بينما و أنا أتصفح بعض اليوميات، إذا بي أعثر على افتتاحية عنوانها "لماذا يصلح العثماني؟" والمقصود هنا السيد وزير الخارجية والتعاون المغربي، حيث جاء في مطلع هذه الافتتاحية "في الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية والتعاون، سعد الدين العثماني، أول أمس الثلاثاء، يبكي على فراق هلاري كلنتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، بمناسبة ندوة فكرية عقدت في الرباط، كان المستشار الطيب الفاسي الفهري يسلم رسالة ملكية إلى الأمين العام للأمم المتحدة بانكي مون في نيويورك" وحيث أكد صاحب الافتتاحية على أن هذه عادة مغربية غير موجودة في أية دولة كما أشار صاحب الافتتاحية إلى سابقة أخرى، وهي أن السيد وزير الخارجية المغربية السيد العثماني فيما كان يشارك في مسيرات عيد العمال في فاتح ماي، إذ قال و أن هذه أيضا عادة مغربية غير موجودة في أي بلد ديمقراطي أو استبدادي أو نصف استبدادي، حيث أن الوزراء لا ينزلون للتظاهر في فاتح ماي ضد الحكومات وأرباب المقاولات، بل يجلسون في مكاتبهم ويتفاوضون مع العمال بشأن حقوقهم المشروعة، والمهم كما قال صاحب الافتتاحية، إنه في الوقت الذي كان فيه الطبيب النفسي تحت أشعة الشمس كان مساعده يوسف العمراني رفقة الطيب الفاسي الفهري وياسين المنصوري في مقر وزارة الخارجية الأمريكية للقاء الرجل القوي في الدبلوماسية الأمريكية، جون كيري الذي لم يفهم ولم يقبل أن يأتي لمقابلة وزير خارجية أكبر دولة في العالم الرجل الثاني في الخارجية المغربية، ولهذا ترك ضيوفه لمدة أيام احتجاجا على هذه "البدع الدبلوماسية" القادمة من أجمل بلد في العالم، حيث تدخل الأشقاء العرب بالخيط الأبيض لدى إدارة أوباما لاقناعها بسحب توصياتها في مجلس الأمن القاضية بتوسيع صلاحيات المنرصو. وذكر صاحبنا هذا، إذ قال أيضا، وحين قامت هيلاري كلينتون بزيارة وداع للمغرب في فبراير 2012، جرى خرق البوتوكول مرة أخرى، وتنظيم لقاء بين هيلاري والفاسي الفهري قبل لقاء العثماني وزير الخارجية، وقال صاحب الافتتاحية، هذه ليست "بدعا" بروتوكولية ...هذه رسالة سياسية و ملخصها أن الملفات الكبرى للخارجية المغربية لايمكن وضعها في يد أي شخص ولو كان في رتبة وزير خارجية، لابأس، ليكن، لكن يبقى هناك سؤال يحتاج إلى جواب، من سيسأل عن الأداء الدبلوماسي للمملكة؟ ومن سيدفع الحساب أمام البرلمان وأمام الرأي العام وأمام صناديق الاقتراع؟ الطيب الفاسي الفهري موظف وليس مسؤولا سياسيا...وزاد صاحب الافتتاحية بالقول المؤكد: "ولقد رأينا كيف أدار الخارجية لمدة طويلة، وكيف قام بكوارث دبلوماسية" ثم لما جاءت الحكومة الجديدة حمل حقائبه وأرشيفه وذهب إلى بيته ليبدأ رحلة "رمي العار على الأعتاب الشريفة للرجوع إلى المشور السعيد". في ختام هذه الافتتاحية حمل صاحبها، السيد العثماني المسؤولية وتناقض مع نفسه، وسنأتي لهذا التناقض من خلال التحليل والتذكير بمفاهيم الدبلوماسية وكيف تدار السياسة الخارجية. وبالرجوع إلى الافتتاحية، قال صاحبها أيضا متناقضا مع نفسه وتحليله الغير المرتكز على أساس وقائع ملموسة حول الأحداث التي تحدث عنها. "طبعا قضايا السياسة الخارجية في البلدان كلها من المجال المحفوظ" ولا أدري ماذا يعني بالمحفوظ لأن هذه الكلمة لها أبعاد جمة، المحفوظ لرؤساء الدول، لكن هذا على مستوى التوجهات الإستراتيجية الكبرى، أما على مستوى التدبير اليومي وأدوات التنفيذ، فهناك وزارة الخارجية المسؤول الأول داخلها. للحقيقة والإنصاف يقول الأستاذ، فإن الدكتور العثماني هو نفسه يتحمل جزءا من المسؤولية، لأنه أبدى في أكثر من مناسبة عجزا غير مفهوم عن الدفاع عن صلاحياته وتوضيح مواقفه، وهنا أقول للسيد صاحب الافتتاحية يكفي جوابك هنا، لأنك كنت شاهد من أهلها. مسؤولية وزارة كبيرة وحساسة مثل الخارجية، وفي ظروف مثل الظروف التي يجتازها المغرب حاليا، تتطلب جرأة كبيرة وقبولا بالمخاطرة، أما أن يقبل وزير الخارجية بلعب أدوار هامشية في دبلوماسية بلاده، فهذا ما لا يخدم مصلحة البلاد ولا صورتها في الخارج، ولا مسار الدكتور الذي ينتظر دوره ليخلف بنكيران الذي كان ينوي في بداية تشكيل الحكومة إسناد وزارة الأوقاف إلى العثماني لكن هذا الأخير رفض. الحقيقة فصاحب هذه الافتتاحية هو الذي يعرفها لربما اشتكى له الدكتور العثماني أو كان حاضرا مع الوفد الذي زار السيد كيري وزير الخارجية الأمريكية أو أن هذا الأخير هو الذي زوده بهذه المعطيات، على الرغم من أن سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية في المغرب نفى كل ما ورد في الافتتاحية التي غيبت المصداقية والحقيقة، وحرفت الوقائع والأحداث، متجنبة للصواب لأن كل ما جاء فيها جاري به العمل في عرف الدبلوماسية وليس بدعة. وليطرح صاحب الافتتاحية على نفسه بعض الأسئلة وهو يجد الجواب، لماذا يأتي مبعوث مثلا من وزير خارجية أمريكا وهو ليس بدرجة حتى وزير منتدب بل مساعد وزير الخارجية، والمساعد قد يكون مديرا أو رئيس قسم أو مكلفا بمهمة، ويستقبل من أعلى سلطة في البلد وكبار المسئولين في الدولة ومنهم وزير الخارجية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين الخ. لهذا قد يكون صاحبنا لا يفقه في السياسة الخارجية وحشر نفسه فيما لا يعنيه، وان كان الأمر يتعلق بالديمقراطية وحرية التعبير واحترام الرأي والرأي الآخر لكن هذه القصاصة لا تمت للرأي بصلة ولا للحقيقة. وليسمح الأستاذ المحترم أن أذكره بقواعد السياسة الخارجية. الدبلوماسية ثلاثة أقسام: القسم الأول: الدبلوماسية التقليدية أي المهنية وهي تلك الوظائف التي تقوم بها وزارة الخارجية وفق معاهدة فيينا الموقعة في 18 أبريل 1961 وميثاق الأممالمتحدة الموقع يوم 26 يونيو 1945 في سان فرانسيسكو في ختام مؤتمر الأمم الخاص بنظام الهيئة الدولية والذي أصبح نافدا في 24 أكتوبر 1945 وهي المهمة التي تقوم بها الدول من خلال وزرائها في الخارجية والسفراء والقناصل والبعثات الدبلوماسية الرسمية، والمقصود هنا القسم الثاني والثالث. القسم الثاني: الدبلوماسية الموازية أو ما يسمى بالدبلوماسية الشعبية وهي تتمثل في المؤسسات الدستورية، وتعني الدبلوماسية الموازية بكل أصنافها التي تأتي من ممثلي الأمة، كالمجتمع المدني والبرلمان والمؤسسات المنتخبة دستوريا والمجالس الاقتصادية أو المنظمات الغير الحكومية التي تعنى بحقوق الإنسان، فضلا على أن هناك دبلوماسية حزبية. القسم الثالث: وهي الدبلوماسية الحديثة أو المرنة و السريعة وهذا الصنف من الدبلوماسية يمر عبر الدوائر العليا في البلاد، بحيث في كثير من الأحيان يتطلب الأمر السرعة في اتخاذ القرار أو معالجة طارئة قد لا تكون في مصلحة الدولة، أو تبادل الرأي بين القيادات العليا للدول وقد يكون الأمر طارئا أو غير قابل للانتظار بتتبع القنوات الدبلوماسية التقليدية من أجل تسوية الوضع، بحيث لرئيس الدولة الاتصال بنظيره من خلال أقصر الطرق والسبل، دون أن يعلم بذلك في كثير من الأحيان وزير الخارجية أو السفير المعتمد للبلد الذي أجري فيه الاتصال، غير أنه يمكن أن يحاط وزير الخارجية علما بما تم التوصل إليه في شأن الملف المطروح أو النازلة الطارئة وذلك للاستئناس والغاية المفيدة أو من أجل متابعة الإجراءات عبر القنوات الدبلوماسية التقليدية، أو يحال الملف أو الخبر قصد الحفظ عند الحاجة. وحتى لا أطيل وأقول باختصار، إن إعداد وتنفيذ السياسة الخارجية يرجع إلى رئيس الدولة، أو رئيس الحكومة حيث سلطته وامتيازاته في السياسة الخارجية تذهب إلى أبعد مما هو مسطر في الدستور، وهو الذي يضع توجهات الخطوط العريضة للسياسة الخارجية لبلده، وتحديد الأهداف التي يجب تحقيقها. وقد يرتبط رئيس الدولة بعلاقة شخصية مع سفرائه المعتمدين في الخارج ويوجه إليهم توجيهاته بشكل مباشر، دون الرجوع إلى وزير الخارجية، وقد تنفذ السياسة الخارجية بشكل مباشر أيضا عن طريق مستشاري الملك أو الرئيس أو رؤساء الأحزاب السياسية الذين يرى فيهم رئيس الدولة القدرة والكفاءة عندما يكلفون بتبليغ رسائل شخصية وعاجلة إلى نظرائهم أو مسئولين سياسيين معنيين في العالم، وهذا الصنف من الدبلوماسية أصبح مطلوبا في هذا العصر نظرا للتطورات المتسارعة والتقدم التكنولوجي، وقد تساهم أحزاب المعارضة في الدول الديمقراطية التي يعد المغرب نموذجا فيها في شمال إفريقيا والعالم العربي وذلك في إعداد وتنفيذ السياسة الخارجية برغماتية والذي قد تكون تقررت من قبل من طرف الأغلبية أو الدوائر العليا، وقد يكون ذلك بالتوافق وبالإجماع إن تعلق الأمر بقضية وطنية مصيرية كما هو الحال فيما يخض قضية وحدتنا الترابية، وقد يرسل رؤساء الأحزاب السياسية المعارضة في بعثات إلى الخارج لشرح موقف بلدهم الموحد ويحملون رسائل ملكية أو رئاسية في شأن مسألة دبلوماسية إلى ملوك ورؤساء الدول الشقيقة والصديقة، فبالأحرى إن تعلق الأمر بمستشار ملكي ضليع في السياسة الخارجية أو بالأخص في ملف وحدتنا الترابية وإلى جانبه وزيرا منتدبا في الخارجية وهو من إطاراتها المتدرج في المسؤوليات منذ ولوجه الوظيفة العمومية المسؤول الأول عن الإدارة التي هي تحت إمرة السيد المنصوري. ولذا على صاحب الافتتاحية أن يعرف أن تلك الإجراءات التي تمت كما أوردها في افتتاحيته أنها ليست ببدعة أو هي حاطة من اختصاص وزير الخارجية، وإنما هي دبلوماسية ذكية وسريعة ومرنة تمارسها الدول المتقدمة والعريقة في الدبلوماسية والتي تختزل في التجربة والحنكة والتمرس في آليات التواصل والإقناع والإبداع الدبلوماسي ودرء المخاطر والعبقرية في اغتنام الفرص أثناء الحوار وتحويله من ضد إلى مع، تلكم هي الدبلوماسية المثمرة والناجعة. أما الكوارث الدبلوماسية التي قام بها السيد الطيب الفاسي الفهري عندما كان وزيرا للخارجية، كما ذكرها صاحب الافتتاحية فإنه لم يذكر أي مؤشر أو دليل على ذلك، مما يدل على أنه كان متحاملا ومتحيزا أكثر من كاتب صحفي متناسيا الإنجازات التي تحققت في ذلك العهد ولا مجال لذكر ذلك هنا، فضلا على أن السيد الطيب الفاسي عين مستشارا لصاحب الجلالة قبل تشكيل الحكومة، أما فيما يتعلق بالرجوع إلى المشور السعيد، أقول للأستاذ كل مواطن صالح ووفي لبلده وملكه، له الشرف كل الشرف أن يعمل في المشور السعيد بإخلاص وأمانة ووفاء. والسؤال المطروح على السيد كاتب الافتتاحية، ماذا له أن يفعل وهو يرى وحدة تراب وطنه يحدق بها الخطر؟ إن لم يكن ذلك التصرف العقلاني الذكي العبقري، والمنطقي والذي أتى أكله في أقل من أربعة وعشرين ساعة. لذا أقول، المطلوب من الكاتب الصحفي التحري الدقيق، والصدق لأن الصدق يهدي إلى البر، وأن لا يجانب الصواب بتغيير الحقائق وتغليط المواطنين والمهتمين والباحثين، لأن الكذب يهدي إلى الفجور.
ولكن كيف ما كان الحال من الأخطاء يتعلم المرء، وإن كانت الافتتاحية أكثر من الخطأ بل هي تشويش ومحاولة إشعال فتيل الفتنة فيما بين مكونات الدبلوماسية، ويتجلى هذا في عنوان الافتتاحية، الذي يقول "لماذا يصلح العثماني؟"، وهذا السؤال في حد ذاته غير مقبول، لأن الدكتور العثماني وزير صاحب الجلالة مكلف بالخارجية والتعاون واجب احترامه وتقديره من خلال صفة معالي الوزير المحترم، وليس بصفة السؤال.