سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان استمرار مجموعة من الإشكالات التي تؤثر في ممارسة الحريات العامة في الفضاء العمومي بشقيه الواقعي والافتراضي على حد سواء، خاصة مع متابعة بعض الأشخاص أو إدانتهم بعقوبات سالبة للحرية على خلفية نشرهم مضامين معينة على منصات التواصل الاجتماعي. واعتبر المجلس في تقريره السنوي أن هذا الوضع يؤشر على استمرار الإشكاليات التي يواجهها المجتمع المغربي مؤسسات ومواطنين في تدبير إكراهات الانزياح المتسارع للفضاء العمومي من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي. أما فيما يتعلق بالحريات الجمعوية فقد سجل المجلس استمرار بعض الإشكالات المرتبطة بالحق في التنظيم، كما يتضح ذلك من بعض حالات رفض تسلم الملف القانوني التأسيس الجمعيات أو تجديد هياكلها، أو رفض تسليم وصل الإيداع القانوني المؤقت أو النهائي، دون مبررات مقبولة من الناحية القانونية. وأكد المجلس على أن ممارسة الحريات العامة تشكل جزءا لا يتجزأ من الاختيار الديمقراطي الذي جعل منه الدستور المغربي في فصله الأول أحد ثوابت الحياة العامة للأمة المغربية. وحث المجلس السلطات العمومية على مواصلة جهودها في توفير الشروط والضمانات القانونية والواقعية الضرورية لتعزيز ممارسة الحريات التي يضمنها الدستور والمواثيق الدولية. وفي هذا الصدد اوصى المجلس برفع التحديات المتعلقة بتوسيع مفهوم حرية التعبير ليشمل الأصوات الناقدة بشكل عام، وخصوصا تلك التي تستعمل الأشكال الجديدة لممارسة حرية التعبير في العالم الافتراضي، إضافة الى ضرورة تقوية الضمانات القانونية لحماية المبلغين عن الفساد. كما اعتبر التقرير أن اعتماد قانون حرية تداول المعلومات بدلا من ذاك المتعلق بالصحافة والنشر هو مدخل أساسي لمعالجة العديد من الإشكاليات التي أصبحت تطرحها الأشكال الجديدة لممارسة حرية التعبير في العالم الافتراضي. ومقابل تخوفه من مخاطر تحول هذه الأشكال الجديدة لممارسة حرية التعبير إلى مرتع للأخبار الزائفة، دعا المجلس إلى العمل على فتح تحقيق في جميع الادعاءات المرتبطة بتدبير الشأن العام التي يتم التعبير عنها في العالم الافتراضي، ونشر نتائج التحقيقات وهو ما من شأنه أن يساهم في تطوير ممارسة حرية التعبير وتعزيز الثقة في المؤسسات ومكافحة الأخبار الزائفة. وأكد التقرير حتمية الانتقال من تأطير النقاش العمومي بمفهوم حرية الصحافة إلى مفهوم حرية الإعلام، وحث السلطات العمومية على الحرص أثناء تدبيرها للإشكالات المرتبطة ببعض الأشكال الجديدة لممارسة حرية التعبير على الاسترشاد بممارسات الفضلى والاجتهادات المتقدمة التي تبلورت في بعض التجارب المقارنة، خاصة فيما يتعلق بضرورة التعامل مع حرية التعبير، بشكل إيجابي، بما في ذلك الأفكار التي تغضب أو تصدم أو تزعج. وأوصى التقرير بتعديل جميع أحكام القانون الجنائي المتصلة بموضوع حرية التعبير بما يتوافق مع المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والحرص على أن يكون أي قيد مفروض على هذه الحرية محددا بنص قانوني صريح ومتاح، وأن تكون هذه القيود ضرورية لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، ولحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. كما دعا إلى تغيير إطار مدونة الصحافة والنشر ليصبح قانونا لتداول المعلومات بما يكرس ضمانات حماية حرية الصحافة والنشر، سواء الورقي أو الإلكتروني وعلى منصات التواصل الاجتماعي ودعا المجلس السلطات القضائية إلى التشبث بمبدأي الضرورة والتناسب بما لا يمس الحق في حرية التعبير والصحافة والرأي، وجعلها في منأى عن كل عقوبة سالبة للحرية.