قال الخبير الاقتصادي محمد بنموسى إن التضخم الذي يعيشه المغرب يمثل حالة جديدة في الاقتصاد الوطني لم نشهد لها مثيلا منذ عقدين، مشيرا في ذات الوقت أن السياسة النقدية لبنك المغرب كانت لسنوات جد متزنة، حيث تعتبر أن أولوية السياسة النقدية هي ضبط نسبة التضخم، والحفاظ على قيمة العملة الوطنية. وأشار بنموسى في ندوة نظمها حزب "التقدم والاشتراكية" أمس الثلاثاء بالرباط، حول "غلاء الأسعار وتدهور الوضعية المعيشية للمغاربة"، أن المغرب يعيش أيضا ركودا اقتصاديا لم يعرفه الاقتصاد الوطني منذ عقود، مع ضغط تضخمي، وهي أخطر وضعية يمكن أن يعشيها أي اقتصاد.
وأضاف عضو لجنة النموذج التنموي " منذ أوائل الألفين كانت لدينا سيطرة على نسبة التضخم في حدود 2 أو 1.5 في المائة". وأشار أن السبب الرئيسي للتضخم سنة 2022 هو التضخم المستورد، أي الوضعية الدولية والحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على ثمن المواد الغذائية والنفطية. وأكد بنموسى أن التضخم الحالي هو تضخم من نوع آخر، ليس تضخما مستوردا بل تضخما وطنيا داخليا محليا، لأن التضخم الذي استوردناه في 2022 دخل في الاقتصاد الوطني وفي جميع دواليب الاقتصاد، وفي كل مناطق المغرب. وتابع "عندي يقين أن هذا التضخم مصطنع لأن عدة قطاعات وعدة فاعلين اقتصاديين ينشطون في قطاعات تتميز بشكل من التركيز والريع، التي اغتنمت فرصة التضخم المستورد لخلق تضخم داخلي رفع من هوامش ربحهم". لامبالاة الحكومة وأبرز أن ارتفاع المواد الأساسية بدأ أولا مع قطاع المحروقات، واليوم في المواد الغذائية التي تضرب بقوة جميع فئات المجتمع المغربي، وبالأخص الفئات الفقيرة والهشة، وأيضا المتوسطة، الشيء الذي أفرز احتقان اجتماعي رأيناه مؤخرا في عدة مظاهرات. وشدد بنموسى على أن الحكومة لا تأخذ بعين الاعتبار خطورة هذا الوضع الراهن، واتخذت بعض القرارات لكنها غير صائبة وضعيفة جدا، ومنها المساعدة المباشرة لقطاع النقل، كلفت أكثر من 4.5 مليار درهم، ولم يكن لها أي تأثير على تخفيض أثمنة المواد الأساسية وخاصة الغذائية. وزاد " هذا المبلغ ذهب هباء منثورا ورفع من هوامش قطاع ريعي مبني على المأذونيات، وله قوة تأثيرية على الحكومة مما أدى إلى اتخاذ هذا القرار". ولفت إلى أن القرار الثاني الذي اتخذته الحكومة هو خلق لجان تفتيشية في جميع مناطق المغرب، وهذه اللجان ذهبت عند الحائط القصير أي التجار الصغار والبقالة الذين يحققون هامش ربح جد متواضع، ولم تفتش كبار التجار الذين يحتكرون عدة قطاعات تجارية ويشترون مواد من الفلاحين الصغار بثلاثة دراهم ويبيعونها بضعف سعرها أربع مرات. خطأ بنك المغرب وسجل أن بنك المغرب رفع ثلاث مرات في ظرف ستة أشهر من سعر الفائدة الرئيسي، ظنا منه أن هذا القرار سيقلص من نسبة التضخم، وهذا خطأ كبير، لأننا أمام نوعين من التضخم، الأول نقدي ناتج عن ارتفاع الكتلة النقدية، وتضخم ناتج عن اختلالات الأسواق الداخلية، واختلالات المعاملات بين المنتجين والموزعين. وأكد أن الحل في مواجهة التضخم الذي يعشيه المغرب ليس نقديا بل حل سياسي وإداري في يد الحكومة، بينما هذه الأخيرة لا تشعر بمعاناة المواطنين والمواطنات وتقاعس في معالجة مشاكلهم، وكل وثائقها بما فيها قانون المالية بنى توقعاته على أساس أن يكون معدل التضخم في حدود 2 في المائة، في حين أن مندوبية التخطيط وبنك المغرب يتوقعون أن يبلغ معدل التضخم 5.5 في المائة سنة 2023. وتطرق بنموسى لما وصفه بالخلافات بين المؤسسات الدستورية، مشيرا أن هذا الأمر نعيشه لأول مرة في المغرب، خلافات بين الحكومة من جهة، وبين مندوبية التخطيط وبنك المغرب من جهة ثانية. وأشار أن بنك المغرب ومندوبية التخطيط انتقدا علانية السياسة الاقتصادية للحكومة، وهذا خلق شنآن واضطراب في المؤسسات العليا للدولة، وتكون له صورة سلبية للدولة داخليا وخارجيا. وشدد على أن الحكومة تملك وسائل عمل لا تفعلها من بينها قانون الأسعار والمنافسة لا في إطار الارتفاع المهول في أثمنة المحروقات، ولا في إطار ارتفاع المواد الغذائية. المحروقات والركود التضخمي واعتبر بنموسى أن من تسبب في كارثة الركود التضخمي بالمغرب هو قطاع المحروقات، مشيرا أن قانون المنافسة لم يطبق في هذه الحالة بسبب تماطل مجلس المنافسة في قرار ثمن المحروقات، وتماطل الحكومة في إصدار القوانين التطبيقية لقانون المجلس الجديد، مما يؤدي عمليا إلى فشل عمله، إضافة إلى التساؤلات الكبيرة حول أعضاء مجلس المنافسة الذي ساهم في تغيير رئيس المجلس من قبل الملك، مؤكدا أن الخلل كان في المجلس ككل وكان ينبغي تغيير كل مكوناته وليس رئيسه فقط. وشدد على أن كن تكلم بشجاعة على المشكل في المغرب هو المندوب السامي للتخطيط أحمد لحليمي، الذي تحدث عن أزمة العرض لأن المواد الغذائية المنتجة في المغرب لا توجه لجميع الأسواق الداخلية، إذ أن حوالي نصف المنتوج يذهب للتصدير، وهذا عبث كبير، على حد وصفه. واستغرب بنموسى كيف أنه لحد الآن ولا مؤسسة وطنية واحدة أجرت تقييما لمخطط المغرب الأخضر، لأنه هو من أوصل المغرب لهذه الحالة الكارثية، إلى جانب افتحاص مخططات التصنيع، التي حققت نقاط إيجابية على مستوى تصنيع السيارات وبعض أجزاء الطيارات، لكن في نفس الوقت أضعفت النسيج الاقتصادي الوطني.