تدعو وزارة العدل ومازالت إلى رقمنة جميع الإجراءات القضائية والقانونية وفق ما أملته ظروف الجائحة الصحية. ومن بين ما يعتبر مستجدا في المسودة نجد المادة 26، عندما نصت على "يمكن للأطراف الدفع بعدم الاختصاص النوعي في جميع مراحل الدعوى أمام محاكم الدرجة الأولى، وأمام الأقسام المتخصصة بالمحاكم الابتدائية". ونجد أيضا أنها جعلت من النيابة العامة طرفا "أصلا" بعدما كانت طرفا منظما، وفق الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية الحالي. كما تضمنت المسودة بابا جديدا ل "الاختصاص القضائي الدولي"، الذي سيجري من خلاله "منح محاكم المملكة النظر في الدعاوى التي ترفع ضد مغربي ولو لم يكن له موطن أو محل إقامة في المغرب، ما عدا الدعاوى المتعلقة بعقار في الخارج". من المواد التي خلقت الجدل وسط المحامين، نجد المادة 90 من المسودة التي نصت على أنه "يجب على الأطراف شرح نزاعاتهم باعتدال ودون المساس بالاحترام الواجب للمحكمة. ويجوز لرئيس الجلسة، في حالة حدوث اضطراب أو ضوضاء، الأمر بطرد الشخص المعني من الجلسة"، وهو ما اعتبروه "تقييدا لحرية المحامين الذي يتسم كل واحد منهم بطريقته الخاصة في الدفاع والترافع أمام هيئة الحكم في إطار القانون وفي اطار الأعراف والتقاليد". ونعرج أيضا على المادة 92 من المسودة التي اعتبروها أنها تدعو إلى "إمكانية تعرض المحامين للمتابعة القضائية".
قالوا في وصف مواد المسودة ب "نص بدون روح ودولة بلا دفاع"
عن التعديلات والمقترحات التي تضمنتها المسودة، قال الأستاذ سعيد معاش، محام بهيئة الدارالبيضاء "نجد أنفسنا اليوم أمام نقاش جديد قديم لمسودة مشروع قانون المسطرة المدنية"، واصفا إياها ب "نص بدون روح وتشريع للشركات الكبرى". وأضاف الأستاذ معاش في تصريح ل "الصحراء المغربية"، قائلا "لحدود اليوم لا زلنا أمام مسودات مشاريع تراوح مكانها، وأصبحنا في حقيقة الأمر أمام عطالة للآلة التشريعية ما بين مشاريع قوانين حبيسة الرفوف، وأخرى سارية أصبحت بها مواد متجاوزة خصوصا بعد أن تم نقل الاختصاص من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى رئيس النيابة العامة". وأشار المحامي معاش إلى المخطط التشريعي للحكومة برسم الولاية التشريعية التاسعة، الذي وضع كسقف زمني سنتي 2013/2014 كتاريخ لتنزيل مشاريع القوانين المتعلقة بالمسطرتين المدنية والجنائية والمشروع المتعلق بالقانون الجنائي، موضحا أن "المحامين آنذاك طالبوا عبر مؤسساتهم التمثيلية المؤسستين التشريعية والتنفيذية بالإسراع بتمرير القوانين التي لها صلة بورش إصلاح العدالة تطبيقا لمبدأ الحكامة الجيدة وتفاديا لإهدار الزمن التشريعي". واعتبر المحامي معاش مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية التي قدمتها وزارة العدل في الحكومة الحالية "إرثا عن الحكومات السابقة وتعد في طليعة المسودات ومشاريع القوانين التي أثارت حفيظة المحامين باعتبارها حملت إشارات سلبية على رغبة في التقليص من مجال تدخل وعمل المحامين وإصرارها على التوسيع من المساطر الشفوية وإشراك مؤسسات أخرى غير متخصصة في اختصاصات المحامين وعملهم". كما اعتبر المحامي معاش المسودة "استهدافا لمهنة المحاماة وتراجعا عن مكتسباتها، كما تشكل مسا بحق المواطنين في ولوج متبصر ومستنير إلى العدالة وبحقوق الطبقات الهشة من المجتمع في اللجوء إلى القضاء"، مبرزا أن "المحامي وإن كان يوصف بأنه رجل قانون فإن هناك وصفا آخر لصيقا به ويميزه عن غيره إنه رجل مساطر"، مؤكدا على أهمية القوانين المسطرية في عمل المحامين خصوصا المسطرة المدنية، قائلا "إنها أدوات اشتغالهم اليومي وأدوات ابداع قانوني أيضا كما أنها إلى جانب قانون المهنة تحدد بصفة أساسية اختصاصاتهم ومجال عملهم". من جانبه، وصف محمد الشمسي المحامي من هيئة الدارالبيضاء، مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية ب "الدولة بلا دفاع"، معتبرا أنه "عندما يورد المشرع في المادة 75 عبارة (يجوز للمدعي والمدعى عليه الترافع شخصيا دون مساعدة محام في الحالات الآتية...)، يكون التعبير خانه وجعله ينشغل باستثناء المحامي أكثر من انشغاله بتوجيه المتقاضي"، موضحا أن "عبارة يجوز للمدعي والمدعى عليه الترافع شخصيا كافية لإعلام المتقاضي أنه غير ملزم بانتداب محام في القضايا الواردة في المادة 75، لكن إصرار المشرع على أن يورد عبارة (دون مساعدة محام) تولد لدى المتقاضي لبسا يجعله يعتقد أنه ملزم بعدم انتداب محام وليس مخيرا في الأمر". من جهة أخرى، اعتبر الشمسي في تصريح للجريدة أن المشرع "عمل على تكويم وتجميع القوانين في مسودته منها تلك المنظمة للمحاكم الإدارية ونظيرتها التجارية ( القانون رقم 41.90 والقانون رقم 53.95)، كما اقتبس من الدستور( المادة2) والتنظيم القضائي ( المادة 1) وزاد على ذلك قوانين جديدة مثل الاختصاص القضائي الدولي ( المادة 71 وما يليها)، وضمها في مشروع قانون المسطرة المدنية"، ما جعل منها "مدونة ضخمة تتكون من 626 مادة، مع الإحالات على قوانين أخرى، وإيراد قوانين تنظيمية في طور الإحداث، يتيه دارسها بين مساطرها المتشعبة والمعقدة"، لافتا إلى أن المشرع لم يتحدث في المسودة عن التبليغ الالكتروني "ليستفيذ من الطفرة المعلوماتية، كما لم يضع آلية زمنية للبت في النزاعات، تكون في علم المتقاضي أو دفاعه من يوم إيداع مقاله كتابة الضبط، للتصدي لطول أعمار الملفات في ردهات المحاكم". وما اعتبره أيضا مثيرا في مسودة المشروع "هو تحريره للدولة وللإدارات العمومية والجماعات الترابية وهيآتها من وجوب انتدابها لمحام للدفاع عن مصالحها، وذلك في الفصل 78 الذي أناط هذه المهمة بأحد الموظفين المنتدبين، وليجعل انتداب محام اختياريا للدولة ومؤسساتها رغم أن وزارة الداخلية دقت ناقوس الخطر أخيرا من أن مصالح الإدارات العمومية تتعرض لخسائر مالية جراء صدور أحكام قضائية ضدها بسبب ضعف دفاع الدولة ومؤسساتها". وفي الاتجاه نفسه سار رأي بعض المحامين ممن تواصلت معهم الجريدة، قائلين إنهم "في الوقت الذي ظلوا فيه يدعون دوما إلى توسيع مهام المحامين لفائدة المتقاضين، يتفاجأون من خلال قراءتهم الأولى للمسودة بتوسيع المساطر الشفوية في مساطر متعددة، والمساس بالمبدأ الأساسي المتعلق بالتقاضي على درجتين، والذي من شأنه تدارك الأخطاء القضائية من خلال الطعون بالاستئناف في الأحكام الجنائية، وهو ما أتت بعكسه المسودة من خلال جعل بعض الأحكام ابتدائية ونهاية وعدم قبول الطعن أو الطعن بالنقض، ما يجعل المواطن في نظرهم في مواجهة شركات القروض الاستهلاكية والقروض الصغرى".
نقاش مجتمعي
بالعودة للمحامي معاش، فقد استعرض في تصريحه بعض الأمثلة التي اعتبرها نقائص مسودة المشروع وتتمثل في "المس بالحق في الولوج المتبصر إلى العدالة من خلال استبعاد دور الدفاع من خلال إحداث قضاء القرب والاستغناء عن المحامي في القضايا التي تعرض على هذا القضاء، ما أعطى فرصة للمؤسسات العملاقة والشركات الكبرى للاستفادة من خدمات العدالة بالمجان ومن دون الاستعانة بخبرات وكفاءات الدفاع"، بالإضافة إلى "إعفاء الدولة ومؤسساتها من الاستعانة بخدمات المحامين وتكليف الوزير المعني أو من يفوض له في ذلك من الموظفين لتمثيل الدولة ومؤسساتها أمام المحاكم، وعلى اختلاف درجاتها بما فيها محكمة النقض، والدولة في ذلك وغيرها من المؤسسات والإدارات العمومية وشبه العمومية تخسر الكثير من القضايا إلى جانب حرمانها من الدور الوقائي لعمل المحامي". وفي نظره، هناك "توسيع دائرة المساطر الشفوية على حساب المسطرة الكتابية رغم أهميتها القصوى خاصة في منازعات من قبيل قضايا الزواج والطلاق وإنكار النسب والنفقة، والطلاق والتطليق، والحضانة والقضايا الاجتماعية، كقضايا حوادث الشغل وقضايا الأمراض المهنية، والمنازعات المتعلقة بتطبيق قانون الضمان الاجتماعي وغيرها". وهناك "السماح لموظفي نظارات الأحباس بالترافع في القضايا التي تتعلق بالمنازعات الحبسية والأوقاف. فرض الغرامات المالية لفائدة الخزينة العامة في الحالة التي يخسر فيها المدعي دعواه، وهو ما يقيد حقا دستوريا ومشروعا ألا وهو حق التقاضي. جعل الاختصاص القيمي لقضاء القرب 50.000 درهم يتم فيه البت ابتدائيا ونهائيا وهو أمر يبدو وكأنه تشريع لصالح كبريات الشركات والبنوك وهضم لحق الأغلبية الساحقة من المواطنين في حقها"، وشدد المحامي معاش بالقول "إننا اليوم ما زلنا في انتظار عرض صيغة نهائية رسمية للمشروع بدل ما تعرفه مسطرة التشريع الحالية من عرض مسودات لا تستقر على حال"، داعيا إلى خلق نقاش مجتمعي واسع حول المشروع لأن الأمر يهم عموم المواطنين.