لماذا العقلاء وليس الوزراء؟ لسببين رئيسيين: السبب الأول هو: أن الوزراء في العدالة والتنمية وعلى رأسهم رئيس الحكومة يعتبرون كل موقف من خارج الحزب هو موقف للتشويش، وتورط غير بريء في الحملة التي تستهدف الحزب، وهو ما يشكل عائقا يحول دون وصول أية رسالة إلى هؤلاء . السبب الثاني هو : "إن منطق السلطة وشهوة النفوذ حينما تقترن بالثقة المفرطة في الذات تكون مدخلا للاستبداد في الرأي والاستفراد بالقرار" والكلام هنا للسيد حامي الدين كأحد عقلاء الحزب. وتفسير ذلك حسب جون بياجي هو أن "الحد الفاصل بين الذات المتمركزة حول نفسها وبين الذات العارفة ، يكون أقل وضوحا، كلما زادت الملاحظة توغلا في ظواهر يجب على الملاحظ أن يدرسها من الخارج." لهذين السببين تكون الجهة المؤهلة لقراءة هذه الرسالة بقدر من الموضوعية والتجرد، هم عقلاء ومثقفوا العدالة والتنمية الموجودون خارج السلطة و المستعدين منهم للحوار في إطار مشروعية الاختلاف. على إثر الظروف الاستثنائية التي ظهرت ضمنها الحكومة الحالية والتي أفرزتها انتخابات سابقة لأوانها، بعد وصول رياح ما يصطلح عليه بالربيع العربي إلى بلدنا، والتي عجلت بدفع حزب العدالة والتنمية وبسرعة فائقة نحو السلطة ، وبالنظر لما عرفته المشاورات الخاصة بعملية توزيع الحقائب الوزارية بين الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية في نسختها الأولى- وقبل أن يصيبها ما أصابها اليوم- من صراع وصل حدود ما سمته الصحافة الوطنية آنذاك بالتطاحن على بعض الوزارات دون غيرها، وأخذا بعين الاعتبار ما لوحظ من قبل الجميع- في النسخة الأولى- من ابتعاد الحزب عن تحمل مسؤولية الحقائب الوزارية ذات الصلة بالانتظارات الاجتماعية من صحة وتعليم وسكن ، وبالنظر إلى المسؤولية السياسية و الأخلاقية التي يتحملها الحزب الذي تنتمون إليه بخصوص النهوض بمهمات الإصلاح التعليمي كأحد أهم الانتظارات التي تشكل معيار نجاح حكومتكم أوفشلها، وبالنظر لما وصله الواقع التعليمي من تردي فظيع لم تفلح في إخفائه كل الإجراءت السطحية من قبيل إلغاء مذكرات وإصدار قرارات ضمن مقاربة قانونية ضيقة تتنافى مع خصوصية الحقل التعليمي ،و في غياب تام لأية إرادة حقيقية لتشخيص أدواء منظومة تربوية يضرب حولها حصار من الصمت الرهيب أن لم تكن مؤامرة يساهم فيها الجميع... واحتكاما لشعار "المعقول" الذي ميز حزب العدالة والتنمية أثناء الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات التشريعية الأخيرة التي تم على إثرها تعيين الأمين العام للحزب رئيسا للحكومة وفق ما ينص عليه الدستورالجديد وما تلا ذلك من تعيين لباقي الوزراء، نخاطب فيكم العقل والضمير من خلال التساؤلات التالية: 1) ما هي معايير إسناد الحقائب الوزارية؟ ما هي المعايير التي تم الاعتماد عليها في إسناد الحقائب الوزارية وتصنيفها والمفاضلة بينها، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، الاستماتة في التشبت بوزارة التجهيز وعدم الاكتراث بوزارة التربية الوطنية التي تعنى بشأن مصيري يهم الملايين من المتعلمين، علما أنه قد كان للسيد رئيس الحكومة الحالية شرف العضوية في لجنة عينت من قبل الملك الراحل الحسن الثاني بغية إنقاد ما يمكن إنقاده بخصوص المنظومة التعليمية التي وصلت على غرار باقي القطاعات ما اصطلح عليه آنذاك بالسكتة القلبية، أي "اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم" تحت رئاسة المستشار الراحل مزيان بلفقيه، والتي جاب أعضاؤها ومن بينهم السيد رئيس الحكومة الحالية، الكثير من بقاع المعمور من أجل الانفتاح على التجارب والبحث في تجارب البلدان المسماة متقدمة عن دواء لإيقاف النزيف، وما أسفر عنه هذا الانفتاح من صياغة وثيقة : "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"، والتي عملت على إرضاء كل الفرقاء المشاركين في اللجنة من أحزاب ونقابات وفاعلين اقتصاديين وشركاء، صفق لها الجميع واعتبرها مفتاح السر لإعادة الثقة والاعتبار للمدرسة العمومية وما تلا ذلك من جعل التعليم أولوية وطنية خصصت لها عشرية وطنية امتددت بين2000 -2010 تبعتها خطة استعجالية بين 2009-2012 أي قبيل نهاية العشرية بسنة واحدة، وبعد التأكد من عدم تحقيق ولو الحد الأدنى من رهانات "الميثاق الوطني" وكما ورد ذلك في التقارير الدولية والتقرير الأخير للمجلس الأعلى للتعليم الذي دق ناقوس الخطر، ونبه إلى أن الحالة المتردية والمزرية لتعليمنا وعلى عكس رهانات العشرية الوطنية، تقتضي تدخلا استعجاليا رصدت له إمكانات مالية باهظة تم هدرها ودون أن يتحقق كذلك ولو الحد الأدنى من رهانات البرنامج الاستعجالي وها هو في أمس الحاجة اليوم لتدخل استعجالي آخر لإيقاف نزيف نظام تعليمي لم تنفع معه عشرية بكاملها ولا ثلاثية طبعها التخبط و العشوائية والارتجال؟ 2) لماذا التراجع عن أولوية الأولويات؟ بماذا تفسرون مراجعة وإعادة ترتيب ما يعرف بأولوية الأولويات ليضعها حزبكم في آخر قائمة الأولويات، وذلك بالنظر للحيثيات المرافقة لإسناد حقيبة وزارة التربية الوطنية وما عرفه هذا الإسناد من صراع داخلي بين قيادات حزب الاستقلال، حيث كل زعيم سعى لإهدائها لأحد مريديه وهو ما كان يجري على مرأى ومسمع من رئيس الحكومة ، وقد تابع عن قرب وبشكل مباشر كما تابع ذلك الرأي العام عن طريق الصحافة والإعلام ( كيف أن حقيبة أولوية الأولويات ضمن حكومة الربيع العربي والتي تعنى بمسؤولية الأمن المعرفي لملايين المتعلمين وتقرر مصير مستقبل جيل بكامله، وبمشروع مجتمع برمته، وضعت رهن إشارة حزب وإعطائه كامل الصلاحية ليحسم في شأنها بإعمال معايير و حسابات حزبية داخلية بل شخصية وعائلية ، وعلى النحو الذي أفاضت في تناوله الصحافة الوطنية ، وقبل أن يؤول الأمر اليوم إلى ما آل إليه؟. 3) لماذا الابتعاد عن التعليم رغم شعار "المعقول "؟ هل شعار المعقول الذي رفعه الحزب أثناء حملته الانتخابية والتي تعاقد على ضوءه أخلاقيا مع الفئات التي راهنت عليه، يقتضي أن يكون التعليم بالنسبة للحزب المذكور أولوية إستراتيجية في عملية الإصلاح أو التغيير ، ومن ثمة يفترض حسب هذا الشعار أن يتسابق أطر حزب العدالة والتنمية نحو الظفر بشرف الانكباب على معضلاته المزمنة وتدبير الممكن منها ، أم أن الحسابات السياسوية ،أي حسابات الربح والخسارة كانت حاسمة في الابتعاد عن قطاع حظوظ النجاح في تطويق معضلاته ضئيلة جدا إن لم تكن منعدمة ضمن الشروط الحالية والإكراهات التي تحكم آفاق وحدود حزب العدالة والتنمية الذي وجد نفسه مورطا في مسؤولية تدبير الشأن العام على حين غرة ودون تهيء ولااستعداد لمباشرة المعضلات المزمنة وما أكثرها؟ أليس بين أطر الحزب من يملك الجرأة ليقول لا للتفريط في التعليم لأنه القاعدة والأساس اللذان بدونهما ينهار كل بناء، والصخرة التي قد تجهز على كل الأماني والأحلام ؟ 4) ماهي معوقات الإصلاح التعليمي: هل حصل الوعي لدى عقلاء الحزب ومنظريه بأن أكبر عائق واجه كل العمليات الإصلاحية التي لم يكتب لها النجاح داخل الحقل التعليمي، وطيلة عقود من الزمان، ولم يكن ممكنا بسببه أي تفعيل أو تنزيل لميثاق التربية والتكوين وحال دون ولوج ثمار الإصلاح داخل قاعات الدرس ليستفيد منها المتعلمون باعتبارهم الغاية والهدف من كل إصلاح، ولم تستطع كل الحكومات المتعاقبة أن تأخذه بعين الاعتبار،وهو العائق الذي لازال -وبكل أسف- غير مفكر فيه بشكل كلي لدى المتفاوضين حاليا على الحقائب والكراسي.. هذا العائق الأكبر هو غياب التفاعل والانخراط لدى الممارسين الميدانيين مع مشاريع الإصلاح الفوقية التي لم تستطع استرجاع الثقة المفقودة في جدوى أي إصلاح؟ وهو ما تؤكده المؤشرات الحالية،لما هو سائد اليوم لدى رجال ونساء التعليم من تكريس لهذه القاعدة، قاعدة غياب القدرة والشجاعة الكافية لدى كل من ادعوا القدرة على تدبير الشأن العام ، في خلق تلك الرجة السيكولوجية الضرورية التي يتوقف عليها التفاعل مع العلاج، إذ لا فرق بين ما يسود الوسط التعليمي اليوم مع حكومة ما سمي بالربيع المغربي، وبين ما كان سائدا فيما قبل من وضع طبعه ولازال يطبعه الشعور المرير بالإحباط وبغياب الجدية المطلوبة وفقدان الثقة وبالتالي ضياع ذلك البصيص من الأمل الذي انقشع مع بداية الربيع المغربي الذي تم الالتفاف عليه بتواطؤ الأحزاب الانتخابية من خلال تنافسها على السلطة، في تجاهل تام لما تقتضيه هذه السلطة من إلزام والتزام . فهل أنتم قادرون أيها العقلاء على إثارة انتباه المتفاوضين حاليا على الكراسي الوزارية إلى أن الاستثمار في الثروة البشرية هو المدخل الوحيد لخلق الثروة المادية وتحصينها من التبديد والتلاعب و العبث؟