قال رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله ابن كيران، في دردشة مع عدد من الصحفيين المغاربة، على هامش لقاء حول المرأة بمناسبة اليوم الوطني للمرأة المغربية، "العثماني مَشَا، وخًصُّو يمشي مرفوع الراس". كما شدد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية - الذي يشارك في تدبير الشأن العام من موقع حكومي بعد فوزه في انتخابات 25 نونبر السابقة لأوانها- بلجهة لم تخل من تأثر على ضرورة أن "تحفظ لوزيره في الخارجية كرامته" ! كلام رئيس حكومة تصريف الأعمال التي فقدت أغلبيتها الحكومية بعد انسحاب حزب الإستقلال من الحكومة بسب رفض ابن كيران لمطالب شباط بإجراء تعديل حكومي جزئي، زكاه رئيس فريقه في البرلمان، عبد الله بوانو،حينما أكد على أن "المهم ليس هو تولي مزوار للوزارة من عدمه، لكن المهم أننا سنفقد رجلا اسمه العثماني، ووزارة في غاية الأهمية هي الخارجية". 1 حديث السيد رئيس الحكومة عن مغادرة العثماني للحكومة حديث مخالف تماما لمقتضيات الدستور. لماذا؟ لأن الفصل 47 من الدستور، والذي ينص حرفيا في فقرتيه الأولى والثانية على ما يلي: " " يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها....ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها." يعطي للسيد عبد الإله ابن كيران بصفته رئيسا للحكومة المغربية سلطة اقتراحية فقط لأعضاء الحكومة. أما التعيين في المناصب الحكومية فهو يبقى من اختصاص الملك. لهذا، فإن الوثوقية التي تحدث بها السيد رئيس الحكومة في مخاطبته للصحفيين، لا محل لها من الناحية الدستورية. كما أن لا أحد يضمن للرأي العام المغربي طبيعة الموقف الذي سيتخذه عاهل البلاد، بعد أن يكون رئيس الحكومة قد رفع له لائحة أعضاء الحكومة الجدد. 2 حديث ابن كيران على حفظ كرامة وزيره في الخارجية سعد الدين العثماني، كلام خطير، وينبغي على السيد رئيس الحكومة، أن يقوم في إطار تمكين المواطن المغربي من حقه الدستوري في المعلومة، بتوضيح أسباب نزول ما صرح به والخلفيات التي تقف ورائه. ما الذي يعنيه رئيس الحكومة الذي ينبغي أن تكون تصريحاته موزونة ومدروسة، ب "العثماني مَشَا، وخًصُّو يمشي مرفوع الراس" ؟ هل هناك جهات ما أساءت التعامل مع وزير الخارجية السيد العثماني ومست بكرامته؟ في وقت سابق، كانت الصحف تكتب بأن العثماني لا يملك سلطة القرار الخارجي الدبلوماسي، وأن دوره داخل هذه الوزارة الزجاجية يقتصر على مهام ثانوية وعلى بعض المبادرات الدبلوماسية ذات الطبيعة غير الإستراتيجة، بخلاف الأدوار والمهام الكبرى التي كان يتولاها الوزير المنتدب في الخارجية، يوسف العمراني، في إطار تتبع وإدارة الملفات الدبلوماسية الكبرى ، سيما، فيما يتعلق بملف الوحدة الترابية للملكة، حيث لوحظ في أكثر من مرة، بأن الوفد المغربي الذي كان يترافع دبلوماسيا في الأممالمتحدة، على خلفية الأزمة التي فجرها مشروع توصية بشأن توسيع مهام المينورسو لتشمل بعد حقوق الإنسان، كانت مشاركة الخارجية فيه تقتصر فقط على الوزير المنتدب فيها إلى جانب المستشار الملكي الطيب الفاسي الفهري ومدير " لادجيد" ياسين المنصوري في اعتقادي الشخصي كلام ابن كيران لا ينبغي التعامل معه كما لو أنه كلام عابر. الرجل يشغل منصب حساس في الدولة، وكلامه ينبغي أن يكون موزونا ومشروحا بما فيه الكفاية، حتى لا يقع التشويش على الرأي العام المغربي، الذي يحق له معرفة كل التفاصيل ذات الصلة بالحياة السياسية المغربية، بدل إغراقه في العموميات، وتوظيفه من قبل الفاعلين السياسيين في لعبة شد الحبل، وكأنه " الرأي العام" مجرد رقم صغير في معادلة السياسة التي لا تخلوا من مكر وخداع.. مما لا شك فيه، أن الدولة بمفهومها العميق، كانت دائما تنظر إلى مجال الساسة الخارجية كمجال محفوظ لرئيس الدولة، لا يمكن لأي جهة سياسية كانت ومهما كانت شرعيتها الانتخابية أو السياسية، مزاحمة رئيس الدولة ومحيطه الضيق في رسم خارطة طريق السياسة الخارجية المغربية، أو المشاركة في صناعة القرار السياسي الخارجي الذي يظل قرارا استراتيجيا وحيويا بالنسبة للنظام. وزير الخارجية المغربي، في الممارسة الخارجية والدبلوماسية المغربية، لا ينبغي لدوره أن يتعدى نطاق تنفيذ توجهات السياسة الخارجية التي يتم تحديد عناوينها الكبرى من قبل صانع القرار السياسي الخارجي والدبلوماسي في المغرب، والذي يضع في سياسته مجموعة أهداف، لا ينبغي لأي كان أن يخرج عن إطارها العام، بالنظر إلى ارتباط هذه الأهداف، برؤية صانع القرار للأمن القومي للدولة ولمصالحها الخارجية ولعلاقاتها الدولية المتشعبة والتي يتداخل فيها الإقتصادي بالأمني والسياسي. لهذا علينا ألا نغفل في تعاطينا لهذا الموضوع إلى مبادرات الدولة المغربية وإشاراتها السياسية المتعددة عندما يتعلق الأمر بمجال السياسة الخارجية المحفوظ والاستراتيجي والحيوي بالنسبة للنظام. مباشرة بعد تعيين سعد الدين العثماني على رأس وزارة الخارجية المغربية، وهي الوزارة التي ظلت تاريخيا مناصب المسؤولية الكبرى فيها حكرا على "بروفيالات" خاصة لرجال الدولة، سارع الملك محمد السادس إلى تعيين وزير الخارجية السابق، الطيب الفاسي الفهري، مستشارا ملكيا تم تكليفه بتتبع ومواكبة ملفات السياسة الخارجية ذات الطبيعة الحساسة والإستراتيجية، وهو، ما اتضح بشكل جلي في أكثر من مناسبة تميزت بالحضور القوي لهذا الرجل إلى جانب رجال دولة آخرين بالعودة إلى تصريحات السيد رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران والتي قال فيها "العثماني مَشَا، وخًصُّو يمشي مرفوع الراس " وجبت الإشارة إلى أن خروج العثماني - في حالة الموافقة عليه من قبل الملك وفقا لمقتضيات الفصل 47 من الدستور- من وزارة الخارجية، وإسناد ثمانية حقائب وزارية لحزب التجمع الوطني للأحرار " أحد أعمدة تحالف جي 8 الذي قاده البام" في وقت كان فيه حزب الاستقلال يطالب فقط بتعديل حزبي جزئي معطيات، معطى سياسي مهم، يفيد بأن الدولة العميقة، أفلحت في تطويع رئيس الحكومة، وتمريغ أنفه في الوحل بعد أن كان يهددهم بالشارع في عملية ابتزاز سياسي لم تعد ممكنة اليوم بالنظر إلى المتغيرات الكثيرة التي حدثت على المستويين الوطني والإقليمي. عدم إلمام الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بتقنيات التفاوض السياسي، وحماسته الزائدة عن اللزوم في الإستمرار في الحكومة مهما كانت فاتورة ذلك حزبيا، هي التي فرضت على ابن كيران القبول بفكرة الإستغناء عن وزيره في الخارجية، ورئيس المجلس الوطني للحزب الذي يتولى أمانته العامة في منتصف الطريق. عدم احترافية ابن كيران السياسية، وقلة خبرته الدبلوماسية، وسوء تدبيره للمفاوضات مع التجمع الوطني للأحرار الذي كان أمينه العام يتفاوض من موقع قوة بالنظر إلى حماسة ابن كيران وفريقه الحكومي " الخلفي، الرميد، باها، رباح" مجموعة عوامل تراكمت بشكل متسارع وفرضت على رئيس الحكومة والأمين العام للبيجيدي: إما القبول بمطالب مزوار والنزول عند رغبته اللامحدودة في التهام أكبر قدر ممكن من الحقائب الوزارية الوازنة والمؤثرة. وإما اللجوء إلى الانتخابات السابقة لأوانها، وهذا ما لايرغب فيه صقور البيجيدي الذين ألفوا دفئ الكراسي الحكومية، رغم عنتريات الحمائم الذين لاحولة ولاقوة لهم في الصحف والمواقع الإلكترونية والإذاعات الخاصة.. الجماعة المهيمنة على القرار السياسي داخل البيجيدي، رجالها يعلمون بأن السياق الوطني والإقليمي الذي جاء بهم إلى الحكومة تغير جذريا، وأنا المرحلة الحالية، لم تعد معطياتها المكشوفة على أرض الواقع، تخدم مصالحهم سياسيا وانتخابيا، سيما، وأن حكومة عبد الإله ابن كيران، فشلت فشلا كبيرا في تنزيل الدستور بشكل ديمقراطي، واتخذت قرارات قاسية ولا شعبية كان لها وقع نفسي واقتصادي بين على المغاربة، وسمحت بالزج بنشطاء 20 فبراير في السجن، ودخلت في معارك خاسرة من الناحية الحقوقية في مواجهة الصحافة كما بدا واضحا من خلال الدور السلبي للحكومة في التعاطي مع الإعتقال التعسفي للصحفي علي أنوزلا من خلال تصريحات وزيرها في الإتصال مصطفى الخلفي الذي واجهه الطلبة قبل يومين فقط بشعار ارحل... لهذا على السيد ابن كيران أن يكون واقعيا مع نفسه ، وعندما يخاطب الصحافة المغربية عليه ألا يستهين بذكاء المغاربة الذين لا تنطلي عليهم التخريجات والتوليفات السياسية المكشوفة. خروج السيد العثماني يعكس صراعا قديما داخل البيجيدي بين رؤية كانت ضد فكرة تحمل حقيبة وزارة الخارجية بالنظر إلى فهم لطبيعة مجال السياسية الخارجية ولتحكم الدولة في مفاصله الأساسية من صنع القرار إلى اعتماد السفراء والمشاركة في القمم، وبين توجه كان يعتبر بأن الربيع المغربي هو فرصة ذهبية للانقضاض على أهم الوزارات السيادية لإضعاف سلطة الدولة وتحقيق نوع من الإختراق لمراكز صنع القرار في البلاد في أفق التمكين.. هذه هي الحقيقة من وجهة نظري الشخصية المتواضعة جدا...والبيجيدي عليه أن يقر بفشله..عوض بيع الوهم للمغاربة بكلام لا قيمة سياسية له