أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على استعجالية إعادة تنظيم سلاسل التسويق وتقنين دور الوسطاء، من أجل التخفيف من ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية. ونبه المجلس في "نقطة يقظة" أن منظومة تسويق المنتجات الفلاحية، تعتريها جملة من مَواطن الهشاشة والاختلالات التنظيمية والوظيفية، وقد شكلت أحد الأسباب التي ساهمت في ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية الأساسية بشكل كبير. وأكد المجلس أن التدابير التي قامت بها السلطات العمومية، من قبيل مراقبة الأسعار ومحاربة المضاربات وضبط التصدير وتيسير استيراد اللحوم الحمراء، تبقى غير كافية للتقليص من حدة ارتفاع أسعار المنتوجات الفلاحية، لا سيما في ظل استمرار المنحى التصاعدي لأسعار المدخلات الفلاحية ومنتجات وقاية النباتات. واعتبرت "نقطة اليقظة" أن هناك مجموعة من العوامل والإشكالات البنيوية التي تحول دون كفاية هذه التدابير، أبرزها غياب إطار حكامة شامل ومندمج لمسلسل تسويق المنتجات الفلاحية، مما يؤدي إلى استمرار الاختلالات في تنظيم الأسواق لا سيما أسواق الجملة والأسواق الاسبوعية، فضلا عن انتشار نشاط مسارات البيع خارج إطار القطاع المنظم. كما لفت المجلس إلى ضعف قدرة الفلاحين الصغار والمتوسطين على تنظيم أنفسهم من أجل تسويق منتجاتهم في ظروف جيدة، بالإضافة إلى تسجيل تأخر كبير في رقمنة مسلسل تسويق المنتجات الفلاحية وتثمينها. ونبه إلى الحجم المفرط للوسطاء وعدم خضوعهم لما يكفي من المراقبة، وهو الأمر الذي يذكي المضاربة، ويؤدي إلى تعدد المتدخلين ويضر بمصالح المنتجين، كما يؤثر سليا على جودة المنتجات بالنظر لتسببه في إطالة مسار قنوات التسويق، ليؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع سعر البيع للمستهلك النهائي، إذ قد يتضاعف سعر المنتوج أحيانا ثلاث أو أربع مرات قبل أن يصل إلى المستهلك. وفي ظل هذا الوضع، دعا المجلس إلى اتخاذ جملة من التدابير الإجرائية، تمكن من تنظيم مسارات تسويق المنتجات الفلاحية والحد من مضاربة الوسطاء، وذلك من خلال الإسراع بإصلاح أسواق الجملة عبر إرساء نظام تدبير مفتوح أمام المنافسة، وجعل ولوج المهنيين إليه مشروطاً باحترام دفتر التحملات، وإصدار نصوص تنظيمية توضح السير الداخلي لهذه الأسواق، وشروط أهلية المتدخلين للاشتغال فيها، والكيفيات الجديدة لأداء الرسوم. كما أوصى المجلس بتطوير قنوات التسويق القصيرة ذات الطابع التعاوني، وتشجيع تجارة القرب لا سيما عبر العمل على تشجيع الفلاحين الصغار والمتوسطين على الانتظام في تعاونيات فلاحية، مع ترصيد المقاربات المعتمدة على مستوى سلسلتي إنتاج السكر والحليب. كما دعا إلى وضع إطار قانوني لتقنين مجال تخزين المنتجات الفلاحية، بما يسمح بتأطير التخزين الاستهلاكي أو التخزين لأعراض فلاحية، ومكافحة التخزين الاحتكاري. و شدد المجلس على ضرورة تسريع التحول الرقمي لمجال تسويق المنتجات الفلاحية، للولوج بشكل آلي إلى المعطيات المتعلقة بالأسعار الحقيقية، إضافة إلى وضع إطار تنظيمي محدد وملزم من أجل تقنين وإعادة النظر في دور ومهام الوسيط وتحديد حقوقه وواجباته على مستوى سلاسل التسويق. وإلى جانب ذلك، أكد المجلس على ضرورة تعزيز وتوسيع نطاق عمليات مراقبة الأسعار ومحاربة المضاربات ومدى احترام قواعد المنافسة في مختلف القطاعات ذات الصلة بارتفاع الأسعار، مع إحداث «مرصد للأسعار وهوامش الربح» الذي يمكن إلحاقه بمجلس المنافسة، بهدف المساعدة على رصد أي سلوك للمراكمة غير المبررة وغير المشروعة لهوامش الربح على حساب القدرة الشرائية للمواطن.